لا يفتى ومالك في المدينة
الثقافة بمعناها الواسع، تشمل كل تجليات التعبير المشترك كالحِكَم والأمثال الشعبية وكل الموروثات. إنها وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية. هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.
الإمام مالك بن أنس هو ثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وهو صاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه، ويطلق عليه «إمام دار الهجرة» وهي المدينة المنورة، وقد أثنى عليه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». ويُعدُّ كتابه «الموطأ» من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك».
وُلد الإمام مالك بالمدينة المنورة سنة 93هـ، وبعد أن اكتملت دراسته للآثار والفُتيا، وبعد أن شهد له سبعون شيخاً من أهل العلم أنه أهل لذلك، اتخذ له مجلساً في المسجد النبوي للدرس والإفتاء.
وأما لماذا قيل: لا يفتى ومالك في المدينة ؟ فإن لها قصة طريفة وغريبة في آن.
فقد روي أن سيدة توفيت في المدينة المنورة والتي جيء لها بمغسلة لتغسلها ولما وضع الجثمان ليغسل فحينما صب الماء من المغسلة على جسد الميتة وذكرتها بسوء أخلاقها فالتصقت يد المغسلة بجسم الميتة بحيث أصبحت لا تقوى على تحريك فأخذوا رأي العلماء هل تقطع يد المغسلة لدفن الميتة لأن دفن الميت أمر واجب، وقال بعضهم بل نقطع قطعة من جسد الميتة لنخلص المغسلة لأن الحي أولى من الميت واحتدم الخلاف وكل هذا بسبب كلمة قيلت ولكنها كلمة ثقيلة...قال فيها الرسول عيه الصلاة والسلام (إن قذف المحصنة يهدم عمل مئة سنة) رواه الطبراني...
أما علماء المدينة فقالوا كيف نختلف وبيننا الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فذهبوا إليه وسألوه...
وإذا بالإمام يأتي على جناح السرعة وبينه وبين المغسلة والميتة باب، وسألها من وراء حجاب وقال لها: ماذا قلت في حق الميتة؟ قالت المغسلة: يا إمام رميتها بالزنا. فقال الإمام مالك رضي الله عنه: تدخل بعض النسوة على المغسلة وتجلدها ثمانين جلدة مصداقاً لقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون).
فدخلت النساء وجلدن المرأة المغسلة القاذفة وبعد تمام الثمانين رفعت يدها عن جسد الميتة ومن هنا قيل لا يفتى ومالك في المدينة.
ليست هناك تعليقات: