الشمال نيوز: حسن الخضراوي
ليس كل موروث من الأمثال الشعبية و التراث وجب الحفاظ عليه. فهناك العديد من الأمثال الشعبية السلبية التي تتعارض مع الأخلاق و القيم, بل وتعارض حتى تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.لذلك وجب التحذير من نتائجها ومحاولة حصر تداولها حتى لا تترسخ لدى الأجيال اللاحقة كممارسات على أرض الواقع.قد يعتبر البعض أن الأمر لا يستحق و أن تأثير ذلك محدود, و لكن الحقيقة على العكس من ذلك تماما .الأمثال الشعبية بتداولها بشكل كثيف و ترديدها في أكثر من موضوع, تساهم في برمجة الفرد, و تمثل نسبة تأثير عميقة في التحكم في تصرفاته في المستقبل مع نفسه و محيطه . كيف لا و نحن نرسخ لدى الأجيال مثال شعبي سلبي من قبيل ” ما دير خير , ما يطرا باس “. ” اللوسة سوسة “. ” ربي كيعطي الفول غير لي معندو سنان ” . و أمثال آخرى سلبية عديدة من العسر حصرها و عدها … بحثت في هذا التحقيق عن أهم الأمثال السلبية المتداولة بكثرة داخل المجتمع المغربي, لوضعها تحت مخبر التمحيص حتى يبرز مدى تعارضها مع الأخلاق و المبادئ و تعاليم الدين الاسلامي الحنيف . قبل ذلك سألنا الناس في جولة ببعض المدن الشمالية في الموضوع فكان جوابهم كالتالي ؛ جولة لسؤال الناس حول موضوع الأمثال الشعبية السلبية … تقدمت بسؤال الى سيدة عجوز عن المثل الشعبي الذي يقول ” ما دير خير ما يطرا بأس “. هل تعرفين هذا المثل , و هل يمكن اعتبار ما يدعوا اليه صحيحا ؟ أجابت السيدة بنعم, أعرف هذا المثل وهو صحيح لا غبار عليه و قد قاله “سيادنا الأولين, لي ما خلاو للتابعين ما يقولو”. قدمنا للعجوز آيات من القرآن الكريم تحث على فعل الخير, و أحاديث نبوية كذلك . تفاجئت العجوز بتعارض المثل الشعبي السلبي مع الدين فارتبكت و قالت ” الله أعلم, ايلا كان هكا راه هاد الشي غلاط غلاط بزاف الله يسمح لينا ” . تقدمنا من شخص آخر لنسأله بمدينة تطوان حول موضوعنا و طرحنا عليه نفس المثل الذي طرحنا على العجوز , اجابة الشخص شابها الكثير من الغموض ” هو في الحقيقة كاينة و لكن في نفس الوقت مكيناش..؟؟!!”. طلبنا توضيحا أكثر . أجاب الشخص هو مثل يقال فقط عندما تقدم مساعدة لشخص آخر فيقابل احسانك بالسوء أو ما شابه , أما اذا قابل الآخر احسانك بمثله فلا مكان للمثل هنا . أجبناه و لكن ما المراد في ديننا من وراء عمل الخير؟, هل انتظار الجزاء ممن نساعده أم ابتغاء الجزاء عند الله عز وجل ؟. هل المقصود بفعل الخير الشخص في حد ذاته ام ابتغاء وجه الله بغض النظر عن الشخص و مدى اعترافه و اقراره بالخير …؟ سكت الشخص فترة ليجيب ؛ أظن أن المثل خاطئ أليس كذلك… ؟ قبل أن يبتسم و يعتذر عن عدم اتمام الحديث . طالب آخر بمرتيل سألته حول ما سبق . فأجاب ؛ صراحة أرى أن المثل يتعارض مع الأخلاق و المبادئ , فنحن لا نعرف كيف جاء المثل و ما الظروف الذي قيل فيها . غالبا نحن شعب لا يتعب نفسه في البحث عن المصادر, و التمحيص فيما يتم تداوله. هل هو ايجابي, أم سلبي يؤثر بشكل عام على مناحي الحياة و الروابط الأسرية والاجتماعية. أقدر تناولكم للموضوع الذي لا ينتبه اليه الجميع لجهلم بتأثيره على برمجة الأطفال, و تربيتهم تربية سليمة خالية من التناقضات التي تساهم في انفصام شخصيتهم في المستقبل . فمن غير المعقول بتاتا أن نركز في تربية أطفالنا على فعل الخير و الاحسان و بالموازاة نردد أماهم مثل “مادير خير ما يطرا باس ” في تصريح واضح أن من فعل الخير فسيناله البأس لا محالة . مثل ” ما دير خير ما يطرا باس ” ؛ المثل في شقه الأول يدعوا بشكل صريح الى عدم فعل الخير ” ما دير خير “. و هذا يتعارض مع الوازع الديني و الأخلاقي و الانسانية بشكل عميق . كيف ذلك ؟ لنتابع الآيات و الأحاديث التي تحث على عمل الخير و التطوع ؛ الآيات القرآنية ؛ • (وتعاونوا على البر والتقوى) • (ومن تطوع خيراً فهو خير له) • (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)، الأحاديث النبوية الشريفة ؛ “لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة”. • ” خير الناس أنفعهم للناس” والحديث يشير إلى نفع الناس أجمعين وليس نفع المسلمين فقط. • ” تبسمك في وجه أخيك صدقة” وهذا يدل على أن التصدق المعنوي له مكانة كذلك في الإسلام وقد يكون البعض أشد حاجة له من التصدق الماد • ” أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربه أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا”. من هنا نجد أن المثل الشعبي يدعوا الى سلك طريق معاكس تماما لما يدعوا اليه كلام الله و أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم . لكن ما سبب ذكر المثل الشعبي؟ و ما هي مبررات قائله ؟ قد يكون سبب ذكر المثل الشعبي هو أن شخصا ما أو أناس ,تعرضوا لمواقف ساعدوا فيها الآخرين بعمل الخير, و لكن خيرهم قوبل بالجحود و الانكار بل و قد يتعدى الأمر ذلك الى مقابلة خيرهم بالشر . ” و هذا وارد في معاملة البشر و موجود يمكن لأي أحد منا أن يتعرض له “. لكن هل نفعل الخير فقط ليقابلنا الآخر بالخير نفسه ,أم نعمل الخير لأن الله أمرنا به و رسوله الكريم “ص”, و لأننا نطمح الى رضى الله و الفوز بالجنة… ؟ هنا تكون الاجابة هي الفيصل ؛ اذا كان المراد بفعل الخير هو رضى الله و اتباع سنة رسوله الكريم, فلا يهم تصرف أو رد فعل من نساعده أو نقدم له معروفا . لا نهتم للأمر فقط لأن مرادنا و هدفنا أكبر من أن يكون مقابلة فعل الخير بالخير من طرف بشر ضعيف مذنب يتبع الهوى و يغويه الشيطان . لنتخيل مجتمع بدون فعل الخير كيف سيكون حاله… ؟!!! لنقف عند الحديث الشريف الذي تكلم عن فعل الخير و قضاء حاجة أخيك و كيف أن أجر ذلك أفضل من أداء العبادة “الصلاة في مسجدي هذا مائة ركعة ” . ان مثل شعبي كهذا و ترديده باستمرار عندما يقابل الآخر احساننا اليه بالاساءة, هو برمجة خطيرة للأطفال على أن يحذروا من فعل الخير كي لا يصيبهم البأس .و نحن نعلم دور برمجة الأطفال” الذين يمثلون رجال الغد “,في تكوين شخصيتهم و التحكم في العلاقات التي ستربطهم في الحاضر و المستقبل مع أنفسهم و مع الغير . من هنا نجد أن المثل الشعبي السائد هو سلبي غاية في الخطورة , يؤثر على تماسك المجتمع و تعاونه و تضامنه بشكل ظاهر خصوصا اذا عرفنا أن قوة كل مجتمع تتجلى في قيم التضامن و التعاون و الترابط ,و مدى حضورها الفعلي و الملموس في الممارسات اليومية على أرض الواقع . مثل رقم 2 ؛ ” ربي كيعطي الفول غير لي ما عندو سنان “. هذا من أخطر الأمثال المنتشرة داخل المجتمع, و يتم ترديدها بشكل كبير دون أن ينتبه قائلها أنه يرتكب ذنبا عظيما بتعقيبه على حكم الباري عز وجل و حكمته في العطاء و المنع . يقال المثل غالبا عندما نرى عبدا من عباد الله ,يملك مالا أو ولدا أو نعمة من النعم ,لكنه لا يحسن التصرف فيها أو الاستمتاع بها حسب فهمنا القصير و السطحي . نزعم أن لو كنا مكانه لأحسنا التصرف و الاستمتاع بتلك النعم . نتدخل في حكم الله عز وجل و حكمته التي لا يمكن لمخلوق أن يعرف سرها الا باذنه سبحانه و تعالى . فالله سبحانه و تعالى يعطي و يمنع لحكمة يعلمها هو وحده , كما جاء في سورة الكهف عندما لم يصبر سيدنا موسى على أفعال سيدنا الخضر حتى تنقضي الرحلة ليبين له الأمر . فكان في كل مرة يسأل مستغربا لأنه لم يطلع على حكمة الله من فعل سيدنا الخضر . من هنا نجد أن المثل يحكم على الظاهر و يتدخل في حكمة الله التي لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها الا ما علمه الله منها . ربي سبحانه و تعالى يعطي لمن يشاء لحكمة يعلمها و يمنع من يشاء لحكمة يعلمها كذلك, و نحن عباده الضعفاء الذين لا علم لنا الا ما علمنا العزيز الجبار . . على من يردد المثل أن يستغفر الله عز وجل و أن يمتنع عن ترديده و نشره ليصبح ثقافة راسخة ,كما على من يسمعه من أحدهم نصحه و ابراز خطورة القول و عظمة الذنب … يمكن استبدال ذلك ” ربي كيعطي غير لي فيها الخير . و لكن الانسان ظلوم كفار ” . خلال جولتي لسؤال الناس في موضوع الأمثال الشعبية السلبية طرحت هذا المثل الخطير و كان الكل يتبرأ منه بشدة عند شرح معناه و دلالته و ما يدعوا اليه . مثل رقم 3 ؛ “اللوسة سوسة”. على الرغم من أن البعض قد يقول المثل للتسلية فقط , الا أن حضور نتائج المثل السلبية ملموسة في علاقة الزوجة مع أخت الزوج ” اللوسة” . يقدم المثل حكما مسبقا على أخت الزوج و يصفها بالسوسة . و السوسة كما هو معروف حشرة تقضي على العديد من الأشجار و تصيب ثمارها فتفسدها و تجعلها غير صالحة للأكل . الخطير في المثل هو أنه يعمم الحكم فتصبح كل أخت زوج حشرة مضرة ” سوسة” حتى يثبت العكس .بل و في بعض الأحيان حتى و ان ثبت العكس و كانت أخت الزوج طيبة الأخلاق و المعاملة ,فان الحاجز النفسي الذي يصنعه المثل, يبقى حاضرا في علاقة الزوجة بأخت الزوج و ضرورة الاحتراز … المثل يدمر علاقة آسرية عادية بالحكم المسبق و يجرم الآخر بشكل مجاني , من نتائجه نشوب خلافات تافهة عميقة بين أخت الزوج و الزوجة و انتقال تأثير ذلك و انتشاره كالورم الخبيث الذي يصيب جسم العائلة كاملا ,و تصاب معه العلاقات ببرودة العواطف و ضعف التواصل و الحزازات النفسية الفارغة بلا معنى . كم تسبب هذا المثل و البناء عليه في حصول أبغض الحلال عند الله”الطلاق”,و كم تسبب هذا المثل في تشتيت شمل آسر كانت تعيش الى وقت قريب في أمن و أمان و حب و اطمئنان… ؟ كم تسبب هذا المثل في نسف بيوت زوجية بمجرد بنائها …؟ كم تسبب هذا المثل في نشوب خلافات عميقة بين الآسر و تدمير النسيج الآسري الذي يحمي النسيج الاجتماعي ؟ و كم و كم ….؟ المثل سلبي يخالف العقل و الصواب و يعمم حكم مسبق على كل أخت زوج, واصفا اياها بالحشرة المضرة التي تهلك الأشجار و الثمار .يدمر البيوت الهادئة المطمئنة في صمت, و ينتشر كسرطان خبيث ليصيب كل مفاصل العلاقات الاجتماعية و الآسرية بالضعف و الوهن . ألا يكفي هذا للتخلص من هذا المثل “الحشرة ” و عدم ترديده حتى لا يترسخ في عقول جيل المستقبل .؟ المثل غاية في السلبية و تداوله يرسخ بناء موقف خاطئ من أبرياء لا ذنب لهن سوى أنهن أخوات أزواج…
عدد المشاهدات : 1,571