صورة اليهودي في المثل الشعبي العربي
علي محمد الغريب

المثل الشعبي هو كبسولة تحتوي على العديد من القيم والعادات والتقاليد، البسيطة الميسَّرة، سريعة الوصول إلى قلب السامع ووجدانه، فهي تدندن على موروثات شعبية تتخذ ـ غالباً ـ أحكاماً مسبقة، تسيّر حياة الكثيرين من العوام طبقاً لدلالة هذا المثل أو ذاك.
والمثل الشعبي في كثير من الأحيان يكون صادقاً حاذقاً، إذ هو نتيجة خبرة متراكمة، وهو حكم صادر بعد طول معاناة، وإبحار في التجربة، فنحن نرى كثيراً من هذه الأمثال تتفق إلى حد كبير مع وقائع تاريخية معينة، إذا دققنا النظر فيها وفيما قيل حولها من أمثال وجدنا تقارباً عجيباً يصل إلى التطابق أحياناً.
والأمثال كثيرة ومتعددة، أكثر من أن تُحصى، فهي متشعبة ومتنوعة، لكننا في هذه العجالة سنتناول اليهودي في المثل الشعبي العربي بما تسمح به المساحة؛ لأنَّنا إذا أردنا أن نتحدَّث عن اليهود واليهودية في الأمثال الشعبية لسوَّدنا صفحات كثيرة ولن تنتهي!
وعندما ندقق النظر سنرى أن جذور الرفض والنفور من طبائع اليهود مستقرة في الوجدان العربي وممتدة عبر التاريخ، فهي منذ بني النضير وخيبر، مروراً بالأحداث التاريخية الجسام التي كان لليهود فيها نصيب الأسد من الغدر والخيانة إلى يومنا هذا، الذي يسعون فيه إلى التطبيع، الذي لم ولن يفلحوا فيه!
وصورة اليهودي في الذهنية الشعبية العربية ليست نتيجة للتعصب أو العرقية، وإنَّما نشأت هذه الصورة السيئة نتيجة أفعال اليهود على مرّ التاريخ وسوء سلوكهم ومجافاتهم طباع البشر في فطرتها السليمة، بغض النظر عن الدين أو العرق.
- أنَّ اليهودي بخيل وطمَّاع، فقير بالرغم من غناه ووفرة ماله، لذلك فقد ضُرب به المثل في بخله من خلال نكتة طريقة تقول إنَّ صبياً يهودياً توفى، وعندما اضطر أبوه إلى نشر نعي في الجريدة، فكَّر في استثمار مساحة النعي ـ إذ هي مدفوعة الأجر استثمرها أم لم يستثمرها ـ فكتب صيغة النعي كالتالي: "كوهين ينعي ولده ويصلح ساعات" فهو إضافة إلى نشر نعي ولده أضاف إعلاناً تجارياً ليُعلم الناس بأنَّه يصلح الساعات.
" لما يفلس اليهودي يدوّر في دفاتره القديمة" فهو يتصف بالطمع ولا يشبع، يطالب بالمزيد، لكنَّه بالرغم من نهمه وطمعه فإنَه فقير "زي فقرا اليهود، لا دنيا ولا آخرة"، أي أنَّ اليهودي فقير في الدنيا فقير في الآخرة، وأنَّه باء بالخسران في الدارين.
- أنَّ اليهودي كذاب مخادع يعرف الحق ويحجبه عن النّاس "قالوا لليهودي احلف قال جالك الفرج" ومن ثم فهو على استعداد لبذل الأيمان المغلّظة بأنَّه صادق، وما هو بصادق، وعندما يُطلب منه الحلف فإنَّه يجد لنفسه مخرجاً ومهرباً.
- أنَّ اليهودي أناني لا يخدم أحداً ولا يقدِّم العون لأحد "احتاجوا لليهودي قال اليوم عيدي"، وهذا المثل إشارة إلى امتناع اليهودي عن أي عمل يوم عيده ـ يوم السبت ـ وهو بذلك يتذرَّع بالدين وبمراعاة شريعة السبت؛ كي يمتنع عن خدمة النَّاس، لذلك يأخذ اليهود كلّ شعائر الدين كذرائع لتحقيق أهدافهم السياسية، لا فرق في ذلك بين المتدينين منهم والعلمانيين ، وبين المدنيين والعسكريين.
كما أنَّ هذا المثل نفسه يستخدمه البعض ليعبِّر به عن انتهازية اليهودي واستغلال حاجة النَّاس إليه وقت أزماتهم بأن يتشفّى فيهم ويمنع عنهم كلّ خير يستطيع تقديمه إليهم.
- أنَّ اليهودي يظهر غير ما يبطن ويُبدي غير ما يكتم، ويدعي أنَّه ضحية المحرقة والاضطهاد والإبعاد عبر التاريخ، لذلك قيل: "زي تُرب اليهود بياض على قلة رحمة" والتُرب هي المقابر، والمثل يقصد أنَّهم يتظاهرون بالعدل والرحمة ويُبطنون الظلم والقسوة والإجرام، لذلك نجد المثل الشامي يقول: "إن كانت الحية تتحط بالعب عمر العدو ما ينحب" وهذا المثل يعكس نفسية الإنسان العربي التي تحب الوضوح وتنفر من الغموض والإلغاز الذي يعيش فيه اليهودي.
وهكذا نجد أنَّ صورة اليهودي في هذه الطائفة القليلة من أمثال كثيرة قيلت في اليهود مترسخة في الذهنية العربية على نحو يصعب طمسه مثلما يحاول اليهود الآن، ثم إنَّ هذه الأمثال تتأكد يوماً بعد يوم منذ نشأة الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية الهجرات اليهودية من تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م، والتاريخ القديم منذ بني النضير وخيبر والطائف والمدينة يؤكد ما أثبته التاريخ الحديث.
لذلك فلا يجب التهوين من أمر اليهود اعتماداً على الصورة الكاشفة لهم في الأمثال الشعبية، فالتاريخ لا يتحرَّك بالأمثال وإن كانت هي أحد عوامل تنشيط الذاكرة، وإنَّما يتحرَّك بالأعمال والسعي أفراداً وجماعات لتتحقق اليقظة ويعلو الحق، وتذبل أوراق شجرة خبيثة نبتت ـ ذات غفلة منَّا ـ على تراثنا المقدَّس.