علاقةُ "الأمثال الشعبيّة" بالتنبؤ في الطقس قديماً
خاص آسيا _ علا ديوب
يُعدُّ علم الأرصاد الجوّيّة علماً حديث النشأة، تطوّر بشكلٍ سريعٍ مع تطوّر وسائل وأدوات قياس عناصر الطقس ووسائل الاتّصال، لكنَّ التطوّر الأكبر كان بعد إطلاق الكثير من الأقمار الصناعيّة المختصّة بمراقبة أحوال الطقس على مدار ساعةٍ بسرعةٍ فائقة. كما أنَّ تطوّر الموديلات المناخيّة مكّن من وضع سيناريوهاتٍ لحالة المناخ خلال عقودٍ قادمة، وهذا ساعد العالم على أخذ الاحتياطات الضروريّة لمواجهة كلّ تغيّرٍ مُتوقّعٍ في حالة المناخ العالميّ.
على الرغم ممّا سبق ذكره من تقدمٍ للوسائل العلميّة المتعلّقة بالطقس، ما تزال توقّعات حالة الطقس تُعاني من بعض الأخطاء، يقول الخبير السوريّ في علم المناخ الدكتور "رياض قره فلاح" في حديثٍ خاصٍّ لـ"وكالة أنباء آسيا" بهذا الخصوص : "مثلاً للحصول على نشرةٍ دقيقة لثلاثة أيّامٍ يجب الحصول على معلوماتٍ رصديّةٍ تشمل نصف الكرة الأرضيّة، كما يجب الحصول على معلوماتٍ رصديّةٍ تشمل كامل الكرة الأرضيّة؛ لأنَّ الفاعليّات الجويّة تؤدّي إلى حدوث تغيّراتٍ سريعة في الطقس، تكون خارج إدراك المتنبئ الجوّيّ، وقد تَحدّثُ حوادثُ معاكسةٍ للتوقّعات أو مُفاجِئة".
يُتابع الخبير: "في فترة ما قبل الخمسينيّات من القرن العشرين لم يكن أمام أجدادنا القدماء من وسيلةٍ لتقدير حالة الجو سوى الاعتماد على ملاحظاتهم العديدة، لتكرار حالة الطقس على مدار السنوات المتعاقبة، لذلك فقد أضافوا الكثير من الحِكم والأقوال والأمثال التي أصبحت بمثابة قرارٍ وحكم على حالة الطقس، وعند تفسير هذه الملاحظات علميّاً نجدها تقوم على الكثير من الأُسس العلميّةِ الصحيحة".
و يُضيف: "اعتمد القدماء على علامات الطقس المتعلّقة بالرياح ومنظر السماء ومراقبة القمر والغيوم والضباب، وغير ذلك لتقرير الحالات الطقسيّة السريعة، أمّا الحالات الطويلة فكانت تُعاني من قلّة الدقّة بسبب اعتمادها على بعض الأساليب غير العلميّة والتي تأخذ شكل الخرافة".
وعن بعض المؤشّرات التي كان يستخدمها أجدانا لمعرفة حالة الجوّ لفترةٍ قريبة، وبعض الأمثال الشعبيّة المرتبطة بها، يُطلعنا عليها الدكتور "قره فلاح" بالتفصيل:
1- الضباب:
يقول د. قره فلاح: "إنَّ الضباب الذي يتشكّل بعد غياب الشمس مباشرةً ما هو إلّا دليلٌ واضحٌ على رطوبة الهواء المرتفعة، إذ تُعدُّ الليالي التي ينتشر خلالها الضباب من الساعات الأُولى أدفأ من الليالي الصحوة، لذلك فقد عبّر أجدادنا عن هذه الحالة بالمثل الآتي: (إذا ضبضبت من عشية لاقيلك شي قرنة ديفيّة)، وهم وضّحوا بهذا المثل بأنَّ الليالي المضبّبة تُؤدّي إلى تعذّر الرؤية، والسير ليلاَ بالنسبة لابن الريف أو البادية، ولهذا يجب أنْ يبحث الشخص عن مكانٍ يلتجئ إليه خشيةً من ضياع طريقه، بجانب الدفء الذي يوفّره لنفسه.
أمّا المثل القائل: (إذا ضبّضبت من باكر احمل عصاك وسافر)، يُشير إلى أنَّ الضباب المتشكّل في الصباح نتيجة انخفاض درجة حرارة الهواء سرعان ما يتبّدّد بعد شروق الشمس بنحو ساعتين، ثمَّ يصحو الجوُّ ويستقرّ وتُشرق الشمس، ويمكن للإنسان في هذه الحالة أنْ يسافر مطمئِناً بأنَّ الجو سيكون صحواً طيلة النهار.
2- قوس قزح
كان لظهور قوس قزح عند أجدادنا القدماء دلالات تنبؤيّة عن الطقس المتوقّع، عبّروا عنها من خلال أمثالٍ متوارثة منها: "إذا قوست شرق وغرب فرش ونام عالدرب"...أي إذا كان اتّجاه قوس قزح منتصباً من الشرق إلى الغرب عكس اتّجاه الريح، فهذا مُؤشّرٌ على حدوث الصحو، ولذا بالإمكان النوم على الطريق من دون الخوف من حدوث الأمطار والسيول. كما يُقالُ المثل بطريقةٍ أُخرى: "إذا قوست شرق وغرب اقضب الدرب".. أي يمكن السفر والترحال بكلّ أمان؛ لأنَّ الطقس سيكون صحواً... ويقال أيضاً: "إذا قوست شرق وغرب كدّن دوابك وقوم الطريق" بمعنى جهّز حيواناتك للحراثة فأنت بأمان.
أمّا المثل المعاكس، والذي يقول: "إذا قوست قبلي وشمال حل الفدان" أو "إذا قوست قبلي وشمال فك دوابك ورحال" معناه أنّه إذا شاهدت قوس قزح منتصباً من الجنوب إلى الشمال فتوقّف عن الحراثة وغادر أرضك؛ لأنَّ الطقس سيكون رديئاً وستهطل الأمطار؛ أي بمعنى آخر إذا كان قوس قزح مع اتّجاه الريح سيكون الطقس رديئاً.
3- الهالة
الهالة هي عبارة عن دائرة من الضوء قطرها 22 درجة تظهر في بعض ليالي الشتاء حول القمر كما تظهر حول الشمس بسبب انعكاس وانكسار الأشعة الشمسيّة على بلورات الثلج، وقد قيل في الهالة (عالقمر دارة ، الدنيا مطارة) وهذا معناه أنَّ تشكّل (الدارة) حول القمر نذير قدوم الأمطار، وهي حقيقةٌ علميّةٌ، إذ تبدأ الغيوم الشفّافة السمحاقيّة ذات الهالة في بداية أيّ منخفضٍ بالتشكّل مُنذرةً بقدوم الأمطار.
4- البرق
وهو وميضٌ كهربائيٌّ ناتج عن حدوث تفريغٍ كهربائيٍّ شديدٍ ضمن الغيوم الداكنة. والرعد هو صوت تفريغ البرق، إذ نرى البرق قبل سماع صوت الرعد، وهما أمران متلازمان، وقد قِيل في البرق (اللمع اللاذقاني صادقاني) وهو مثل ساحلي يردّده سكّان منطقة جنوب اللاذقية، ويقصدون به أنَّ البرق أو اللمع الذي يرى من جهة الشمال (أي جهة اللاذقية) يكون برقاً صادقاً لكونه يترافق برعدٍ وهطول أمطارٍ غزيرة تكون قادمةً من جهة الغرب والشمال الغربيّ من منطقة اللاذقية.
5- تلون السماء
يدلّ تلوّن السماء أحياناً عند الشروق والغروب إلى حالة الطقس المرتقبة، فكلّما بهتت أو رقّت ظلال الألوان عند الشفق والغسق تقدّمت احتمالات الطقس الحسن؛ لأنَّ تلك العلامات على أنَّ الهواء جاف، أمّا إذا كان اللون السائد أثناء الشفق والغسق أحمر ناريّ أو نحاسي، فإنَّ ذلك علامةٌ على مجيء المطر؛ لأنَّ هذا دليلٌ على زيادة رطوبة الهواء. فالعرب منذ مئات السنين كانوا يستدلّون على المطر بالحمرة.
6- الغيوم
تبدو الغيوم في السماء ذات أشكالٍ وصورٍ وارتفاعات مختلفة، بعضها ممطر وبعضها غير ممطر، ميّز القدماء الغيوم بعضها عن بعض تبعاً لألوانها وامتدادها الأفقيّ والشاقوليّ ومواعيد تشكّلها، وبالتالي معرفة ما يرافقها من كمّيات هطول، إذ كانوا يُرجعون بطء حركة الغيوم إلى كثرة حمولتها من الماء، وكلّما اتّجهت ألوان الغيوم نحو البياض كان ذلك دليلاً على قلّة مياهها.
7- الارتفاع غير الاعتياديّ لدرجة الحرارة
يقول الفلّاحون بعد ملاحظاتٍ متواصلةٍ وطويلة لتغيّرات الطقس (الشمس مطرودة)؛ أي معقوبة بتغيّرات الطقس، إذ يحدث أنْ ترتفع درجات الحرارة في بعض أيّام أشهر شباط وآذار ونيسان وتشرين ارتفاعاً شديداً في فترة ما بعد الظهر، وسرعان ما يتغيّر الجوّ وتتشكّل الغيوم الداكنة اللون التي تهطل منها الأمطار بغزارة، وعلميّاً أحد دلائل اقتراب وصول منخفضٍ جوّيٍّ هو الارتفاع السريع في درجات الحرارة.
8- الثلج
قالوا (إذا أثلجت أفرجت)، إذ ربط الناس بين سقوط الثلج وصحو السماء، ويقترن هطول الثلج بانخفاض درجة الحرارة في بعض الغيوم إلى ما دون درجة التجمد.
غير ذلك هناك الكثير من الدلائل أو الظواهر العامّة التي تُعدُّ مؤشّراً على حالاتٍ طقسيّةٍ معيّنة، مثل هجرة الطيور أو ظهور أنواع منها في فتراتٍ معيّنة، عدا عن وجود أيّام أو فترات محدّدة لها تسمياتٌ خاصّة مثل الآبيات، والمربعانيّة، والسعودات، والأيّام العجوز، وسقوط الجمرات، والليالي البيضاء، لها تفاصيلُ كثيرةٌ نتحدّث عنها في مقالاتٍ لاحقة بهذا الخصوص.
الدكتور رياض قره فلاح، أستاذ علم المناخ في قسم الجغرافيا، جامعة تشرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق