المثل لغة واصطلاحا
تعريف الأمثال
لغة: الأمثال جمع مثل و هو مأخذ من قولنا هذا مثل الشيء ومِثله، كما تقول شَبهه، وشِبهه، لأن الأصل فيه التشبيه. وللعرب أمثال جيدة خلفوها لنا تدل على عقليتهم أكثر مما يدل عليها الشعر والقصص، ولعل سبب ذلك يعود إلى أن المثل يوافق مزاجهم العقلي و هو النظر الجزئي الموضعي لا الكلي الشامل. والمثل لا يستدعي إحاطة بالعلم أو شؤون الحياة.
اصطلاحا:الأمثال هي العبارة الفنية السائرة الموجزة التي تضاع لتصوير موقفا أو حادثة و لتستخلص خبرة إنسانية يمكن استعادتها في حلة أخرى مشابهة لها مثل:”رب ساع لقاعد”و”إن البغاث بأرضنا يستنسر”و”رجع بخي حنين”و”إياك واسمعي يا جارة”و”رب قول أشد من صول”.
وتعريف آخر للأمثال و هي جملة قيلت في مناسبة خاصة ، ثم صارت- لما فيها من حكمة- تذكر في كل مناسبة مشابهة . ولكي تصير الجملة مثلاً فلابد من اشتمالها علي الإيجازب وحسن التشبيه و إصابة المعني و حسن الكناية .و نماذج من الأمثال:
قَبْلَ الرِّمَاءِ تُملأُ الكَنائِنُ) معناه: قبل أن تخرج للصيد فعليك أن تملأ حافظات السهام بالسهام ( الكنائن جمع كنانة) ويُقال : للانسان يودُّ القيام بأمر لم يستَعِدَّ له، كالطالب يودُّ النجاح دون كد.
المثل في اللغة
يظهر من غير واحد من المعاجم، كلسان العرب والقاموس المحيط، أنّ للفظ “المثل” معانى مختلفة، كالنظير والصفة والعبرة وما يجعل مثالاً لغيره يُحذا عليه إلى غير ذلك من المعانى.
قال الفيروز آبادي: المِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه، والجمع أمثال؛ والمَثَلُ ـ محرّكة ـ الحجة، والصفة؛ والمثال: المقدار والقصاص، إلى غير ذلك من المعانى، ولكن الظاهر أنّ الجميع من قبيل المصاديق، وما ذكروه من باب خلط المفهوم بها وليس للّفظ إلا معنى أو معنيين، والباقي صور ومصاديق لذلك المفهوم، وممن نبَّه على ذلك صاحب معجم المقاييس، حيث قال:
المِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء.
المَثَلَ في الاصطلاح
المَثَلُ: قسم من الحكم، يرد في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها، ثمّ يتداولها الناس في غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من وجازة وغرابة ودقة في التصوير.
فالكلمة الحكيمة على قسمين: سائر منتشر بين الناس ودارج على الاَلسن فهو المثل، وإلا فهي كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة.
فما ربما يقال : “المثل السائر” فالوصف قيد توضيحي لا احترازي، لاَنّ الانتشار والتداول داخل في مفهومالمثل، ويظهر ذلك من أبى هلال العسكري (المتوفى حوالى 400هـ )، حيث قال: جعل كل حكمة سائرة،مَثَلاً، وقد يأتى القائل بما يحسن من الكلام أن يتمثل به إلاّ أنّه لا يتفق أن يسير فلا يكون مَثَلاً.
وكلامه هذا ينم”انّ الشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الألسن هو الفارق بين الحكمة والمثل، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول،ومثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداوَه في المناسبات المختلفة”.
د. أبو شامة المغربي
الأمثال العربية في العصر الجاهلي محمد سليم اختر التيمي السنة الأولى من الماجستير جامعة اللغة الإنكليزية واللغات الأجنبية,حيدراباد
الأمثال العربية هي حكمة الشعوب و مرآتهم التي تعكس أحاسيسهم على مختلف مستوياتهم وهي المتنفس الوحيد لمشاكلهم والمعبر عن همومهم. كما هي بمثابة معايير أخلاقية يضعها عقلاء القوم لتكون ضابطاً سلوكيا ومنهجا أخلاقيا لعامته وخاصته يتناقلها الخلف عن السلف جيلا بعد جيل فتظل محفورة في ذاكرة الشعب تعبر عن كفاح أبناءه عبر سنين حياتهم سرائها وضرائها، نعيمها وبؤسها، يسرها وعسرها، خيرها وشرها،كما هي أصدق شئ يتحدث عن أخلاق الأمة وتفكيرها وعقليتها وعاداتها ، ويصور المجتمع وحياته وشعوره أتم تصوير فهي صورة للحياة الاجتماعية والعقلية والسياسية والدينية واللغوية ، وهي أقوي دلالة من الشعر في ذلك لأنه لغة طائفة ممتازة.قبل الدخول في صلب الموضوع يناسب لي تقديم تعريف الأمثال لغة واصطلاحا.
تقسيم الأمثال العربية:تنقسم الأمثال العربية إلى أمثال حقيقية وأمثال فرضية.
أما الأمثال الحقيقية، لها أصل و قائلها معروف غالبا ونماذج منها:
وافق شن طبقة”شَنّ رجل من العرب خرج ليبحث عن امرأة مثله يتزوجها، فرافقه رجل في الطريق إلى القرية التي يقصدها، ولم يكن يعرفه من قبل. قال شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب فكيف تحملني أو أحملك؟ فسكت شن حتى قابلتهما جنازة، فقال شن : أصاحب هذا النعش حى أم ميت ؟، فقال الرجل : ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة وتسأل عن صاحبها أميت أم حي، فسكت شن، ثم أراد مفارقته، فأبى الرجل وأخذه إلى منزله، وكانت له بنت تسمى طبقة. فسألت أباها عن الضيف فأخبرها بما حدث منه ، وأبت ما هذا بجاهل؛ إنه أراد بقوله أتحملني أم أحملك: أتحدثني أم أحدثك. وأما قوله في الجنازة فإنه أراد: هل ترك عقبا يحيا به ذكره؟ فخرج الرجل وجلس مع شن وفسر له كلامه، فقال شن: ما هذا بكلامك ، فصارحه بأنه قول ابنته طبقة، فتزوجها شن. ويضرب مثلا للمتوافقين.
الصيف ضيعت اللبن ” قاله عمرو بن عمرو بن عدس وكان شيخا كبيرا تزوج بامرأة فضاقت به، فطلقها فتزوجت فتى جميلا وأجدبت. فبعثت تطلب من عمرو حلوبة أو لبنا ، فقال ذلك المثل، ويضرب هذا المثل لمن يطلب شيئا فوته على نفسه.
وأما الأمثال الفرضية، فهي ما كانت من تخيل أديب ووضعها عل لسان طائر أو حيوان أو جماد أو نبات أو ما شاكل ذلك والفرضية تساعد علي النقد والتهكم والسخرية وخاصة في عصور الاستبداد وهي وسيلة ناجحة للوعظ والتهذيب والفكاهة والتسلية مثل كليلة ودمنة وسلوان المطاع وفاكهة الخلفاء.
ميزات الأمثال العربية الجاهلية
من المعلوم لدى الجميع أن الأمثال العربية في العصر الجاهلي متصفة بمزايا وخصائص تميزها كل تمييز عن أخواتها و مثيلاتها،و من أظهر وأوضح مميزاتها قلة الألفاظ وكثرة المعاني وسهولتها ووضوحها، والخلو من تكلف البديع، والإيجاز لا الإطناب والتطويل، وجمال الصياغة وحسن التعبير وجزيل اللفظ وقوي التركيب وموجز الأسلوب وسطحي الفكر وسلاسة العبارة وسيولتها وفصاحتها وبلاغتها وقوة التأثير، ولا يُلتزمُ أن يكونَ المثلُ صحيح المنحى فقد يَشتهر مثلٌ لا يصح معناه في كل وقت، ولكنْ صادفَ ظرفاً شهيراً فاشتُهر به، ولما كانت الأمثال نتاج الناس جميعاً فقد جمعتِ الصحيح وغيرَ الصحيح، ولا كذلك الحكمة، فإن الحكمة وليدةُ عقل متميز ذي ارتفاع فلا بدّ أن تكون صادقة في كل الأحوال.
وأعظم ما اختصت به الأمثال العربية الجاهلية، جريان الكلمات مع الطبع فليس تكلف ولا زخرف ولا غلو،تسير مع أخلاق البدوي وبيئته،وقال ابراهيم النظام : يجتمع في المثل أربع ميزات لا تجتمع في غيره من الكلام:إيجاز اللفظ و إصابة المعنى و حسن التشبيه و جودة الكفاية،فهونهاية البلاغة، ونماذج من الأمثال:
بلغ السيل الزبى
قَبْلَ الرِّمَاءِ تُملأُ الكَنائِنُ
جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك
سمن كلبك يأكلك
جزاءه جزاء سنمار
يضرب لمن يحسن في عمله فيكافأ بالإساءة
العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامة
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
العين بصيرة واليد قصيرة
مد رجلك على قد لحافك
أهمية الأمثال العربية في العصر الجاهلي
هذا لا يخفى على كل من له أدنى إلمام بالأدب العربي في العصر الجاهلي أن الأمثال العربية لها أهمية كبرى ومكانة مرموقة في العرب وهي خلاصة وثمرات الناس وتجاربهم، بها تنطق ألسنتهم و تصف أحوالهم الفكرية والاجتماعية والأدبية والثقافية والتاريخية والوطنية والأخلاقية ،وتترجم واقعهم وآمالهم وآلامهم ،في عبارات بليغة موجزة وتعبر في أبلغ بيان عن واقعهعم وحياتهم ، ويمكن القول أن الأمثال لأي أمة من الأمم هي صوتها القوي وقلبها النابض وضميرها الحي وعقلها الواعي.وقال ابن الجوزية:ففي الأمثال من تأنس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق لا يجحده أحد ولا ينكره وكلما ظهرت الأمثال ازداد المعنى ظهورا ووضوحا، فالأمثال شواهد المعنى المراد،وهى خاصية العقل ولبه و ثمرته.وقال الإمام السيوطي :المثل ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه،حتى ابتذلوا فيما بينهم ،وفاهوا به في السراء والضراء واستدروا به الممتنع من الدر ووصلوا به المطالب القصية،وتفرجوا به عن الكرب والكربة وهو من أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر في الجودة أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة.
وأن العرب كانوا ذا نفوس حساسة و أولو غيرة و أصحاب ارتجال و بديه،فدفعهم كل ذلك إلى مساهمة كبيرة في الأمثال ،واستخدموها في كل مجال من المجالات المختلفة، فلا يخلو موقف من حياتنا العامة إلا ونجد مثلا ضرب عليه، ولا تخلو خطبة مشهورة ولا قصيدة سائرة من مثل رائع مؤثر في حياتنا. فيكتب الجاحظ عن العرب في ضرب الأمثال العربية في كتابه العظيم “ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي وربيعة بن حذار و هرم بن قطيعة و عامر بن الظرب و لبيد بن ربيعة ،فأما أكثم فكان من المعمرين ،و يقال إنه لحق الإسلام و حاول أن يعلن إسلامه فركب متوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، غير أنه مات في الطريق ،وتدور على لسانه حكم و أمثال كثيرة،و قد ساق السيوطي في المزهر و هي تجري على هذا النسق”
تطور الأمثال العربية الجاهلية عبر التاريخ
من المعلوم لدى الجميع أن نشأة الأمثال العربية كما نشأت في العصر الجاهلي وتطورها كما تطورت لا يمكن تحديدها بالسنة ،لأن المعلومات عنها ما وجدت مكتوبة كالخطابة بأن الكتابة ما كانت رائجة في ذالك العصر كيومنا هذا،ولكنها-كما علمت بالدراسة والمطالعة- فن قديم يصاغ انطلاقاً من تجارب وخبرات عميقة، يحمل تراث أجيال متلاحقة، بتناقلها الناس شفاها أو كتابة، تعمل على توحيد الوجدان والطبائع والعادات، وقد تقوم في هذا المجال بدور فعال في دفع عجلة المجتمع إلى الأمام باتجاه التطور والبناء.لذلك ينظر إليها باعتبارها وثيقة تاريخية واجتماعية ، نشأت مع نشوء ذيوع الكتابة وقد استغلتها بعض الأمم قديما (كالسومريين مثلا) إلى جعلها وسيلة تعلم، فنقشوها على ألواحهم، كونها تراثاً شفهيا لدى كل الشعوب القديمة مع اختلافها في الطابع والثقافة ومعايير عاداتهم الخاصة.
وهذه حقيقة أن العرب كانوا متصفين بطلاقة اللسن وفصاحة البيان وبلاغته وأناقة اللهجات واختيار الكلمات الجزلة الجذابة وارتجال وبديه وكثرة المعانى في قلة الألفاظ في انشاد الأشعار وإلقاء الخطب،ولديهم كانت رغبة صادقة وشوقا شديدا أن يكون لكل قبيلة شاعر ليرفع ذكرهم أو خطيب ليشد أزرهم وربما يجتمع الصفتان في واحد.فكل ذالك دفعهم إلى المساهمة الكبيرة في الأمثال العربية بكل وسيلة من الوسائل المتوفرة في المفاخرات والمنافرات المنعقدة في الأسواق والمجالس الأندية و الأماكن الأخرى.و بكل من ذالك لقيت الأمثال العربية الشيوع و الذيوع في ذلك العصر ،و كذلك الحال حتى جاء عهد التدوين والتأليف ، واهتم علماء العرب و العجم بجمع الأمثال العربية بالتأليف و التصنيف و نشر المقالات في المجلات و الجرائد، و بهذه الخدمات الجليلة لعبوا دورا فعالا في تطور الأمثال العربية عبر التاريخ. هناك استعرض تلك الوسائل التي لها دور هام في تطور الأمثال العربية في العصر الجاهلي و العصور الأخرى وتحفظها من الاندثار والانحطاط تبعا لأحوال العمران بمر العصور والدهور.
النثر: هو كلام اختيرت ألفاظه وانتقيت تراكيبه وأحسنت صياغة عباراته بحيث يؤثر في المستمع عن طريق جودة صنعته. فهو يختلف عن الكلام العادي الذي يتكلم به الناس في شؤونهم العادية.
و من المعلوم لدى الجميع أن العرب كانوا يحبون النثر و يقرؤونه وينقلونه، الذي يكون متصفة بالإيجاز و كثرة المعاني في قلة الألفاظ و أحسن التعبيرات و الفصاحة والبلاغة و السلاسة و السيولة.فأدباءهم و كتابهم كانوا يحاولون محاولة كبيرة في تحسين نثرهم بصياغة العبارة و أحسن التراكيب واختيار الألفاظ الجزلة عامة و باستعمال الأمثال خاصة للتأثير في قلوب القراء و لتحصيل القبول والشهور بينهم.وبعد ذلك سلك الكتاب في كل عصر و مصر مسلكهم في الأمثال العربية،واهتموا بذلك اهتماما بالغا ،وسابقوا إليه مسابقة كبيرة، و في مقدمهم ضبة بن أد وسحيم ابن وثيل الرياحي وقراد بن أجدع و النعمان بن المنذر..فللنثر الفضل العظيم في تطور الأمثال العربية عبر التاريخ.
أمثال العرب من قديم الزمان مع الشرح
اضرب العيبه يهتز الجمل
(العيبة ) وعاء كبير من الجلد المدبوغ يوضع فيه التمر والبن والحبوب ونحو ذلك ويستوعب أكثر من خمسة عشر صاعاً . والمراد من هذا المثل الجنوبي هو الاحتراس والانتباه وأن الكلام والتوبيخ الموجه للغير إنما يعني شخصاً معيناً ويشبه في معناه بالمثل القائل ( إياك أعني واسمعي يا جارة )
حبلى ماتنفس حيلى
أي أن من كان ذا مشاغل لا تستفيد منه بشيء إذا لجأت إليه في أمر مهم يتعلق بك . فالمشغول مشغول بنفسه ولن يكون لديه القدرة على حل مشاكل الآخرين . وفي هذا المعنى يقول مثل آخر ( المشغول لا يشغل )
ضرب الام ولا ضرب العمه
قد يكون الضرب والتهديد مقبولاً من الأم ولكنه صعباً ومراً حين ما يأتي من العمه .. وللمثل مغزى يهدف إليه
ضرب المثل من أكثر الأشكال التعبيرية الشعبية انتشارا وشيوعا، ولا تخلو منها أية ثقافة، إذ نجدها تعكس مشاعر الشعوب على اختلاف طبقاتها وانتماءتها، وتجسد أفكارها وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومعظم مظاهر حياتها، في صورة حية وفي دلالة إنسانية شاملة، فهي بذلك عصارة حكمة الشعوب وذاكرتها. وتتسم الأمثال بسرعة انتشارها وتداولها من جيل إلى جيل، وانتقالها من لغة إلى أخرى عبر الأزمنة والأمكنة، بالإضافة إلى إيجاز نصها وجمال لفظها وكثافة معانيها.
ولقد حظيت الأمثال الشعبية بعناية خاصة، عند الغرب والعرب على حد سواء، ولعل عناية
الأدباء العرب بهذا الشكل التعبيري كان لها طابع مميز، نظرا للأهمية التي يكتسيها المثل في الثقافة العربية، فنجد
ابن الأثيريشير إلى أهميتها وهو يحيط المتصدي لدراسة الأمثال علما أن «الحاجة إليها شديدة، وذلك أن
العرب لم تصغ الأمثال إلا لأسباب أوجبتها وحوادث اقتضتها، فصار المثل المضروب لأمر من الأمور عندهم كالعلامة التي يعرف بها الشيء»
تعريف المثل الشعبي ,
لقد اعتنى العرب بالأمثال منذ القديم، فكان لكل ضرب من ضروب حياتهم مثل يستشهد به، وبلغت عناية اللغويين العرب حدا مميزا عن سواهم، إذ كان المثل بالنسبة إليهم يجسد اللغة الصافية إلى حد كبير، فأخذوا منها الشواهد وبنوا على أساسها شاهقات بنائهم اللغوي. ومن هنا فإن أول ما ينبغي على الباحث عن معنى كلمة «مثل» هو تقصيها في معاجم اللغة، ومن ثم النظر فيما جاء في كتب
التراث وكتب الأمثال من تعاريف للمثل.
تعريف المثل في معاجم اللغة
إن معنى مادة «مثل» يتوزع في معاجم اللغة بين هذه المفاهيم التي يختلط فيها المحسوس والمجرد: «التسوية والمماثلة، الشبه والنظير، الحديث، الصفة، الخبر، الحذو، الحجة، الند، العبرة، الآية، المقدار، القالب، الانتصاب، نصب الهدف، الفضيلة، التصوير، الالتصاق بالأرض، الذهاب، الزوال، التنكيل، العقوبة، القصاص، الجهد، الفراش، النمط، الحجر المنقور، الوصف والإبانة»
ولقد ورد في
«لسان العرب» عن هذه المادة ما يلي: «مثل: كلمة تسوية، يقال هذا مثله ومثله كما يقال شبهه وشبهه؛ قال
ابن بري: الفرق بين المماثلة والمساواة أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين، لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص، وأما المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين. والمثل: الحديث نفسه. والمثل: الشيء الذي يضرب لشيء مثلا فيجعل مثله، وفي الصحاح: ما يضرب به من الأمثال. قال الجوهري: ومثل الشيء أيضا صفته. قال بن سيده: وقوله عز من قائل: ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون﴾ قال الليث: مثلها هو الخبر عنها، وقال
أبو إسحاق: معناه صفة الجنة. ويقال: مثل زيد مثل فلان، إنما المثل مأخوذ من المثال والحذو، والصفة تحلية ونعت. ويقال: تمثل فلان ضرب مثلا، وتمثل بالشيء ضربه مثلا. وقد يكون المثل بمعنى العبرة ومنه قوله عز وجل: ﴿فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين﴾، فمعنى السلف أنا جعلناهم متقدمين يتعظ بهم الغابرون، ومعنى قوله مثلا أي عبرة يعتبر بها المتأخرون، ويكون المثل بمعنى الآية، قال الله عز وجل في صفة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: ﴿وجعلناه مثلا لبني إسرائيل﴾ أي آية تدل على نبوته. والمثال: المقدار وهو من الشبه، والمثل ما جعل مثالا أي مقدارا لغيره يحذى عليه. والمثال: القالب الذي يقدر على مثله. أبو حنيفة: المثال قالب يدخل عين النصل في خرق في وسطه ثم يطرق غراراه حتى ينبسطا، والجمع أمثلة. وتماثل العليل: قارب البرء فصار أشبه بالصحيح من العليل المنهوك، وقيل: إن قولهم تماثل المريض من المثول والانتصاب كأنه هم بالنهوض والانتصاب. وفي حديث عائشة تصف أباها رضوان الله عليهما: فحنت له قسيها وامتثلوه غرضا أي نصبوه هدفا لسهام ملامهم وأقوالهم. وقد مثل الرجل، الضم، مثالة أي صار فاضلا، قال بن بري: المثالة حسن الحال. والأمثل: الأفضل. والطريقة المثلى: التي هي أشبه بالحق. والتمثال: الصورة. ومثل له الشيء: صوره حتى كأنه ينظر إليه. والماثل: القائم، والماثل: اللاطيء بالأرض، ومثل: لطيء بالأرض وهو من الأضداد. ومثل يمثل: زال عن موضعه. ومثل بالرجل مثلا ومثلة:. نكل به. والمثلة. العقوبة. وامتثل منه: اقتص. وقالوا: مثل ماثل أي جهد جاهد. والمثال: الفراش. والنمط. وحجر قد نقر في وجهه نقر.»
ان إبراهيم
الفارابي قد عرف المثل بقوله: «المثل ما تراضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم وفاهوا به في السراء والضراء، واستدروا به الممتنع من الدر، ووصلوا به إلى المطالب القصية، وتفرجوا به عن الكرب والمكربة، وهو من أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر في الجودة أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة»
ويقول
السيوطي في تعريف المثل نقلا عن
المرزوقي صاحب كتاب «شرح الفصيح» إنه: «جملة من القول مقتضبة من أصلها أو مرسلة بذاتها، فتتسم بالقبول وتشتهر بالتداول فتنتقل عما وردت فيه إلى كل ما يصح قصده بها، من غير تغيير يلحقها في لفظها وعما يوجه الظاهر إلى أشباهه من المعاني، فلذلك تضرب وإن جهلت أسبابها التي خرجت عليها، واستجيز من الحذف ومضارع ضرورات الشعر فيها ما لا يستجاز في سائر الكلام»
نجد
الميداني قد استهل كتابه «مجمع الأمثال» بعرض آراء بعض أهل اللغة والأدب والكلام، إذ يذكر رأي المبرد قائلا: «المثل مأخوذ من المثال، وهو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول والأصل فيه التشبيه. فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول، كقول
كعب بن زهير:
كانت مواعيد
عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها إلا الأباطيل
فمواعيد عرقوب علم لكل ما لا يصح من المواعيد»
وينتقل الميداني بعد ذلك إلى عرض رأي كل من
إبراهيم النظام وابن المقفع قائلا: «وقال إبراهيم النظام: يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة. وقال ابن المقفع: إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق وآنق للسمع وأوسع لشعوب الحديث»
ويختم الميداني مقدمة المجمع برأي شخصي إذ يقول: «أربعة أحرف سمع فيها فعل وفعل، وهي مثل ومثل، وشبه وشبه، وبدل وبدل، ونكل ونكل، فمثل الشيء ومثله وشبهه وشبهه: ما يماثله ويشابهه قدرا وصفة. فالمثل ما يمثل به الشيء: أي يشبه. فصار المثل اسما مصرحا لهذا الذي يضرب ثم يرد إلى أصله الذي كان له من الصفة، فيقال: مثلك ومثل فلان: أي صفتك وصفته، ومنه قوله تعالى: ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون﴾ أي صفتها، ولشدة امتزاج معنى الصفة به صح أن يقال: جعلت زيدا مثلا والقوم أمثالا، ومنه قوله تعالى: ﴿ساء مثلا القوم﴾ جعل القوم أنفسهم مثلا في أحد القولين، والله أعلم»
أما
العسكري فقد تناول ظاهرة الاقتصاد اللغوي في المثل إذ يقول: «ولما عرفت العرب الأمثال تتصرف في أكثر وجوه الكلام وتدخل في جل أساليب القول، أخرجوا في أوقاتها من الألفاظ ليخف استعمالها ويسهل تداولها، فهي من أجل الكلام وأنبله وأشرفه وأفضله، لقلة ألفاظها وكثرة معانيها ويسير مؤونتها على المتكلم من كثير عنايتها وجسيم عائداتها، ومن عجائبها أنها مع إعجازها تعمل عمل الإطناب، ولها روعة إذا برزت في أثناء الخطاب والحفظ الموكل بما راع من اللفظ وندر من المعنى»
ويشير
الماوردي إلى التأثير النفسي للأمثال قبل أن يعرض خصائصها فيقول: «وللأمثال من الكلام موقع في الأسماع وتأثير في القلوب، لا يكاد الكلام المرسل يبلغ مبلغها ولا يؤثر تأثيرها، لأن المعاني بها لائحة والشواهد بها واضحة والنفوس بها وامقة والقلوب بها واثقة والعقول لها موافقة، فلذلك ضرب الله الأمثال في كتابه العزيز وجعلها من دلائل رسله وأوضح بها الحجة على خلقه، لأنها في العقول معقولة وفي القلوب مقبولة، ولها أربعة شروط:
أحدها: صحة التشبيه.
والثاني: أن يكون العلم بها سابقا والكل عليها موافقا.
والثالث: أن يسرع وصولها للفهم ويعجل تصورها في الوهم من غير ارتياء في استخراجها ولا كد في استنباطها.
والرابع: أن تناسب حال السامع لتكون أبلغ تأثيرا وأحسن موقعا، فإذا اجتمعت في الأمثال المضروبة هذه الشروط الأربعة، كانت زينة للكلام وجلاء للمعاني وتدبرا للأفهام»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويكبيديا الموسوعة الحرة العالمية
يحظى موضوع الموروث الشعبي بكثير من الجدل حول علاقته بكل أشكال الطباع البشرية وسلوكها , وموقفنا منه كتراث تواتر إلينا من السلف من جهة , ومن جهة أخرى بما له علاقة بحياة الشعوب , وخبراتها وتجاربها على مر العصور . فهي متغيرة تغير الأزمان والحاجات , ولكنها بحاجة إلى نظرة موضوعية توظفها ضمن إطارها الصحيح والمرغوب .
وشكلت الأمثال والحكم ركن مهم من أركان الموروث الشعبي لأي أمة على وجه البسيطة , بل أكثر من ذلك نجد في بعض القراءات عوامل مشتركة بين ثقافات وشعوب متعددة ومختلفة , على الرغم من اختلاف بيئتها , وواقعها الجغرافي , وتجاربها الخاصة , ذلك لأنها تعبر عن معان إنسانية , تقترن بوجود الإنسان بشكل عام . فالمثل العربي القائل ” الاتحاد قوة ” نجد له مشابهاً في الثقافة الأنجلوساكسونية ” “.
من هنا يأتي القول , بأن قدراً كبيراً من الأمثال والحكم المتداولة هي ملك للإنسانية جمعاء , وهي مشتركة بين شعوب كثيرة على الرغم من اختلاف صورها وأنماطها , ومع ذلك فإن معناها متشابه . وتضع بعض الكتب فارقاً بين المثل والحكمة , فتخصص ” المثل ” بما له مورد ومضرب , أي له حادثة واقعية قيل فيها , ثم صار صالحاً لأن يضرب فيما يشبه هذا الأصل وينطبق عليه مثل. وفي قراءة متواضعة للأمثال العربية , يمكن ذكر بعض الملاحظات حول ما قيل في تلك الأمثال .
1- إن الأمثال العربية بنيت من خلال حوادث وتجارب وحالات فهي تحمل خواص وعصارة هذه الظروف فمثلا حرب البسوس أتت بالكثير من الأمثال – أشام من البسوس –لا ناقة لي ولا جمل – اعز من كليب ….الخ . وقد نقلت لنا الكتب والمجلدات هذه الأمثال عن طريق حوادثها أو من قالها وقد اختلفت المراجع حول هذا الأمر فمنها من صنف قائل المثل الأول ومنها من صنفه على ما اشتهر من خلاله القول فمثلا – أنصر أخاك ظالما أم مظلوم – في المراجع أول من قاله هو جندب ابن العنبر في الجاهلية ولكن الرسول الكريم (ص) قاله في مناسبة أخرى . ومثاله – أنا ابن جلا – ينسب إلى الحجاج بن يوسف الثقفي ولكن أول من قاله هو سحيم بن وثيل الرياحي. والقاعدة الفقهية “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ” فهي تنسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب ولكن أول من قالها هو قس بن ساعده
2- وحول الاختلاف في صاحب القول فهناك مراجع تنسب إلى شخص ومراجع أخرى تنسب إلى شخص آخر فمثلا – كل فتاة بأبيها معجبة – ينسب في ( معجم الأمثال ) لمؤلفه أبو الفضل النيسابوري الميداني إلى العجفاء بنت علقمة السعدي ولكن في ( الأغاني ) لمؤلفه أبي فرج الأصفهاني ينسب إلى عمرو بن عبيدة . ومثاله – سبق السيف العذل – ينسب إلى ضبة بن آد وإلى خريم بن نوفل الهمذاني .
وفي غالب الأمر يقال قبل ذكر صاحب القول – يعتقد – أن من قاله.
3- في بعض الأمثال اختلفت المراجع حول قصة المثل فمثلا – على أهلها جنت براقش –بعض المراجع تقول أن براقش كلبه سببت بعوائها كشف مكان قومها والبعض الأخر يقول أنها امراه لأحد الملوك غاب زوجها وكان هناك مكان إذا دخن به أتى الجند إليه فعبثت جواريها في ذلك المكان بالدخان فأتى الجند وقال لها ناصح إذا دخنت المكان ولم تستعملي الجند مرة ثانية فلن يأتوك فدخنت المكان وأمرت الجند بان يبنوا دارا أخر وعندما عاد زوجها رأى ما حدث فقال القول . وبعضها الأخر يقول أنها امراه لقمان بن عاد وكان زوجها لا يأكل لحم الإبل فنزل عند أهلها هو وابنه فذاق لحم الإبل فأحبه فاخذوا ينحرون له الإبل ولقومه فقيل نفس القول وربما تختلف الروايات نتيجة للبعد الزمني للحادث أو لأنه قيد بالموقع التي ذكر به في المرات اللاحقة .
4- أما في موضوع من ضرب بهم المثل فقد كان الأساس اختلاف الأزمنة والأمكنة كأن يضرب المثل بشخص ما ينتمي للمكان أو العصر الذي وجد فيه أو الحيوانات أو النباتات أو الأشياء التي كانت متداولة التي كانت توجد في المناطق التي تواجد فيها العرب وعلى سبيل المثال لا الحصر كان يقال في الحمق (الأشخاص ) – أحمق من هبنقه – أحمق من شرنبث – أحمق من جحا – أحمق من ربيعة البكاء – أما في استعمال نفس المعنى من الحيوان والنبات فنجد – أحمق من نعجة على حوض – أحمق من نعامة –أحمق من رجلة –
وقد يضرب المثل في صفة واحدة وبوزن أفعل بحسب اختلاف الرأي فيقال –ابلغ من سحبان وائل – و – أبلغ من قس – أو كأن يقال –أشأم من طويس – أشأم من البسوس – أشأم من أحمر عاد –
وعلى سبيل المثال للحصر أذكر بعض الأمثال العربية المعروفة , والتي حفل بها تراثنا الجميل على مر العصور .
– ” إن البغاث بأرضنا تستنسر ” …… ( البغاث ) الطائر الصغير الضعيف
يضرب للضعيف يصير قويا وللذليل يعز بعد ذل
– ” أنا ابن جلا “…………. قاله ( سحيم بن وثيل الرياحي )
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
– ” إنك لتحسب على الأرض حيصا بيصا “……. (حيص بيص ) في العربية تعني الضائقة
يضرب في فوضى تعم المكان
– ” مقتل الرجل بين فكيه ” ………….. قاله ( أكثم بن صيفي ) من حكماء العرب
يضرب لمن لا يدرك ما يق
– ” أنصر أخاك ظالما أم مظلوم ” ………… أول من قاله ( جندب بن العنبر )
يا أيها المرء الكريم المشكوم انصر أخاك ظالما أم مظلوم
يقال في نصرة الأقارب لبعضهم
من مقالة د مساعد الطيار
لا يخفى على من اطلع على أمثال القرآن أنها من علوم القرآن المهمة ، كيف لا ، وقد قال الله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) ، وقال : ( وتلك المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) وإذا كان هذا هو شأن الأمثال ، فحريُّ بالمسلم ـ فضلا عن المتخصص في الدراسات القرآنية ـ أن يعلمها ويعقلها .
ولما كانت الأمثال القرآنية بهذه المرتبة ، فإنك تجد ابن عباس ( ت : 68 ) يجعلها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ، فقد روى عنه الطبري في تفسير قوله تعالى : ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) قوله : (( المحكمات: ناسخه، وحلالُه وحرَامه، وحدوده وفرائضُه، وما يؤمن به ويعمل به .
والمتشابهات : منسوخه، ومقدَّمه ومؤخره، وأمثاله ، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يُعمل به )) .
كما جعل ابن عباس ( ت : 68 ) معرفة الأمثال القرآنية من الحكمة التي يؤتيها الله للعبد المسلم ، فقد روى الطبري بسنده عن ابن عباس قال في قوله:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) : (( يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله
هذا ، وقد تكلَّم العلماء في أمثال القرآن من وجوه :
ـ معانيها .
ـ بلاغتها .
ـ ما تحتمله من استنباطات وفوائد علمية وعملية .
وقد ظهرت دراسات معاصرة كثيرة في أمثال القرآن ، وقد ظهر لي أن أضيف إلى هذه الدراسات ثلاث أفكار تتعلق بهذه الأمثال ، ولقد كنت أود تحبير هذه الأفكار ، فلما طال عليَّ الأمد رأيت أن أطرحها كما كتبتها بادي الرأي ، ولعلها تتنقح بتعليقات الأعضاء ، وإليك هذه الأفكار :
أولاً : إن بعض الأمثال القرآنية تحتمل أكثر من نوع أو صورة .
وذلك يعني أنه سيكون الاختلاف في تحديد المراد بالمثل من باب اختلاف التنوع ، إذا كان المثل يحتملها بلا تضادٍّ .
ويحسن أن يُنَبَّه على صحة انطباق المثل على ما يُذكر من تفسيره ، وستأتي الإشارة إلى ذلك في المثال الآتي :
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ
فقد اختلف السلف في المعنى الذي ضُرِب به المثل على أقوال :
الأول : عن ابن عباس قال : (( سأل عمر أصحاب رسول الله فقال: فيم تَرَون أنزلت:”أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب” ؟ فقالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا:”نعلم” أو”لا نعلم”. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قل يا ابن أخي، ولا تحقِّر نفسك! قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل. فقال عمر: رجل عنيٌّ يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها= قال: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث نحو هذا عن ابن عباس، سمعه منه )) ،
الثاني : عن السدي: (( هذا مثل آخر لنفقة الرياء. إنه ينفق ماله يرائي الناس به، فيذهب ماله منه وهو يرائي، فلا يأجره الله فيه. فإذا كان يوم القيامة واحتاجَ إلى نفقته، وجدها قد أحرقها الرياء، فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سَموم فأحرقت جنته، فلم يجد منها شيئًا . فكذلك المنفق رياء )).
الثالث : عن ابن عباس: (( ضرب الله مثلا حسنًا، وكل أمثاله حسنٌ . وقال قال: “أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل” إلى قوله:”فيها من كل الثمرات” يقول: صنعه في شبيبته، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون عليه. وكذلك الكافر يوم القيامة، إذا رُدّ إلى الله تعالى ليس له خيرٌ فيستعتب، كما ليس له قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجد خيرًا قدم لنفسه يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحُرِم أجره عند أفقرِ ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته. وهو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدنيا: كيف نجَّى المؤمنَ في الآخرة، وذخر له من الكرامة والنعيم، وخزَن عنه المال في الدنيا، وبسط للكافر في الدنيا من المال ما هو منقطعٌ، وخزَن له من الشر ما ليس بمفارقه أبدًا، ويخلد فيها مهانًا، من أجل أنه [ فخر على صاحبه] ووثق بما عنده، ولم يستيقن أنه ملاق ربه )).
فهذه ثلاثة أوجه في بيان ضرب المثل ، وكلها يصدق عليها المثل ، فهذا من اختلاف التنوع في صدق المثل على أكثر من صورة .
وإذا نظرت إلى بعض الأمثال بهذه النظرة ، فإنه لا يتعبك النظر في البحث عن الراجح من معاني تفسير المثل ، كما وقع عند بعض المعاصرين في النظر في المثلين اللذين ضُربا لحال المنافقين في سورة البقرة في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (البقرة 17 ـ 20) ، فما ذكره السلف من المعاني ينطبق على حال المنافقين ، وهو تفسير صحيح للمثلين .
ثانيًا : توارد بعض الأمثال على طرح القضية الواحدة :
لقد كان من حكمة الله في إنزال كتابه أن جعله كتابًا متشابهًا مثاني ، فهو يكرر القصة مرة بعد مرة ، والقضية مرة بعد مرة .
وبالنظر إلى أمثال القرآن يمكن أن نجد التشابه في المعنى الممثل به مع اختلاف المثل المضروب ، كما قد نجد التكامل بين المثلين في طرح قضية من القضايا ، وهذه الفكرة محل بحث يحتاج إلى استقراء وتتبع لأمثال القرآن ، وأكتفي منها هنا بالتمثيل لذلك :
1 ـ إذا أخذنا بتفسير المثل في قوله تعالى : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة … ) الآية ، على قول ابن عباس أنه مثل ضرب للكافر الذي يأتي يوم القيامة ، ولا ينفعه عمله الذي عمل ، فإنه سيكون نظيرًا للمثل في قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ) (إبراهيم : 18) ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (النور
فائدة موضوعية في الأمثال :
يمكن أن تُجمع الأمثال من جهة الموضوع ، فتجمع الأمثال المضروبة في التوحيد وضده ، والأمثال المضروبة في العمل الصالح وضده ، والأمثال المضروبة في كفار ، والأمثال المضروبة في اليهود والأمثال المضروبة في المنافقين … الخ
وبهذا ستظهر فوائد عديدة ، منها :
ـ المحسوسات التي اختيرت لضَرْبِ الأمثال وعلاقتها بالممثل بهم .
ـ إحصاء من ضُرِبَ بهم المثل من حيث عدد الأمثال .
ـ الخفاء والوضوح في الأمثال وعلاقته بمن ضُرب بهم المثل .
ـ الألفاظ والأساليب التي اختيرت في ضرب المثل ، وعلاقتها بموضوع المثل وبمن ضُرِب به المثل .
ثالثًا : شواهد من القرآن والسنة لتفسير الأمثال .
مما تحسن العناية به في موضوع الأمثال القرآنية ذكر الشواهد من القرآن والسنة على تفسير الأمثال ، وقد يكون في السنة ما يفيد في جانب من جوانب تفسير المثل ، فذكر الحديث النبوي يقوي ذلك المعنى الذي فُسِّر به المثل ، ومن أمثلة ذلك :
1 ـ قال تعالى : ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ )
قال مقاتل بن سليمان ( ثم ضرب الله مثل الكفر والإيمان ، ومثل الحق والباطل ، فقال : أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ، وهذا مثل القرآن الذى علمه المؤمنون ، وتركه الكفار ، فسال الوادى الكبير على قدر كبره ، منهم من حمل منهم كبيراً ، والوادى الصغير على قدره فاحتمل السيل ، يعنى سيل الماء ، زَبَداً رَّابِياً ، يعنى عالياً ، وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار أيضاً ، ابتغآء حِلْيَةٍ ، يعنى الذهب ، والفضة .
ثم قال : أَوْ مَتَاعٍ ، يعنى المشبه ، والصفر ، والحديد ، والرصاص ، له أيضاً زَبَدٌ مِّثْلُهُ ، فالسيل زبد لا ينتفع به ، والحلى والمتاع له أيضاً زبد ، إذا أدخل النار أخرج خبثه ، ولا ينتفع به ، والذهب والفضة والمتاع ينتفع به ، ومثل الماء مثل القرآن ، وهو الحق ،
: الأمثال القرآنية
دلت غير واحدة من الآيات القرآنية على أن القرآن مشتمل على الأمثال، وأنه سبحانه ضرب بها مثلا للناس للتفكير والعبرة، قال سبحانه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون). (2) إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على وجود الأمثال في القرآن، وأن الروح الأمين نزل بها، وكان مثلا حين النزول على قلب سيد المرسلين، هذا هو المستفاد من الآيات. ومن جانب آخر أن المثل عبارة عن كلام ألقي في واقعة لمناسبة اقتضت إلقاء ذلك الكلام، ثم تداولت عبر الزمان في الوقائع التي هي على غرارها، كما هو الحال في عامة الأمثال العالمية.(1)
وعلى هذا فالمثل بهذا المعنى غير موجود في القرآن الكريم، لما ذكرنا من أن قوام الأمثال هو تداولها على الألسن وسريانها بين الشعوب، وهذه الميزة غير متوفرة في الآيات القرآنية. كيف وقد أسماه سبحانه مثلا عند النزول قبل أن يعيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقرأها للناس ويدور على الألسن، فلا مناص من تفسير المثل في القرآن بمعنى آخر، وهو التمثيل القياسي الذي تعرض إليه علماء البلاغة في علم البيان وهو قائم بالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز، وقد سماه القزويني في تلخيص المفتاح المجاز المركب وقال: إنه اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه، ثم مثل بما كتب يزيد بن وليد إلى مروان بن محمد حين تلكأ عن بيعته: أما بعد، فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت، والسلام.
فلهذا التمثيل من المكانة ما ليس له لو قصد المعنى بلفظه الخاص، حتى أنه لو قال مثلا: بلغني تلكؤك عن بيعتي، فإذا أتاك كتابي هذا فبايع أو لا، لم يكن لهذا اللفظ من المعنى بالتمثيل، ما لهذا. فعامة ما ورد في القرآن الكريم من الأمثال فهو من قبيل التمثيل لا المثال المصطلح. ثم إن الفرق بين التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز أمر واضح لا حاجة لإطناب الكلام فيه، وقد بينه علماء البلاغة في علم البيان، كما طرحه أخيرا(2)
علماء الأصول في مباحث الألفاظ، ولأجل ذلك نضرب الصفح عنه ونحيل القاري الكريم إلى الكتب المدونة في هذا المضمار. ويظهر من بعضهم أن التمثيل من معاني المثل، قال الآلوسي: المثل مأخوذ من المثول – وهو الانتصاب – ومنه الحديث من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ثم أطلق على الكلام البليغ الشائع الحسن المشتمل إما على تشبيه بلا شبيه أو استعارة رائقة تمثيلية وغيرها، أو حكمة وموعظة نافعة، أو كناية بديعة أو نظم من جوامع الكلم الموجز. ولولا قوله الشائع لانطبقت العبارة على التمثيل القياسي. وقد امتازت صيغة المثل القرآني بأنها لم تنقل عن حادثة معينة، أو واقعة متخيلة، أعيدت مكرورة تمثيلا، وضرب موردها تنظيرا، وإنما ابتدع المثل القرآني ابتداعا دون حذو احتذاه، وبلا مورد سبقه فهو تعبير فني جديد ابتكره القرآن حتى عاد صبغة متفردة في الأداء والتركيب والإشارة . وعلى هذا فالمثل في القرآن الكريم ليس من قبيل المثل الاصطلاحي، أو من سنخ ما يعادله لفظا ومعنى، الفقر بالأمثال بمضمونه، بل هو نوع آخر أسماه القرآن مثلا من قبل أن نعرف علوم الأدب المثل ، ومن قبل أن تسمي به نوعا من الكلام المنثور وتضعه مصطلحا له. بل من قبل أن يعرف الأدباء المثل بتعريفهم . (3)
أقسام التمثيل
قد عرفت أن التمثيل عبارة عن إعطاء منزلة شيء لشيء عن طريق التشبيه أو الاستعارة أو المجاز أو غير ذلك، فهو على أقسام:
- التمثيل الرمزي:
وهو ما ينقل عن لسان الطيور والنباتات والأحجار بصورة الرمز والتعمية ويكون كناية عن معاني دقيقة، وهذا النوع من التمثيل يعج به كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، وقد استخدم هذا الأسلوب الشاعر العارف العطار النيشابوري في كتابه منطق الطير . ويظهر من الكتاب الأول أنه كان رائجا في العهود الغابرة قبل الإسلام، وقد ذكر المؤرخون أن طبيبا إيرانيا يدعى برزويه وقف على كتاب كليلة ودمنة في الهند مكتوبا باللغة السنسكريتية ونقلها إلى اللغة البهلوية، وأهداه إلى بلاط أنوشيروان الساساني، وقد كان الكتاب محفوظا بلغته البهلوية إلى أن وقف عليه عبد الله بن المقفع (106 – 143 ه) فنقله إلى اللغة العربية، ثم نقله الكاتب المعروف نصر الله بن محمد بن عبد الحميد في القرن السادس إلى اللغة الفارسية وهو الدارج اليوم في الأوساط العلمية. نعم نقله الكاتب حسين واعظ الكاشفي إلى الفارسية أيضا في القرن التاسع ومن حسن الحظ توفر كلتا الترجمتين. وقام الشاعر رودكي بنظم، ما ترجمه ابن المقفع، باللغة الفارسية. ويظهر من غير واحد من معاجم التاريخ أنه تطرق بعض ما في هذا الكتاب من الأمثلة إلى الأوساط العربية في عصر الرسالة أو بعده، وقد نقل أن عليا (عليه السلام) قال: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض وهو من أمثال ذلك الكتاب.
وهناك محاولة تروم إلى أن القصص القرآنية كلها من هذا القبيل أي رمز لحقائق علوية دون أن يكون لها واقعية وراء الذهن، وبذلك يفسرون قصة آدم مع الشيطان، وغلبة الشيطان عليه، أو قصة هابيل وقابيل وقتل قابيل أخاه، أو تكلم النملة مع سليمان (عليه السلام)، وغيرها من القصص، وهذه المحاولة تضاد صريح القرآن الكريم، فإنه يصرح بأنها قصص تحكى عن حقائق غيبية لم يكن يعرفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا غيره، قال سبحانه: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). (1) فالآية صريحة في أن ما جاء في القصص ليس أمرا مفترى، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن القرآن بأجمعه هو الحق الذي لا يدانيه الباطل.
- التمثيل القصصي:
وهو بيان أحوال الأمم الماضية بغية أخذ العبر للتشابه الموجود. يقول سبحانه: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين).والقصص الواردة في أحوال الأمم الغابرة التي يعبر عنها بقصص القرآن، هي تشبيه مصرح، وتشبيه كامن والغاية هي أخذ العبرة.
- التمثيل الطبيعي:
د وهو عبارة عن تشبيه غير الملموس بالملموس، والمتوهم بالمشاهد، شريطة أن يكون المشبه به من الأمور التكوينية، قال سبحانه: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض
فوائد الأمثال السائرة
- قال ابن المقفع (المتوفى عام 143 ه): إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث.
- وقال إبراهيم النظام (المتوفى عام 231 ه): يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة. وقال غيرهما: سميت الحكم القائم صدقها في العقول أمثالا، لانتصاب صورها في العقول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب. وقد نقل ابن قيم الجوزية (المتوفى عام 751 ه ) كلام النظام بشكل كامل، وقال: وقد ضرب الله ورسوله الأمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثل به فقد يكون أقرب إلى تعقله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره، فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير. ففي الأمثال من تأنس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره، وكلما ظهرت الأمثال ازداد المعنى ظهورا ووضوحا، فالأمثال شواهد المعنى المراد، وهي خاصية العقل ولبه وثمرته.
3- وقال عبد القاهر الجرجاني (المتوفى عام 471 ه): أعلم أن مما اتفق العقلاء عليه أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو أبرزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته كساها أبهة، وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشب من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفا، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا. فإن كان ذما: كان مسه أوجع، وميسمه ألذع، ووقعه أشد، وحده أحد. وإن كان حجاجا: كان برهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبيانه أبهر. وإن كان افتخارا: كان شأوه أمد، وشرفه أجد ولسانه ألد. وإن كان اعتذارا: كان إلى القبول أقرب، وللقلوب أخلب، وللسخائم أسل، ولغرب الغضب أفل، وفي عقد العقود أنفث، وحسن الرجوع أبعث. وإن كان وعظا: كان أشفى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وأجدر أن يجلي الغياية ويبصر الغاية، ويبري العليل، ويشفي الغليل.
- وقال أبو السعود (المتوفى عام 982 ه): إن التمثيل ليس إلا إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهور، وتحلية المعقول بحلية المحسوس، وتصوير أوابد المعاني بهيئة المأنوس، لاستمالة الوهم واستنزاله عن معارضته للعقل، واستعصائه عليه في إدراك الحقائق الخفية، وفهم الدقائق الأبية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – مجمع الأمثال: 1 / 5. 2 – الحشر: 21. (*)
2- الإيضاح: 304، التلخيص: 322. (*)
3- روح المعاني: 1 / 163. 2 – الصورة الفنية في المثل القرآني: 72، نقلا عن كتاب المثل لمنير القاضي.
الأمثال خلاصة تجارب الشعوب، تكون لها في الأصل خصوصيتها، ثم تصبح لها عموميتها بعد أن تَذيع وتنتشر، وتُنسى مناسبتها الأولى الخاصة، وقد قال المبرد:
“المثل مأخوذ من المثال، وهو قول سائر، شبه به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه”
وقال إبراهيم النظّام:
“يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة.”
وهكذا يتميز المثل، من حيث هو صياغة نثرية، ومن حيث قيمته المعنوية، على لغة الحديث اليومية.
وطبيعي أنه ليس هناك عصر من العصور يستقلّ بإنتاج الأمثال دون غيره، فلكل عصرٍ تجاربه وأمثاله، لكن الملاحظ أن العصور التي كانت أشكال التعبير الفني فيها محدودة، كانت الأمثال أكثر وكان انتشارها أوسع، وكان هذا الوضع بالنسبة للعصر الجاهلي، فهو إذا قورن بعصرٍ كعصرنا الحاضر اتّضحت فيه هذه المزية، إذ تعدّدت في عصرنا أشكال التعبير وتنوعت، ووجد الناس وسائل لا تحصى، للتعبير عن أنفسهم تعبيراً فنياً، وانحصرت الأمثال في الدوائر الشعبية وعلى ألسنة العامة.
وما زال قدر هائل من أمثال الجاهلية معروفاً ومتداولاً حتى اليوم، ولكل مثل مناسبته الأولى، ثم أصبح الناس يتمثلون به في كل حالةٍ مشابهة لتلك المناسبة.
ومن ذلك قولهم:
(رجعَ بخفّي حُنين).
وهو مثل يُضرب عن الرجوع بالخيبة واليأس من الحاجة، وأصله أن إسكافاً كان يقال له (حُنين) أتاه أعرابي فساومه بخفّين فاختلفا حتى أغضبه الأعرابي، فلما ارتحل أخذ حنين الخفّين فألقى أحدهما على طريق الأعرابي، ثم ألقى الآخر على مسافة منه، وكَمَن بينهما بحيث لا يراه، فلما مرّ الأعرابي بالخُفّ الأول قال:
– ما أشبه هذا بخف حُنين، ولو كانا خُفين لأخذتهما.
ثم مرّ بالآخر، فندم على تركه الخفَّ الأول، فأناخ راحلته وأخذه ورجع في طلب الآخر، فأخذ حُنين الناقة ومضى، وأقبل الأعرابي إلى أهله ليس معه غير خفّي حنين، فذهب ذلك مثلاً.
ومن الأمثال المشهورة أيضاً قولهم:
(قطَعتْ جَهيزةُ قول كلّ خطيب).
وأصلُه أن قوماً اجتمعوا يخطبون في صُلح بين حَيَّين، قتل أحدهما من الآخر قتيلاً، ليرضوا بالديّة، فبينما هم في ذلك إذ جاءت أمَةٌ يقال لها (جَهيزة) فقالت: إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول فقتلوه، فقالوا عند ذلك: قطعت جَهيزة قول كل خطيب.
وقد يتفق أن نجد عدداً من الأمثال قد استُخرج من مناسبة واحدة، أو انتُزع من سياق الحوار في حادثة ما، بين شخصيات على مستوى عالٍ من الفصاحة والخبرة، كما في خبر الزبّاء مع جذيمة الأبرش، وعمرو القصير، ونظير هذا النوع من الأمثال المنتزعة من موقف واحد، ما وضع على ألسنة الحيوانات، كقصة الثعلب مع الأرنب التي التقطت ثَمرة، واختصامهما إلى الضب ليحكم بينهما، فقد ورد فيها عدد من الإجابات التي صارت أمثالاً (سميعاً دعوتِ، عادلاً حكّمتما، في بيته يؤتى الحكم.. إلخ).
وربما كان هناك بعض الأمثال التي لا تعرف مناسبتها ولا قائلها، فبقيت أخبارها في مطاوي النسيان.
وقد كان من العرب في العصر الجاهلي من اشتهر بالحكمة ورويت عنهم أقوال كثيرة سارت مسار الأمثال، مثل أكثم بن صيفي القائل:
(إنك لا تجني من الشوك العنب).
وهو الذي يقول:
(الحزم سوء الظن بالناس).
وتختلف الحكمة عن المثل، في أنها نابعة من تجارب الإنسان الذي عرف حلو الحياة ومرّها وهي غالباً لا تقترن بحادثة معينة أو قصة معروفة.
ومهما يكن من شيء، فإن العرب في الجاهلية قد أكثروا من قول الحكم والأمثال، وأوْلَوها عناية خاصة، وتركوا لنا من ذلك ثروة عظيمة تعكس لنا أطرافاً من شؤون حياتهم وقيمهم الاجتماعية، يضاف إلى ذلك أن أشعارهم أيضاً ملأى بالأمثال والحكم التي ظلّت حية ناشطة في صدور الناس وعقولهم في مدى الأيام، وراحوا يضيفون إليها كل يوم جديداً مما يبتكرونه ويجري عفو الخاطر على ألسنتهم، حتى اليوم.
وقد جاء في القرآن الكريم، والحديث النبوي عدد وافر من الأمثال والحكم التي اكتسبت صفة خاصة بسيرورتها على الألسنة، ففي التنزيل:
– “إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.
– “وجاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً”.
وممّا جاء في الأحاديث قوله عليه السلام:
_ “إن المُنْبَتَّ لا أرضاً قطَع، ولا ظهراً أبقى”(1).
– “لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين”.
وقد أُثرت عن الصحابة أيضاً أمثال خاصة بهم، كقول أبي بكر الصديق:
(احرص على الموت توهب لك الحياة).
وقول عمر بن الخطاب:
(من لم يعرف الشر كان أجدر أن يقع فيه).
وقول عثمان:
(أنتم إلى إمام فعّال أحوجُ منكم إلى إمام قوّال).
وقول علي:
(إن من السكوت ما هو أبلغ من الكلام).
وهذه الأقوال كلها تجري مجرى الأمثال.
وقد كان العرب يضربون المثل ببعض الأشخاص، رجالاً ونساءً، كقولهم:
(أسخى من حاتم.
وأوفى من السموءل.
وأبلغ من سحبان بن وائل.
وأحلم من الأحنف بن قيس.
وأكذب من مسيلمة.
وأحمق من هَبَنّقة.. إلخ).
ومن الواضح أن هذا الطراز من الأمثال المشتقة من الصفات المتحققة في أقوى صورها، في أشخاص بأعيانهم، تؤكد أن سيرة هؤلاء كانت حيّة في ضمير العربي، وكانت تمثل جزءاً من ثقافته العامة.
هذا وقد صُنفت في الأمثال كتب كثيرة، بعد أن عُني بها علماء اللغة والأدب لأنها سجلّ من سجلات اللغة، ومن هذه الكتب: مجمع الأمثال للميداني، وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري، وكلها مطبوعة(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
* من كتاب: دروس في اللغة العربية. تأليف: محمد الأنطاكي، ومحمود الفاخوري.
(1) المنبتّ: الذي أجهد دابته حتى أعيت. يقال ذلك لمن يبالغ في طلب الشيء ويُفرط حتى ربما يفوّته على نفسه.
(2) كان اعتمادنا في هذا البحث على كتاب (المكوّنات الأولى للثقافة العربية) للدكتور عز الدين إسماعيل (77 – 88) مع شيء من التصرف والاختصار.
أدب الأمثال
لقد تفوّق العرب في قول الأمثال، ثم عمل جامعوها على ترتيبها في مجلّدات خاصة بها، حسب حروف الأبجدية العربية غالبًا، أوتبعًا لمواضيعها في بعض الأحيين.
لقد تزامن جمع الأمثال العربية واقترن بجمع الشعر والأخبار وسائر عناصر التراث العربي، وذلك في عصر بني أمية الذين عرفوا بتعصبهم للقوميّة العربية.
وكان أول المبادرين إلى هذه المهمة الشاقة الشائكة المفضّل الضبي في القرن الأول الهجري حيث جمع كما لا يستهان به من الأمثال العربية في كتابةّ “أمثال العرب” ثم تلاه أبو عبيدالقاسم من سلام المتوفي سنة 223هـ/838 مـ وكان تلميذًا للعلم اللغوي الأصمعي، وقد عرف كتابه باسم “كتاب الأمثال”. وقد قام فيما بعد أبو عبيد البكري بشرحه في مؤلفاته “فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد بن سلام” مصنّنفًا أمثال أبي عبيد في أبواب حسب موضوعاتها.
وفي القرن الرابع الهجري يطل علينا أبو هلال العسكري بكتابه “جمهرة الأمثال”، ويلقى أبو الفضل الميداني بسهمه في هذا الميدان فيقتنص منها مجموعة لا يستهان بها أودعها كتابه القيم “أمثال العرب”.وقد توفي الميداني سنة 518هـ/1124مـ، فالزمخشري المتوفي سنة 538هـ/1144مـ في كتابه “المستقصى من أمثال العرب”. كما جمعت الامثال من أشعار حكيم الشعراء وشاعر الحكماء المتنبي وغيره، ومن الكتاب المغرق في الاليغورية والخيال إلى جانب الفطنة والدهاء والموعظة الحسنة وجودة السرد والحوار “كليلة ودمنة”.
