الحمام الشعبي.. منبع الأمثال وزفة العروس والنميمة وشغل الخاطبة
إختلف المؤرخون حول التاريخ الصحيح لبناء أول حمام شعبي في قاهرة المعز، ولكن المؤكد أن الحمامات الشعبية نشأت قبل تسمية القاهرة نفسها بهذا الاسم، أي منذ عصر المعز لدين الله الفاطمي، إذ يرجع إنشاء الحمامات للعصر الروماني وقبل الفتح الإسلامي لمصر ايضا بأعوام.
وارتبطت الحمامات الشعبية منذ بداية ظهورها بتجهيز العرائس سواء الرجال أو النساء استعدادا ليوم الزفاف، حيث تختص هذه الحمامات بما يطلق عليه صنفرة الجسد والبشرة لتصبح براقة وأقرب إلى بشرة الأطفال، يميزها النعومة والحمرة التي تنبع من نظافة قوية ومؤثرة، بالاضافة لتعطير الجسم بخلطات من العطارين تشتهر بها هذه الأماكن.
-قرع الدفوف
وكانت تقرع الدفوف عند خروج العروس أو العريس في الحمام، دليل اقتراب موعد الزفاف ودخول القفص الذهبي، ويشارك في هذه الزفة الشعبية اصدقاء الطرفين بالاضافة للأهل والاقارب، ولكن تلاشت هذه الظواهر ولم تعد كما كانت في الماضي بسبب ظهور مراكز التجميل وعيادات جراحات التجميل ومعطرات الجسد المستوردة والغريبة ايضا.
-الأمثال الشعبية
كانت الحمامات الشعبية أيضا منبعا لكثير من الامثال الشعبية بسبب وقائع خرجت منها أو حدثت فيها، كما كانت منبع لاخبار عن فتيات يصلحن للزواج من قبل الخاطبة التي كانت موجودة في الماضي، وايضا مكان للبحث عن فتيات جميلات يصلحن للغناء والطرب منذ العصر المملوكي في مصر، وأفضل الأماكن للنميمة على السيدات والرجال على حد سواء، حيث كانت زيارة الحمام الشعبي أمرا تحرص عليه السيدات في الماضي خاصة المتزوجات منهن.
-التكوين والتصميم
يتميز البناء المعماري الداخلي للحمامات الشهيرة في قاهرة المعز بالاتساع والطراز المعماري البيزنطي، ويميل ايضا للون المملوكي في بناء القصور والساحات الغنائية.
ويتكون الحمام من مسلخ وهو مكان يتصاعد منه البخار من مغطس مائي مستدير إلى أعلى حيث توجد فوهة للتهوية، وفيه يتصاعد بخار الماء بغرض تعريض الجسد له ليضعف ما يتعلق بالجلد من طبقات للجلد الميت، وهو مكان يحيط به مقاعد رخامية قديمة التصميم تصلح للراحة او الجلوس.
وهناك ايضا ما يسمى بغرف التكييس وهي غرف بها مقاعد عريضة رخامية وخشبية لتدليك الجسم بالمواد التي تزيل الجلد الميت بطبقاته وتزيل الاوساخ العميقة، ويتم هذا باستخدام زيوت ومواد خشنة بعض الشئ.
وأخيرا غرف الاستراحة، وهي من أجل وضع الماسكات المختلفة على الجسم والماسكات تريح البشرة وتجعل لونها ورديا، وفيها يرتاح الشخص من مجهود التعرض للبخار والتدليك وفرك جسده بالكامل، وكأنها جلسة تدليك كاملة بالاضافة إلى الماسكات الخاصة بالجسم.
-أشهر الحمامات
اشهر الحمامات الشعبية موجودة في منطقة باب الشعرية بوسط المدينة، وبالتحديد في منتصف شارع يدعى أمير الجيوش، وهو شارع شهير بالمباني القديمة المهن التي انتهت تقريبا من الواقع الحديث، ويحمل الحمام اسم حمام الملاطيلي الشهير الذي اتخذ من اسمه عنوانا لفيلم عربي مصري شهير في فترة السبعينيات.
وحمام ام السعد وهو مجاور لحمام الملاطيلي، عبارة عن بناء قديم من العصر العثماني، يمتاز بجدران ضخمة عالية وفتحات تهوية على طراز معماري منظم، ولا يخلو من اشكال هندسية اينما ذهبت داخله.
وايضا حمام مرجوش الموجود في منطقة الجمالية وهو على الطراز الفاطمي، وهو يعمل يومان بالاسبوع للرجال ويومان للسيدات، وصاحبه رجل تخطى السبعين عاما ورثه عن اجداده ولم يغير النشاط.
ومن الحمامات الشعبية التراثية القديمة حمام بشتاك الذي شيد في العصر المملوكي البحري، وأنشأه الأمير بشتاك الناصري أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون، قرب قصره في شارع سوق السلاح بمنطقة الدرب الأحمر.
وحمام السلطان المؤيد شيخ المحمودي الموجود في حارة الجداوي من شارع المعز لدين الله، وهي الحقبة التي ازدهر فيها بناء الحمامات العامة في مصر على الطراز المملوكي الذي يهتم بالقبب البارزة، ولم يتبق من الحمام المتهالك سوى المسلخ الرخامي بعدما سقطت قبته على مدار السنوات الأخيرة، وأدرجته وزارة الآثار ضمن خطتها لتطوير الأثريات القديمة.
-مواعيد العمل
الحمامات الشعبية تتميز بالخدمة منذ الصباح الباكر حتى تستطيع العروس أو صديقاتها اللحاق بالتجهيزات المطلوبة منهن باقي اليوم، وتخصص أيام للرجال وأخرى للنساء، ويغلق الحمام ساعة واحدة مع غروب الشمس لتغيير المياه وفريق العمل.
-الأسعار
العروسان لهما اسعار خاصة وبالتالي خدمة مختلفة، حيث تدفع العروس من 200 إلى 250 جنيه للاهتمام بها وببشرتها قبل الزفاف، ويتم استخدام ماسكات الترمس وماء الورد وحمامات مغربية من صناعة اليد، ولا يوجد أي مواد كيماوية تستخدم داخل الحمامات الشعبية، بينما يتكلف العريس ما بين 150 و250 جنيه، ويتم الاهتمام ببشرته وجسده ووضع ماسكات خاصة بنعومة البشرة والشعر وتصفيف لشعر الجسم والرأس وحتى الحواجب.
أما من يرتاد الحمام للنظافة فقط فهو يدفع بين 60 و80 جنيه حسب المطلوب ولكن الحد الأدنى هنا 60 جنيه، بالاضافة للإكراميات التي تدفعها النساء حسب درجة رضاها عن الخدمة والنتيجة التي تخرج بها من الحمام.