الألوان في التراث الشعبي الشفاهي.. تجليات ودلالات حياتية
يبحث كتاب (الألوان في التراث الشعبي الشفاهي) لمؤلفه محمد خالد رمضان، في تجليات وتعبيرات الألوان السائدة في التراث الشعبي العربي الشفاهي، وعلاقة ذلك مع الإنسان، وتمظهراتها في حياته ومجتمعه، وهذه العلاقة يراها الباحث علاقة مركّبة، متبادلة، بمعنى أن الإنسان يمارسها يومياً، خلال أوقاته، دون اهتمام مباشر بمعانيها ودلالاتها، مؤكداً أن اللون رافق التراث الشعبي العربي بشقيه: الشفاهي غير المادي، والمادي، كما رافق اللون بشكل عام، سلوكات الإنسان اليوميّة، وتطوّر تأثره به من زمن إلى زمن، ومن جيل إلى جيل، حسب نوع العلاقة القائمة بينهما، والاكتشافات العلميّة التي يُشكّل اللون عنصراً أساساً فيها، ولقيمة اللون في الحياة، اهتم به الأدب العربي، بدليل وجود آلاف الأبيات الشعريّة التي تصفه في العناصر الطبيعيّة المختلفة.
ولأهميته أيضاً، جاءت به آيات عديدة في القرآن الكريم، كما رُبطت جماليات الألوان بالجسد الأنثوي، خاصة بالعينين والشعر، وبكل ما يُحيط بالإنسان من مرافق وأدوات وأثاث ومظاهر، بحيث يمكن القول إن العالم بلا ألوان، عالم كئيب وحزين، لا سيما بعد أن باتت تشكل حالة من الحالات الطبيعيّة الإنسانية الحاضنة والرامزة لمكونات الجمال في الحياة.
يتوزع الكتاب على تسعة أبواب، تتناول تجليات وتمظهرات الألوان في التراث الشعبي العربي الشفاهي، وفي الأغنية الشعبيّة، والزغرودة والأمثال والحزازير ونداءات الباعة.. وغيرها.
في البداية، يصنفها الكتاب في أساسية وفرعية، ثم يُبين نوعها، وحواملها الرئيسة في الحياة، ويُشير إلى دلالاتها ورموزها وإيحاءاتها ومعانيها، ويقوم برصد وجودها في الأغنية الشعبية، مقدماً أمثلة على ذلك مثل: آه يا أسمر اللون، يا ظريف الطول، يا بيضا يا جوريّة.
سحر
ثم يرصد الكتاب تجليات الألوان في التنويحة، وفي المثل الشعبي، مثل: سحر الأحمر ما بيتغيّر، الشجر أخضر والعشب أخضر بس القلب معتّر، قالوا أصفر لونو قلنا قرّب طينو، حزينة وسودة والرّدة ورا الرّدة، أبيض يا تلج بتغطي المرج، لبس البني جنّنني.
وأما في التشبيهات: أحمر أحمر متل الدم، بيحضر بالمحضر متل الخضر الأخضر، دبلان وأصفر متل الخيار المبعجر، سودا متل قفا الطنجرة، بيضا متل شق اللفت، صحيح عيونا زرقا بس ما لقيت متلك جلقا.
وفي الحزازير الشعبيّة: يُقال في اللون الأحمر(لونو غاوي عالأواعي، بيقهر الغايب والواعي، بيفرّح التاجر والراعي) وفي اللون الأخضر (بيلوّن الورق بالصيف، وبالخريف بيقول يا حيف، بيرقصنا رقص الكيف) وفي اللون الأسود (المغاير من غير ضو، فيها الكلب بيقول عو، وفيها القطة بتنوي نونو، شو بيكون لونو هالحو ؟).
باب واسع
وعن الألوان في نداءات الباعة، يسوق الكتاب جملة من الشواهد منها: (حمرا وريانة يا بندورة، أصفر وعسلي يا تين، أنت وين ونحنا وين، حمويّة وبيضا يا جبنة، يبروديّة وسمرا يا بطاطا، عايق يأزرق وبالقلب معشّق). وفي الختام، يؤكد الباحث أن الألوان وتجلياتها ودلالاتها في تراثنا الشعبي، باب واسع من أبواب هذا التراث، خاض في بعض مفاصله، وتعمّق فيها.
