كنوز نت نشر بـ 28/11/2015 10:33 pm  

كنوز نت - كفركنا

بقلم الشيخ كمال خطيب- نائب رئيس الحركة الاسلامية الجناح الشمالي 

دور الأمثال الشعبية في صياغة الهوية

دائما وأبدا كانت الامثال الشعبية وليدة ونتاج الموروث العقائدي والحضاري والقيمي للأمة أي أمة , وان ما يصبح مثلا شعبيا يتردد على السن الناس في أي مجتمع او أمة هو حتما افراز من قرارات الظرف والتجربة والمعاناة لذلك المجتمع وتلك الأمة, وبالتالي فلن نجده بعيدا عن حقيقة الحالة والظرف الذي يعيشه ذلك المجتمع الذي اصبحت تلك الجملة او العبارة مثلا يتردد على السنة ابناء ذلك الشعب حتى ان اصبح يقال له مثل شعبي.
# ان المثل الشعبي الشهير ( حط رأسك بين الروس وقول يا قطاع الروس). هذا المثل وان كان في ظاهرة يدعو الى الجماعة والالتزام بها لكنه في الحقيقة يُعلِم الخنوع والخضوع والذلة تحت شعار الواقعية ومثلك مثل الناس. ان المسلم لا يرضى بالذل ولا ان يطأطئ الراس وإذا مات فانه يموت منتصبا مثل الاشجار وحتى لو بقي لوحده فانه لا يعطي الدنّية في دينه ولا يسلم رأسه للطواغيت بل انه يواجههم ليموت ميتة الابطال الصامدين مقبلا غير مدبر، وإذا ما تم الرجوع الى الزمان والظرف الذي قيل فيه ذلك المثل حتما انه كان ظرف انحطاط وتسلط اعداء وانكسار شوكة العرب والمسلمين، حيث تصبح السلامة الشخصية والبحث عن الحياة أي حياة ولو كانت مغموسة بالذل والعار والشنار.
# ومثل ذلك المثل فانه المثل الاخر(كف ما بتلاطم مخرز) والذي يدعو الى الخنوع والاستكانة, والذلة. والمثل القائل(جوز امي هو عمي) والذي تنبعث منه رائحة الانانية والمصلحة الشخصية ولو على حساب كرامة الانسان وعزة نفسه حيث تصبح المصلحة هي دينه والانا هو معبوده.
وفي المقابل فان موروثنا من الامثال الشعبية ليزخر بغير عد بالأمثلة التي تُعلِم العزة وتدعو الى الكرامة وتنفث في الناس الشموخ والكبرياء، انها الامثال التي نستوحي مضامينها ومعانيها من القران الكريم، ومن السنة الشريفة ومن التاريخ المشرف لهذه الامة حيث صولات العز وجولات البطولة وما اكثرها. ففي زمن وخلال عصور الانتصارات وقهر الاعداء وتأديب المتطاولين فان الشعراء والكتاب والأدباء والقصاصين يصبحون ولا يكون لهم انتاج إلا وقد تنسم عبق ذلك الظرف وتوشح بألوانه واخذ من معانية حيث من هذا كله تتشكل شخصية المسلم وترتسم معالم هويته الدينية والقومية والوطنية ومن هذه الامثال:
# ( الحق بالسيف والعاجز يشتكي)
انها الاشارة الواضحة والدلالة الاوضح الى ان القوة والحق مقترنان، وان العجز والتشكي والتذلل كذلك مقترنان، انه صاحب الحق وصاحب الرسالة فانه يوصلها الى حيث يشاء، وانه كذلك اذا حاول البعض ان ينتزع حقه او يغتصب ارضه او مقدساته او ينتهك عرضة فانه لا يتردد بالسعي لاسترداد حقه وانتزاع ما تم اغتصابه انه لأجل ذلك يشهر سيفه ويسخر كل إمكانياته للوصول الى مبتغاة.
انه لا يعرف الجلوس للبكاء واللطم وندب الحظ واستعطاف اولئك الذين سلبوه ارضة او انتهكوا عرضة انه يعلم المقولة القائلة (حط السيف قبال السيف الحق بيرجع لصحابة) انه يعرف ان لا التذلل ولا التوسل ولا الدموع تعيد له الحق، وإنما هو الذي يستجمع قواه ويعد عدته ويستخلص العبر ويتخلص من نقاط ضعفه ثم يمضي الى الامام متوكلا على الله، شعاره " ألا لا نامت اعين الجبناء" .
انه الذي لا يعرف إلا لغة العزة والرجولة كمقولة المعتصم لملك الروم الذي اسر جنوده امرأة مسلمة ( اطلق سراح المرأة المسلمة وإلا والذي بعث محمدا بالحق لأسيرن لك جيشا اوله عندك وآخره عندي). انه لا يبحث عن وسطاء ولا شفعاء عند من سلبه ارضه او انتهك عرضه لعلهم يعيدون حقه المسلوب. وانه لا يشتكي لأحد ابدا وإنما هو الذي تحدث بلغة العزة ويكتب رسائله بمداد الكرامة وقد قال ابو تمام في ذلك قصيدته المشهورة التي كتبها :
" السيف اصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب".
وإذا كان هذا هو سلوك صاحب الحق صاحب العقيدة والقوي العزيز فان سلوك العاجز والضعيف هو على العكس من ذلك تماما، ان العاجز والجبان والضعيف لا يعرف لغة العزة لاسترداد حقه وإنما لغته هي لغة التشكي والتذلل والانبطاح والدموع يظن انه بها سيرقق قلب من اذله ويحرك مشاعر من اهانه.

