رسائل واتس أب (2)
(1)
إن الساهي عن عبادة ربه عاجزٌ لا يصل إلى أغراضِه، ولا يحقق رغائبَه، أما أولئك الواصلون إلى مراميهم بالأماني والأحلام، وهم لا يتقرَّبون إلى خالقِهم بالصلاة، فلا بد أن تُدمي أقدامَهم وعورةُ الطريق، كلما اجتاز عقبة وقع في أخرى، هذا في الدنيا، ثم في الآخرة سيكتوون بنار الخِذلان، عياذًا بالله، فلم نرَ أو نسمع عن مسلم قعَد عن الصلاة إلا داسته الحياةُ، ونبذَتْه وألقته على هامشها.
يا مسلم، يا من تشهَد أن لا إلهَ إلا الله، لقد خُلق الإنسانُ ليسعى، لا ليكونَ نائمًا هائمًا يقودُه هواه كما يقادُ البعير، إن الحياةَ والعافيةَ والنعمة الرغيدة التي تعيشها وتستمتع بها دون أن تلتفت إليها، وأعني بها نعمةَ الإسلام، التي هي أكبرُ من كل نعمة - هي إحسانٌ من الله عليك، وتفضُّل منه لك، فذلك يتطلب منك أن تكون شاكرًا للمُنعِم، ولا تستطيع أن تحصي ثناءً عليه.
(2)
لماذا تقطع حبل الوصال بينك وبين ربك؟
إلى متى ستظل تائهًا عن الطريق؟! ألستَ تبحث عن السكون والراحة؟! إلى متى ستظل تملِكُ نفسًا مختلّة تسيطرُ عليها الوساوس، وتنهكها العِلَل؟
إلى متى؟ إلى أن تكتشفَ خَسارتَك؟!
عندما تجد ما عملته من سوء ماثلاً أمامك؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]، كم أتمنى أن أتجوَّلَ في داخل مسلم لا يصلي، كيف يعيش!
لا بد أنه يعيشُ بداخل مظلم، مُعوَج، مضطرب، ما الذي يضيء داخلك وخارجك وجوارحك؟ كيف تعيش بدون وصل خالقِك الكريم الذي يستحق الحبَّ والوصل، لقد أوصاك بوصلِ قريبك ووالديك وأحبابك، فكيف بوَصْلِه؟! قرة عين المُحبِّين، ونعيمهم، ولذة حياتِهم في مناجاته.
(3)
بمَ شُغلتَ عن ربك؟ وبماذا تشتغل الآن؟
هل الصلاةُ مشقَّة وعذاب؟ هل الصلاةُ تعَبٌ وعناء؟ إن كثيرًا من أعمالِ الدنيا أشدُّ مشقةً وأكثرُ عناءً وجهدًا، بالله عليك "كم تأخذُ الصلاةُ من وقتنا في اليوم والليلة، ساعة، أو أقل، أو أكثر قليلاً، مقابل ماذا؟ مقابل أن يعطيك اللهُ من الثواب ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُن سمِعت، ولا خطَر على قلبِ بشَرٍ.
أنت ترى ظُلمَك لنفسك في تخلِّيك عن الصلاة، وتُدرِك خطَرَها، ويسوءُكَ مَن يتهاون بها من أقرانِك، أو ممن هم دونك، فإلى متى؟ إلى متى تخبِط في الدنيا خَبْطَ عشواء؟! إلى متى تسير كما يحلو لك دون حسابٍ للرقيب، غافلاً عن معرفة الحقِّ؟! إن من حقِّ الله عليك أن تتوجَّهَ إليه بعبادتِه، وأعظَمُها الصلاة، إنك تعرِفُ وتُدرِك!
ومن حقِّه - جل شأنه - أن يغضَبَ على من يقطع صلته به إذا عرَف وانحرف، وأدرَك واقترَف.
(4)
سأطرَح عليك سؤالاً قد تتعجَّبُ منه: هل تريد الجنةَ؟ ستقول: نعم، وبتعجُّب: كيف؟! وأين الثمن؟! انظر إلى الرزق، هل يمطر عليك من السماء إن لم تسعَ له وتتعاهَدْه؟ كذلك الجنة، تحتاجُ إلى بذلٍ وسعي، فعندما طلب ربيعة بن كعب رضي الله عنه مرافقتَه صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال له : ((أعنِّي على نفسِكَ بكثرةِ السجود))، والله - جل شأنُه - يقول : ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: 72]، إن الله يدعوك إلى دارِ السلام؛ يقول سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ [يونس: 25]، ثم رضوان الله عليك أكبرُ من الجنة؛ ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72]، ثم النظر إلى وجهه العظيم، نسأله سبحانه ألا يحرمنا فَضْلَه؛ ففي الحديث الصحيح، حديث الرؤية ((فوالله ما أعطاهم اللهُ شيئًا أحبَّ إليهم من النَّظرِ إلى وجهِه)) فإذا رأَوْا وجهَ الله نسُوا ما هم فيه من النَّعيم،. ألا تريدُ رؤيةَ ربِّك العظيم الواحد الأحد؟!
ألا تريد أن تنعَمَ بالقُربِ وتُحشَر في زمرةِ المتَّقين والصَّالحين؟!
(5)
أتخشى اللهَ وتخافُه؟
كأني بك ستقول: نَعَم! بماذا؟ فإن للخوفِ ثمراتٍ، تهون بها اللذاتُ، وتقود القلبَ إلى ربِّ البريات، وأنت تعلَمُ أن الله لو أراد أن يهلكَ العالَمين لم يُبالِ، وما أهونَ العبادَ عليه إذا هم عصَوْه، ومن يخاف يحذر، يحذر من بطشِه وعقابه؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((أنا أعرَفُكم باللهِ، وأشدُّكم له خشيةً))، إن الاستخفافَ بفريضةِ الله عليك وتفريطك فيها، وضَعْف إرادتك، هو لأنك أسقَطْتَ خوفَك وتعظيمك له سبحانه، وبهذا سُلِبْتَ محبته ورضاه، تعرَّف إلى الله، فمتى عرفتَه عظَّمتَه، ومتى عظَّمته خشِيته، وإذا خشيتَه عبَدْتَه وأحببتَه، أترجو الرحمةَ والمغفرة؟ إن هذا جهلٌ مركَّب، وليس بسيطًا؛ فاللهُ تعالى يقول: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 156]، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، لماذا لا تريدُ أن تدخلَ تحت ظِلالِ رحمتِه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق