تشغيل الوضع الليلي

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

منذ سنتين عدد المشاهدات : 71680

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. 
وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. 
ومحور كلامنا عن الطيبة 
فما هي؟
الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل).
الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. 
الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم.

هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟
الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية...
فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان،
فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل.
لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. 


هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟
إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير.
أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. 
إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... 
صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق.
هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ 
الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. 
والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل.
فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق...

حنان الزيرجاوي

اخترنا لكم

خاطرة

سأطهره بدموع الاستغفار حتى أستطيع أن أبعثه بيد ولي العصر المفدى (صلوات الله وسلامه عليه) ليحمله معه إلى ضريح العاشقين #قلبي_في_ليلة_الجمعة

اخرى
 منذ 8 أشهر
 
 293

التمهيدُ الفاطميّ للظهورِ المهدويّ علمًا وعملًا/2

بقلم: علوية الحسيني المبحث الأول: التمهيدُ الفاطميّ وكيفيتُه لاشكّ أنّ المُقدماتِ المُمهِّدةَ لشيءٍ مُقدّسٍ تكونُ مُقدّسةً أيضًا؛ إذ هي أُسُّه وأساسُه. كانتِ السيدةُ الزهراء (عليها السلام) المقدِّمةَ للتمهيدِ المُقدّسِ لقداسةِ المُمهَّد له، إمامنا المُفدّى، حفيدها، الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). كما أنّه لاشكَّ ولاريبَ أنّ السيّدةَ الزهراء (عليها السلام) مُقدّسةٌ بصريحِ الآياتِ الكريمة، والرواياتِ الشريفة –في كُتُبِ الفريقين-؛ وكفى بآيةِ التطهير من الأدلّةِ القرآنيةِ دليلًا على قداسةِ السيدةِ الزهراء (عليها السلام) لتكونَ أُسَ التمهيدِ المقدّس وصاحبه، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}(3). وكفى بحديثِ الكساءِ من الأدلةِ الروائيةِ دليلًا على قداستِها أيضًا، رويَ عن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أم سلمة قالت: "نزلت هذه الآية في بيتي وفي يومي، كانَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) عندي فدعا عليًا وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ (عليهم السلام) وجاءَ جبرئيلُ (عليه السلام) فمدَّ عليهم كساءً فدكيًا، ثمّ قال: اللهم هؤلاءِ أهلُ بيتي، اللهم أذهبْ عنهم الرجسَ وطهِّرْهم تطهيرًا"(4). إذًا فشخصُ فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والتمهيدُ لظهورِ الإمامِ المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) أمران مقدّسان، لابُدّ من الوقوفِ على كُلٍّ منهما على حدة؛ إلمامًا بالموضوع، وخروجًا بنتيجةٍ واقعية. وهذا ما سيتم بيانُه ضمنَ المبحثِ في المطلبين التاليين: الأول منه في مرحلةِ التصور، والثاني في مرحلة التصديق. ■ المطلبُ الأولُ: التمهيدُ الفاطمي لابُدّ من الوقوفِ على مفهومي (التمهيد)، و(التمهيد الفاطمي)، وبيانِ حدّيهما في مرحلةِ تصوّرِ المفاهيم، وسوف أتناولُ هذا المطلب في فرعين: *الفرع الأول: تعريف التمهيد لغةً: "مهَّدّ: مهّدَ لنفسِه يُمهِّدُ مهدًا: كسبَ وعملَ. والمهاد: الفراش. وقد مهّدتُ الفراشَ مهدًا: بسطتُه ووطأته"(5). فالمرادُ من التمهيدِ هو إعدادُ الشيء لأمرٍ مستقبلي، وفي التمهيد للإمام المهدي (عليه السلام) فهي العمليةُ التي ينبغي القيام بها من قبلِ كُلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ؛ استعدادًا لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). ولهذهِ الكلمةِ جذرٌ في القرآنِ الكريم، حيثُ قال (تعالى): {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدا}(6). فمرادُ اللهِ (تعالى) من التمهيدِ هو الإعدادُ والتهيئةُ لأمرٍ ما. *الفرع الثاني: تاريخُ نشوءِ التمهيدِ الفاطميّ لاشكَّ أنّ السيّدةَ الزهراءَ (عليها السلام) تعلمُ أنّ قائمَ آلِ مُحمّدٍ (عجّل الله فرجه الشريف) من ذريتِها؛ بإخبارِ النبيّ الأكرم محمدٍ (صلى الله عليه وآله) لها. من ثمّ فهي على اطلاعٍ ودِرايةٍ بمُقدِّماتِ ظهورِه، لهذا وضعتِ الحجرَ الأساسَ لمقوماتِ التمهيدِ منذُ زمنِها الذي كانتْ تعيشُه؛ قاصدةً إعلامَ الأجيالِ اللاحقةِ بتلك المقومات، طامحةً إلى تطبيقهم لها. ولو تتّبعنا سيرةَ السيّدةِ الزهراء (عليها السلام) لوجدنا أولَ بذرةٍ وضعتها للتمهيدِ هي ارتباطها الوثيق باللهِ الواحدِ الأحد، والدعوة إلى دينِه، التي منها انطلقت نحو تزكيةِ نفسِها عروجًا إلى سماءِ الفضيلة. فكانتْ دروسُها وخُطبُها مشحونةً بروحِ التوحيد، والتمسُكِ بعُرى العقيدةِ وأشرفها، والتخلُقِ بأخلاقِ الله (تعالى)؛ ولهذا شهدتْ حياتُها نشاطاتٍ فكريةٍ واجتماعية، وسياسية، وثقافية. نحن نعلم أن السيّدة الزهراء (عليها السلام) هي أم الإمام الحسين (عليه السلام) الذي من ذريته وُلِدَ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)؛ وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "أنّ جبرئيلَ نزلَ على محمدٍ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا مُحمد، إنّ اللهَ يقرأ عليكَ السلام، ويُبشِّرُك بمولودٍ يولدُ من فاطمةَ (عليها السلام) تقتلُه أُمّتُك من بعدِك..."(7). فلولا السيدة الزهراء لم يولد الإمام الحسين (عليهما السلام), ولولاه (عليه السلام) لم يولد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). وسر الارتباط الوثيق بين الإمامين هو الجعل الإلهي؛ فالله (تعالى) هو الذي جعل الأئمة من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) دون الإمام الحسن (عليه السلام), وهو ما أشارت إليه بعض الروايات(*). ■ المطلبُ الثاني: كيفيةُ التمهيدِ الفاطمي في هذا المطلب يبدأ الكلامُ في الجانبِ العملي، أو في مرحلةِ التصديق، بعدَ أنْ عرفنا مرحلةَ تصوّرِ المفاهيم. ففي هذا المطلبِ تناولتُ بيانَ العناصرِ الركيزةِ في شخصيةِ السيّدةِ فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي أعطتها قوةً في التمهيدِ لظهورِ ولدِها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف)، ثم تطرّقتُ إلى كيفيةِ توظيفِ تلك العناصر؛ وذلك من خلالِ الفرعين التاليين: *الفرعُ الأول: عناصرُ قوةِ التمهيدِ في شخصيةِ الزهراء (عليها السلام) من أهمِّ وأبرزِ عناصرِ القوّةِ في شخصِ السيّدةِ فاطمةَ الزهراء (عليها السلام)، والتي جعلتها سيّدةَ نساء العالمين، وقدوةً للنساءِ والرجالِ أجمعين، ومُصطفاةً عندَ ربِّ العالمين، وحاملةً لرسالاتِ الأنبياءِ أجمعين، والمرأةَ التي يولدُ منها المُنقذُ الأمين المكين، هي: 1/ عُمقُ ودقةُ العقيدةِ: تُعدُّ العقيدةُ أساسَ هرمٍ ساقاه الفقهُ والأخلاقُ، فكان ذلك الأساسُ هو النقطةَ التي تُضفي على شخصيّةِ السيدةِ فاطمةَ الزهراء (عليها السلام) قوّةً استمدتْها من أبيها (صلى الله عليه وآله)؛ بدليلِ خطاباتِها العَقَديةِ التي تهتفُ بأصولِ الدّين، والتي منها انطلقتْ داعيةً لدينِ الله (تعالى) بعُمقٍ عقدي، ودقةٍ في الفهمِ والتبليغ، كانَ سبب قوّةِ شخصيتِها العقدية التي انقطعتْ عن النظيرِ النسوي؛ إذ نجدُ أنّها اختزلتْ أولَ وأشرفَ أصولِ الدّين بكلمةٍ واحدةٍ، وهي الإخلاص؛ حينما قالت: "وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهَ وحدَه لا شريكَ له، كلمةٌ جعلَ الإخلاصُ تأويلها" فبعدَ الحمدِ والثناء على ربِّ الأرضِ والسماءِ أخذتْ سيّدةُ النساءِ تلهجُ بالشهادةِ الغرّاء، وأطلقتْ عليها (كلمة)، بلحاظِ أنّ كُلَّ لغةٍ تحتوي على كلمةٍ بسيطةٍ، ومُركبةٍ، وهيأةٍ تركيبيةٍ، فالشهادةُ هي هيأةٌ تركيبيةٌ، رُبِطتْ كلماتها بحروفٍ فأصبحت جملةً تامّةً. وقد جعل سيّدُ الموّحدين، علي (عليه السلام) الإخلاصَ كمالًا لتوحيدِ الله (تعالى)، حيثُ قال: "كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ، وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْه"(8). فهذا العمقُ في العقيدةِ، والدقّةُ في التعبيرِ عنها، والمُتخصِّصون في عِلمِ الكلامِ يعلمونَ أنّ من المباحثِ الشائكةِ هو مبحثُ التوحيدِ الصفاتي، لكنّ السيّدةَ فاطمةَ الزهراء (عليها السلام) اختصرتْه في كلمةٍ واحدةٍ، بدقةٍ وسلاسة، ليدلَّ على قوةِ عقيدتِها. وإذا كانتْ هذه الدقةُ عندَها في أولِ أصولِ الدّين، فمن بابٍ أولى نجدُ نفسَ الدِقّةِ في سائرِ الأصول، من شاءَ ليتأمّل في خُطبِها وأدعيتِها (عليها السلام). 2/ الفقه الواقعي: حيثُ إنّ حياةَ السيّدةِ الزهراء (عليها السلام) كانتْ لا تخلو مسؤوليةً من الجانبِ التوعويّ الفقهيّ للنساء؛ ببيانِ الأحكامِ الشرعيةِ لهنّ، فكانتْ تلك انطلاقةً منها لربطِ أصولِ الدّين بفروعه، بالامتثالِ إلى أوامرِ ونواهي الله تبارك وتعالى. كيف لا، وقد شُحِنتْ خُطبُها بفلسفةِ التشريعِ الإسلامي المُستمَد من المنهلِ الصافي، سيّدِ الفقهاء، النبيّ محمدٍ (صلى الله عليه وآله)؛ حيثُ جاءَ في أحدِ خُطبِها: "جعلَ اللهُ الإيمانَ تطهيرًا لكم من الشرك، والصلاةَ تنزيهًا لكم عن الكِبرِ، والزكاةَ تزكيةً للنفسِ، ونماءً في الرزق، والصيّامَ تَثبيتًا للإخلاصِ، والحجَّ تشييدًا للدين، والعدْلَ: تنسيقًا للقلوب، وطاعتَنا نظامًا للملّة، وإمامتَنا أمانًا من الفِرقةِ، والجهادَ عِزًّا للإسلام، والصبّرَ معونةً على استيجابِ الأجر، والأمرَ بالمعروفِ مصلحةً للعامّة، وبرَّ الوالدينِ وقايةً من السخطِ، وصلةَ الأرحامِ مَنْسَأةً في العمرِ ومنماةً للعدد، والقصاصَ حقنًا للدماءِ، والوفاءَ بالنذرِ تعريضًا للمغفرةِ، وتوفيةَ المكائيل والموازينِ تغييرًا للبخس، والنهيَ عن شربِ الخمرِ تنزيهًا عن الرجسِ، واجتنابَ القذفِ حجابًا عن اللعنةِ، وتركَ السرقةِ إيجابًا للعِفّة، وحرّمَ اللهُ الشركَ إخلاصًا له بالربوبيّة"(9). وهذا ما كانتْ تُبلِّغُه إلى النسوةِ اللواتي يتردّدَن عليها، حتى بِتنَ يُعلِّمنَ ما علَّمتَهنَّ، ويُمهِّدْنَ ما مهَّدَتْ لهنّ من إعدادِ الكوادرِ النُخبويةِ المُشيعة لتلك الثقافة. 3/ القيمُ الأخلاقيةُ: إنّ الاتصافَ بمعالي الأخلاقِ يُعدُّ نقطةً جوهريةً في عناصرِ قوّةِ شخصيةِ السيّدة الزهراء (عليها السلام)، التي منها انبثقتْ، وأنارتْ بها عقولًا من النسوة؛ فوالداها نبيّ الله محمدٌ (صلى الله عليه وآله)، والسيّدةُ خديجةُ (عليها السلام) اللذان منهما تربتْ على الأخلاقِ الفاضلةِ الكاملةِ، فقد "كانتْ لا تتكلّمُ إلاّ بالحقِّ ولا تنطقُ إلاّ بالصِدقِ، لا تذكرُ أحدًا بسوء، فلا غيبةَ ولا نميمةَ، ولا همزَ ولا لمزَ، تحفظُ السرَّ وتفي بالوعدِ، وتصدقُ النُصح، وتصفحُ عن الآخرين، الشرُّ منها مأمونٌ، والخيرُ منها مأمولٌ، عفيفةٌ، طاهرةٌ، كريمةٌ، مؤمنة"(10). واختصارًا، كانتْ جامعةً لمكارمِ الأخلاقِ كلِّها، كيف لا وهي خليفةُ اللهِ (تعالى) ورسولِه، والحجّةُ على الأئمةِ من ذُريتِها (عليهم السلام)!. 4/ حُسنُ الجهاد: حيثُ إنّ الزهراءَ (عليها السلام) المُضحية المُجاهدة على مُختلفِ النواحي، من ثَمّ يكونُ جهادُها أكملَ جهادٍ؛ فعلى صعيدِ الجهادِ الأكبر -جهاد النفس- فمُحرابُها الزاهرُ في الليالي خيرُ دليلٍ على فنائها في ذاتِ اللهِ (تعالى)، وطمسِ معالمِ الأنا، فكانَ كمالُها الروحيّ ساميًا واضحًا، حتى اصطفاها اللهُ (تعالى) على عبادِه، وجعلَها من الكُمّلِ المُخلِصات. وعلى صعيدِ حياتِها في ظِلِّ أبيها (عليه وآله السلام) كانتِ المجاهدة الأولى في سبيلِ اللهِ (تعالى)؛ بتحمُّلِها الأذى والتوهينَ الذي كانَ يُسبِّبُه سُفهاءُ قُريش لرسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليه وآله)، حيثُ شاطرتْ أباها بوقوفِها معه، فكانتْ تُصبِّرُه، وكانَ يُصبّرها، حتى كان (صلى الله عليه وآله) يزرعُ في ابنتِه روحَ الجهادِ المُكتسيةِ بالصبرِ والنصرِ؛ إذ كانَ يقولُ لها: "لا تبكي يا بُنيّة، فإنّ اللهَ مانعٌ أباكِ وناصرُه على أعداءِ دينِه ورسالته"(11). أما على صعيدِ حياتِها تحتَ ظِلِّ بعلِها علي (عليه السلام) فجهادُها كانَ حُسنَ تبعُلِّها، بدليلِ شهادةِ بعلِها نفسِه عندما قالتْ له: "يا ابنَ عمِّ ما عهدتني كاذبةً ولا خائنةً ولا خالفتُك منذُ عاشرتني، فقال (عليه السلام): معاذَ اللهِ أعلمُ باللهِ وأبرُّ وأتقى وأكرمُ وأشدُّ خوفًا من الله [من] أنْ أوبّخكِ بمُخالفتي"(12). فكانتْ شهادتُه لها نقطةً جوهريةً في تمييزِ شخصيتِها، وعدِّها مثلًا تقتدي به النساءُ على مرِّ العصورِ وصولًا إلى عصرِ الظهور. كما جاهدتْ في سبيلِ الحفاظِ على الدينِ وإحيائه؛ حيثُ زرعتْ في أبنائها روحَ الجهاد، فالحسنانِ جهادُهما معروفٌ، وابنتُها زينبُ جهادُها لا يُنكرُه عاقلٌ. وأجيالُ النساء بها اقتدين بها تربيةً وسلوكًا. وكما أنّها جاهدتْ في تربيةِ ذُريتِها على احترامِ العلماء، وضرورةِ مُجالستِهم، والانتفاعِ منهم، واستثمارِ الوقت؛ حيثُ تروي بعضُ المصادرِ عنها "أنّها (عليها السلام) لم تكتفِ بالعلومِ التي كانَ رسولُ اللهِ محمدٌ (صلى الله عليه وآله) يُنيرُها بها، بل كانتْ تُرسِلُ الحسنَ والحسينَ (عليهما السلام) إلى مجلسِ جدِّهما (صلى الله عليه وآله) ثم تستنطقُهما بعدَ عودتِهما عمّا سمعا"(13). وهذا دليلٌ على جهادِها المعرفي بالحِرصِ على عدمِ فواتِها حكمةً من حِكَمِ رسولِ الله، محمدٍ (صلى الله عليه وآله), وجهادِها الأسريّ بالحِرصِ على تربيةِ ولديها على كسبِ العلمِ ونشره. الفرع الثاني: كيفيةُ تمهيدِ الزهراء (عليها السلام) للظهور يُتبَعُ إنْ شاء الله (تعالى)... ____________________ (3) الأحزاب: 33. (4) الأمالي: للشيخ الطوسي, ص 368, ح34. (5) لسان العرب: لابن منظور, ج3, ص411. (6) المدثر: 11-14. (7) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج44, ص232, ح17. (*)عن هشام بن - سالم قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. [قال:] قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما السلام", كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق, ج1, ب40, ص444, ح9. (8) نهج البلاغة:40, خ1. (9) اعلام الهداية: للشيخ باقر شريف القرشي, ص207. (10) المصدر نفسه, ص36. (11) راجع تاريخ الطبري: لمحمد الطبري, ج1, ص426. (12) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج43, ص318, ح20. (13) أعلام الهداية: للشيخ القرشي, ص35.

اخرى
 منذ شهر
 
 107

تنميةٌ في السلوك/ الأوهامُ والعاداتُ والخوفُ وأسباب التخلف

أ.د. سعيد غني نوري ذهب فلاحٌ إلى جاره يطلب منه حبلاً لكي يربط حماره أمام البيت، أجابه الجار بأنَّه لا يملك حبلًا، ولكن قدّم له نصيحةً وقال: ــ يُمكِنُك أن تقوم بنفس الحركات حول عنق الحمار وتتظاهر بأنَّك تربطه ولن يبرح مكانه! عمل الفلاح بنصيحة الجار، وفي صباح الغد وجد الفلاح حماره في مكانه تمامًا! ربت الفلاح على حماره، وأراد الذهاب به إلى الحقل، ولكن الحمار رفض التزحزح من مكانه! حاول الرجل بكلِّ قوته أنْ يُحرِّك الحمار ولكن دون جدوى، حتى أصاب الفلاح اليأس من تحرك الحمار، فعاد الفلاح إلى الجار يطلب النصيحة، فسأله الجار: ــ هل تظاهرتَ للحمار بأنَّك تحلُّ رباطه؟ ــ ولكن ليس هناك رباط! ــ هذا بالنسبةِ لك، أما بالنسبة للحمار فالحبل لا زال موجودًا! عاد الرجل وتظاهر أمام الحمار بأنَّه يفكُّ الحبل وينزعه من حول عنقه، فتحرك الحمار معه دون أدنى مقاومة! *لا تسخر من هذا الحمار، فالناس أيضًا قد يكونون أسرى لعاداتٍ أو لقناعاتٍ وهمية تُقيّدُهم، وما عليهم إلا أنْ يكتشفوا الحبل الخفي الذي يلتفُّ حول (عقولهم) ويمنعهم من التقدم إلى الأمام *أيُّ أمةٍ تورّثُ أجيالها الحديث عن الضعف والتخلف والخوف والفقر ستبقى متأخرة، حتى تفكَّ حبلها الوهمي، وحينئذٍ فقط تستطيع أنْ تنهض وتمضي من جديد.

اخرى
 منذ 10 أشهر
 
 340

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
 منذ سنتين
 78954

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
 منذ سنتين
 44731

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
 منذ سنتين
 40485

أقوال كاذبة النسبة

انتشرت بين الناس في برامج التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الالكترونية الكثير من المقولات المنسوبة للإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام )، وهي روايات كاذبة ومنسوبة ولا يوجد لها دلالة في الكتب الحديثية. ومنها هذه المقولة: - [يقول علي بن ابي طالب عليه السلام : كنت اطلب الشيء من الله ... فإن اعطاني اياه كنت افرح مره واحده . وإن لم يعطيني اياه كنت افرح عشر مرات . لأن الاولي هي اختياري ، أما الثانية هي اختيار الله عز وجل ] هذه المقولة كذب لا أصل لها ولا دلالة. فلم أجد لها سنداً في الكتب الحديثية أبداً. اما من حيث المعنى فهي مخالفة للقرآن وللاحاديث النبوية وروايات اهل البيت عليهم السلام، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء وضمن الاستجابة حتى ولو بعد حين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ). - روي عن رسول الله( صلى الله عليه وآله) أنه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم ، والجأوا إليه في ملماتكم ، وتضرعوا إليه ، وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب؛ فإما أن يعجله له في الدنيا ، أو يؤجل له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا؛ ما لم يدع بماثم» (١) . تأملوا : (افزعوا إلى الله في حوائجكم) ، (والجأوا إليه في ملماتكم) ، (وتضرعوا إليه). إنما يستعين الانسان على قضاء حوائجه الدنيوية والاخروية بالدعاء والابتهال والتضرع الى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان المؤمن يفرح بعدم اعطائه حاجته فلماذا يفزع وأي مؤمن علي بن ابي طالب( عليه السلام )الذي لا يطلب حاجة للدنيا . - عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : «اكثروا من أن تدعو الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة» (٢). إن الله يشتاق إلى دعاء عبده ، فإذا أقبل العبد بالدعاء على الله أحبه الله ، وإذا اعرض العبد عن الله كرهه الله. عن معاوية بن وهب عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : «يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من اعطي الدعاء اعطي الاجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التوكل اعطي الكفاية ؛ فان الله تعالي يقول في كتابه : (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه). ويقول : (لئن شكرتم لأزيدنكم). ويقول : (ادعوني استجب لكم)(٣). إن بين الدعاء والاستجابة علاقة متبادلة ، وأي علاقة أفضل من أن يقبل العبد على ربه بالحاجة والطلب والسؤال ، ويقبل الله تعالى على عبده بالإجابة ويخصه بها؟ قد يؤجل الله تعالى إجابة دعاء عبده المؤمن ليطول وقوفه بين يديه، ويطول إقباله عليه وتضرعه إليه ... فإن الله يحب أن يسمع تضرع عبده ، ويشتاق إلى دعائه ومناجاته. وفي الختام نقول: الأسلوب لا يخلو من الركاكة ، و من يعرف بلاغة وفصاحة الإمام علي بن ابي طالب( عليه السلام ) يعرف أنه لم يقل هذا الكلام. فلا يجوز نشر مثل هذه المقولات المنسوبة بين المسلمين إلا لبيان أنها كلام مكذوب وموضوع ومنسوب للإمام ( عليه السلام ). لأن ديننا ومذهبنا علمنا أن نتحقق ونبحث في صحة وسند الرواية قبل نقلها . ---------------------------- (١)- بحار الانوار ٩٣ : ٢. ٣. (٢)- وسائل الشيعة ٤ : ١٠٨٦ ، ح ٨٦١٦. (٣)-خصال الصدوق ١ : ٥٠ ، المحاسن للبرقي ٣ ، الكافي : ٦ في ١١ : ٤ من جهاد النفس. حنان الزيرجاوي ينشر 3

اخرى
 منذ سنتين
 37200

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
 منذ سنة
 35814

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
 منذ سنتين
 32876