وهل أدل واصدق على سلوك العاجز من شعبنا الفلسطيني الذي سلبت ارضه واغتصب وطنه فانه قد ذهب الى مجلس الامن وهيئة الامم والتي بدورها اصدرت القرارات التي بقيت حبرا على ورق رغم مرور 67 عاما على نكبة شعبنا، اننا نشكو الاحتلال الى محكمة الجنايات الدولية والي غيرها مع علمنا انه الاحتلال الوقح الذي يضرب عرض الحائط كل القرارات بل كل من يقف وراءها، انه شعبنا الذي تعلم الدرس جيدا وأيقن ان التشكي والانبطاح عبر ما سميت اتفاقيات سلام او عبر تدخل امريكي والغرب لن تعيد له حقه لذلك وجدنا شعبنا ينتفض ويهب في وجه الاحتلال رغم فوارق الامكانيات حيث الحجر يقابله صاروخ والسكين يقابلها طائرة، ولكن ولأنه كفر بكل الوعود وما عاد يصدق اكاذيب السياسيين فانه راح يردد (الحق بالسيف والعاجز يشتكي) وشعبنا صاحب حق وشعبنا ليس عاجزا.
# (حب الموت بكرهه غيرك)
ليس لان المسلم لا يحب الحياة والعمل بها بل انه الذي خاطبه ربه بقوله تعالي ( وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) والوصية المباركة التي تقول (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) انه لا تناقض ابدا بين العمل للآخرة مع عدم نسيان نصيبنا من الدنيا وانه لا تناقض ابدا بين شعور العيش الابدي وبين استشعار الموت القريب.
ولكن وبالمقابل فانه المسلم الذي لا يبحث عن الحياة مثل الذين وصفهم الله من بني اسرائيل بقوله (ولتجدنهم احرص الناس على حياة) نعم ان المسلم لا يقبل حياة الذل وحياة الخنوع وحياة التبعية انه لا يقبل حياة مغموسة وملفعة بالهوان والعار وإلا فان لم تكن حياة العز والشرف والكرامة والسيادة والقيادة فان بطن الارض عند ذلك خير من ظهرها.
ومن يريد الحياة بأي ثمن ويسعى لنيل ذلك فانه على استعداد لان يقبل بالفتات يلقيه اليه غيره وان يقبل ان يكون في الذيل بينما يتصدر غيره وان تكون يده هي السفلى ويد غيره العليا وان من اهم اسباب هذه الحالة والظاهرة تصيب المسلم انه يخاف من اعدائه حيث ينظر اليهم دائما انهم الاقوى والأعلم ولاغنى والأذكى الى غير ذلك من الصفات التي هي ليست فيهم لولا انه هو قد افتقدها.
ان المسلم اذا حرص على حياة العز والشرف ولم يرض بالدون ولا بالتبعية فانه يقدم لأجل ذلك اثمن ما يملك ولو كانت روحه يبذلها من اجل مبادئه وعقيدته في سبيل الله تعالى ما دام هو يقدم لأجل دينه وعقيدته روحه وحياته اصبحت رخيصة في سبيل الله يقدمها فان اثر ذلك سينعكس مباشرة على معنويات الطرف الآخر, انهم قادتنا العظام في تاريخنا الزاهي كانوا اذا ارسلوا الى قادة اعدائهم رسالة فإنهم يقولون فيها( جئناكم برجال يحرصون على الموت كما تحرصون انتم على الحياة) ومن يحرص على الحياة فانه يخاف الموت وانه الجبان الذي لا يشد به الظهر، فبمقدار ما يرى منا اعداؤنا حرصا على البذل والتضحية وحتى الموت في سبيل الله فانه حتما سيؤدي الى ضعف وهزيمة اعدائهم لحرصهم على الدنيا عند ذلك وكرههم الموت في سبيل دينهم وعقائدهم حتى ان قادة الاعداء كانوا اذا نظروا للمسلمين وتفانيهم على الموت في سبيل الله فإنهم كانوا يقولون( وماذا نفعل مع اقوام لو ارادوا خلع الجبال لخلعوها). هكذا اذن هي المعادلة يوضحها المثل الشعبي القائل (حب الموت يكرهه غيرك).