لماذا جمعت الأمثال العربية؟
إن دوافع جمع الأمثال العربية متشعّبة، يمكننا إجمالها فيما يلي:
1.حفظها من الضياع واللحن بعد امتزاج اللسان العربي بالأعجمي.
2.تعليم وتلقين أبناء الذوات والخلفاء وسائر أفراد الطبقة الأرستقراطية، التي بدأت تتبلور في عصر بني أميّة، اللغة العربية الفصحى الخالصة من الشوائب اللحن وغرس القيم العلربية المعنويّة واللاجتماعية والتاريخية والفكريّة الأصلية في عقوبهم ووجدانهم. فالأمثال تعكس عقليّة الشعوب، كما أنها، وخاصة الأمثال الإ سلامية، تعتبر عنصرًا مغذّيًا للأطفال بما تحمله من مكارم الأخلاق: كالكرم والشجاعة والجرأة واحترام الولدين والتعاون وحقوق الجار والصديق من الإعانة والإكرام.
3.أضف إلى ذلك أنّ الأمثال تعتبر مادة خام للبحث العلمي الفيلولوجي (Philology) – البحث المقارن للنصوص الأدبية من فترات مختلفة، والمورفولوجي (Morphology) – البحث في مبنى الكلمة (علم الصرف)، وكذلك الفيلولوجي (Philology) – لبحث في الأصوات والحروف اللغوية وكيفيّة تطورّها في اللغة واللهجات عبر العصور.
4.علينا أن نذكر أيضًا أنّ الأمثال مبطّنة عن قيم سيكولوجيّة وفولكلوريّة وقوميّة جديرة باهتمام الباحثين.
عُمر الأمثال
لقد قُسّمت الأمثال العربية إلى مجموعات حسب التي قيلت فيها.
1.الأمثال القديمة: وتشمل الأمثال الجاهلية والإسلامية حتى نهاية القرن الثاث الهجري.
2.الأمثال الجديدة أو المولَّدة: وهي التي جُمعت وأضيفت إلى الأمثال القديمة في مجموعات الأمثال المُشار اليها آنفًا،منذ القرن الرابع الهجري، وهذه الأمثال التي زاحمت الأمثال القديمة جمعها الميداني،مثلاً في كتابه “مجمع الأمثال” وأفردها في النهاية كل فصل من فصول الكتاب.كما أن الأمثال التي جمعت من دواوين كبار الشعراء، كالمتنبي ومن بطون كتب إبداعية أخرى كـ “كليلة ودمنة” تصنّف ضمن إطار هذه المجموعة.
3.الأمثال الحديثة: ونقصد بها الأمثال التي تمّ جمعها في عصر النهضة، ومنها ما ورد باللهجة العامية كما فعل سلام الراسي اللبناني خلال العقود القليلة الماضية. كما تمّ في العصر الحديث جمع أمثال عربية ومقارنتها مع أمثال أخرى، كما فعل فريحة اللبناني الذي قارن الأمثال العربية اللبنانية بما يقابلها من أمثال باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ومقابل ذلك تُرجمت بعض الأمثال العربية الى الفرنسية، وبالعكس، لغاية تعليمية تهذيبيّة، كما فعل أحمد أمين مثلاً.
ومن مجامع الأمثال التي صدرت في القرن التاسع عشر الميلادي: ثلاثة مجلدات للمستشرق فريتاج، حيث جمع وترجم أمثالاً عربية قديمة التقطها من مجمع الأمثال للميداني للغة اللاتينية.
ومع انتشار اللهجة العامية وسيادتها على ألسنة العامة في العصر الحديث برزت إلى الوجود أمثال عربية عامية، وقام أحمد تيمور بجمع بعض هذه الأمثال وشرحها وتفسيرها.
وحذا حذوه سعيد عبود الذي عمل على جمع الأمثال الفلسطينية العاميّة وترتيبها حسب الحروف الأبجدية، وكذلك فعل علي الخليلي وعيسى عطا الله وسليم عرفات.
وثمة مجموعات للأمثال حسب البلدان: كالأمثال اللبنانية التي اختص بحصرها الفغالي وسلام الراسي، وأمثال مصرية وسورية وسودانية.
وقد أظهر الباحثان دافيد سجيف ويعقوف لنداو في كتابهما “ספר הפתגמים” أوجه شبه كثيرة مثيرة للإعجاب بين الأمثال العربية والعبرية، على الرغم من أن الشعبين عاشا في فترات وأماكن مختلفة – ما عدا العصر القديم – وهذا الموضوع جدير بالبحث والتمحيص، كما يقرر المؤلفان في كتابهما الذكور. وعلى سبيل القصر لا الحصر نورد المثل التالي:
همّ البنات للمَمات.
عمى ما بقود أعمى.
من زمان هالقمر ما بان.
مثل الثوم: مأكول مذموم.
إن نام الراعي بيرعاها الذيب.
مصادر الأمثال العربية القديمة
لقد عرف العرب الشعر والخطابة والوصايا، ومن السهل نسبها إلى قائلها.
أما فيما يتعلّق بالمثل فالأمر جد صعب. إذ أن المتمثّل لا يعنيه من قائل المثل، وإنما معنى المثل وأصلهز كما أن المثل أكثر الألوان دورانًا بين الناس: فكثير من الأمثال رويت دون نسبة إلى قائلها، وعليه فقد اختلط بعض القدم بالمولد والحديث.
ولكن ثمّة خصائص تميّز المثل الجاهلي والإسلامي والمولدي وسنأتي على ذكرها لاحقًا.
وفي هذا السياق يمكننا أن نفيد أن بعض الأمثال قد تمّ نقلها عن عامة الشعب: كالرعاة والفلاحين، ثم انتشرت على ألسنة العامة كافة، وبعضها تفوّه بها الأدباء والمفكرون والخطباء والمتفوّهون: كأكثم بن صيفي وقس بن ساعدة الأيادي والنبي محمد (صلعم) وعلي بن أبي طالب (خاصة في كتاب نهج البلاغة) والسيد المسيح، كما كان للقمان الحكيم كمّ لا يستهان به من الأمثال القديمة.وتتفاوت الأمثال من حيث قيمتها الفنية وفقًا لمصادرها: فأمثال العامة تفتقر إلى العناصر الفنيّة والبلاغية التي تؤدي المعنى الدقيق الصحيح، أما أمثال المفكرين والأدباء فتفوقها فصاحة وبلاغة وتنميقًا وصقلاً. كيف لا؟ وهي من انتاج أصحاب الصنعة وأساطين البلاغة الذين رصَّعُوا أمثالهم بقيم موسيقية تعين على تذكرها واستمراريتها: كالسجع والجناس والطباق، وبألوان من القيم التصويرية: كالتشبيه والاستعارة والكناية والتمثيل. ومن هذا اللون الفني نذكر على سبيل الحصر لا القصر أمثالاً منتقاة:
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وراء الأكمة ما ورائها
في الجزيرة تشترك العشيرة
لا تكن رطبًا فتُعصَر ولا صلبًا فتُكسَر
الأمثال أدلّ على حياة الشعب من الشعر لأنها منبثقة منه. زد على ذلك أنّ الأمثال مبطّنة عن قيم معنوية؛ فهي تعكس عقليّة الشعوب كونها مرآه لحياتها من جوانب كثيرة
فثمّة أمثال ذات قيم تاريخية:
اليوم خمر وغدًا أمر
والبعض الآخر ذات قيم اجتماعية:
إنّ البغاث بأرضنا يستنسر.
أجود من حاتم.
اُنصر أخلك ظالمًا أو مظلومًا.
لا في العير ولا في النفير.
بل إنّ بعض الأمثال تتعدّىالرؤية إلى الرؤيا الفكرية المستقبليّة الواعظة والمنبّهة:
إن في الحسن شقوة.
بهم داء الضرائر.
أمّا في العصر الإسلامي فقد تشبّعت الأمثال بروح الإسلام وبقيم الدين الحنيف:
أفحكم الجاهلية تبغون؟
رأس الدين التقوى.
أكذب من مسيلمة.
لافضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى.
ويُشتَمُّ من الأمثال اللإسلامية هذه أن بعض الآيات القرانية، ولأحاديث النبوية الشريفة قد جرت مجرى الأمثال.
إذا أمنعنا النظلر في أمثال العصولر العباسية ولانحطاط والعصر الحديث، فسنجد أنها تصوّر التقلّبات والتطوّرات الفكريّة والسياسيّة والاجتماعية؛ فلا بدّ من مجاراة الواقع ومعايشتة:
لاتكن رطبًا فتعصر ولا يابسًا فتُكسر.
اليد التي لا تستطيع كسرها قبّلها وادعُ لها بالكسر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة من رابطة أدباء الشام