# (صوت الشعب من صوت الرب)
ان في هذا المثل الشعبي من الدلالات ما يكفي لاعتبار ان ارادة الشعب هي من ارادة الله سبحانه وتعالى انه الشعب الذي يجب عليه ان يتحرك وان يغضب وان يندفع وان يسعى لتغيير الواقع وان لا يرضى بالأمر الواقع اذا كان هو واقع الذل والهزيمة والظلم والقهر، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ( لا تجتمع امتي على ضلالة) في اشارة الى ان الصواب والخير يكون حيث تكون ارادة الشعب ووجهته، انها ليست هي الامة وليس هو الشعب المؤمن الذي يخشى مواجهة الظالمين كما قال صلى الله عليه وسلم ( اذا رأيت امتي تهاب ان تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها) وكيف تكون امة حية تلك الامة التي لا تواجه الظالمين وهي تعلم ان الله لا يحب الظالمين انها ان رضيت بالظلم فإنها الامة الميتة لا حياة فيها.
انه المثل الشعبي اذن الذي يقول للشعب ارفع صوتك في وجه الظالمين والمستبدين ارفع صوتك ايها الشعب في وجه اللصوص وسارقي ثروات بلادهم، ارفع صوتك ايها الشعب في وجه الجبناء من الحكام الذين يفرطون في مقدساتهم ودينهم، ارفع صوتك ايها الشعب لان صوتك من صوت الله الذي اعلن الحرب على الخائنين والظالمين والمفسدين.
انني لا اظن الشاعر ابا القاسم الشابي قد تجاوز حينما قال في قصيدته المشهورة:
اذا الشعب يوما اراد الحياة * فلا بد ان يستجيب القدر
ولئن تحفظ البعض على هذا القول بادعاء ان فيه شرك حيث الله جلاله وقدره نافذ ولا يملي عليه أحد, اما انا فأرى ان ما قصد الشاعر الشابي هو ما قصده المثل الشعبي (صوت الشعب من صوت الرب) فإذا كانت ارادة التغيير عند الشعب وإرادة الثورة ضد الظلم وعلا صوت المظلومين، عند ذلك حتما سيكون التغيير. ان الشعوب هي اسباب هذا القدر وما اجمل ما قاله المرحوم فيلسوف الاسلام محمد اقبال حيث قال ( المسلم الضعيف يتعذر دائما بالقضاء والقدر وأما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يبرر)ومثلما ان المسلم القوي هو قضاء الله وقدره في فهم محمد اقبال فان الشعب المؤمن والأمة المسلمة هي كذلك قضاء الله وقدره في التغيير. فإذا علا صوت الشعب لمواجهة الظلم والقهر فانه حتما سينتصر لان الشعب يستمد قوة صوته من صوت الرب الله جل جلاله، الم يقل ربنا سبحانه في الحديث القدسي الجليل عن العبد الذي يتقرب منه سبحانه فان الله يقترب منه اكثر (وما زال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لاعطينه, ولئن إستعاذني لأعيذنه) وكما يكون الله للفرد, يكون للشعب.
فإذا سمعتم من يستند ويستشهد بالأمثال الشعبية وتغليفها بالواقعية لتبرير القعود والوهن والانهزامية فتذكروا ان هناك من استندوا واستشهدوا بآيات من القران الكريم لوّوا عنقها لتبرير مشاريع مشبوهة واستسلام وخضوع مفضوح كشيخ الازهر الذي برر للسادات اتفاقيته المخزية مع اسرائيل وزيارته لها بقوله تعالى( وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) ناسيا او جاهلا او متجاهلا ان الاية التي تسبقها يقول الله فيها ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) حيث الاية واضحة في ضرورة الاستعداد والتجهيز بكل اسباب القوة فإذا كان هذا الاستعداد الواضح للقتال سببا في ردع وتخويف المستبدين والمتطاولين وكف ايديهم فلا بأس عن ذلك بالجنوح الى السلم حيث الحرب ليست غاية ولا هواية .
نعم فإذا سمعتم من يستشهد بالأمثال الشعبية لتبرير الانهزامية فاستشهدوا انتم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبالأمثال الشعبية للدعوة الى الكرامة والعزة وصياغة الهوية وعندها حتما سيكون صوتكم صوت الشعب من صوت الرب سبحانه.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)