لا يخفى على أحد أن الفلسطيني الذي صقلته الصعاب جوهرة حانية قد فاق جل أجناس الأرض اتصافا بالمناقب الجميلة والصفات الكريمة والأخلاق الرفيعة، إن لم يكن محط أنظار الناس في شدة البأس ورباطة الجأش ونبل الأخلاق؛ فلقد نصب الفلسطينيون أنفسهم قداة وهداة بفطرة فريدة مجبولة على الشهامة والمروءة ومحبة الآخر. ونظرًا لهذا فقد كان من الطبيعي أن ينهض الفلسطيني بمهمة الدفاع عن أقدس البقاع بروح الفارس والأب والأخ فقد كان ولا زال النذير النبيه البعيد النظر الذي يرصد الأخطار قبل أن تباغت أهله من الخليج إلى المحيط. وليس غريبًا على هذا الفارس المكافح الذي زهد بروحه في سبيل نصرة أقدس قضية أن يجود بمتاع الدنيا ساخرًا منه، فيلقيه في أكف الضعفاء آملًا لها أن تشتد وتقوى؛ وعلى وجوه الفقراء آملًا لها البسمة مستبشرًا بفضل الله الذي بارك هذا الوطن أن يفيض عليه بكرم عطائه جزاء رباطه على أرض امتزج ترابها بالعقيدة والقدسية وأهلها بشرف حمل عبء الدفاع عن شرف الأمة.
لقد أيقن الفلسطينيون من ذوي الفِطَر السليمة التي لم تُلوثها المصالح والأنانية، والعقول الحكيمة التي أمعنت النظر في معنى شراكة الحياة على أرض هذا الوطن؛ فاهتدت إلى تلك المعاني وصاغتها فعلًا يفيض خيرًا وحنوًا وشعورًا أن البذل والعطاء هو رسالة الأنبياء وسبيل النبلاء الذين تعالوا على الأنانية الضيقة والنزوع نحو الفردية والارتماء في أحضان المصالح الشخصية المقيتة وآمنوا أن الوحدة طريق العودة . وحدة في المصير والمشاعر بين شعب استهم على سفينة من سقط منها فقد أجل النصر؛ ومن نجا فقد نما سندًا مدافعًا يدير عقارب الساعة نحو ساعة الصفر للخلاص من المحتل البغيض؛ لهذا فقد هب المعطاؤون من الشباب الفلسطني بنفوس طيبة ملؤها المحبة والحنو نحو نجدة إخوانهم ممن لا حول لهم ولا قوة من السقوط في مستنقع الفقر والضعف فاقتسموا لقمة العيش معهم مؤثرين على أنفسهم؛ إذ علموا أن سبيل التضحية بالمال والروح هو الأعمق تأثيرا في الوجدان وامتزاجًا في النفوس، وهو أقربها إلى التعبير عن صدق الانتماء وأوفاها بحقوق المواطنة. وقد نسج اللسان الفلسطيني العديد من الأقوال المؤثرة التي سيقت في سبيل استجلاب المشاعر المساندة للغير ممن أصابتهم مصيبة عظيمة.
فالمروءة في نفس الفلسطيني تجمع المحاسن كلّها؛ تجدها في كرم كفه، وعزة نفسه، ورعايته جاره، وفي إيثاره العجيب، وشجاعته الفائقة ونجدته المضطر. في زهده حتى بروحه وقناعته بقليل رزقه، يجود بالغالي والنفيس ليحافظ على طهارة قومه من دنس العبودية للغزاة والاستسلام لقهر الرجال؛ فلا حول له على احتمال الضيم، ولا صبر لديه على رؤية دموع الثكالى والأرامل والمستضعفين؛ ولا يستمرئ النوم وجاره جائع فيسارع إلى نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف غير منتظر جزاء إلا من الله، متمثلًا قول رسول الرحمة: (أحب الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة).
ومن الأقوال الشعبية الفلسطينية التي قيلت في الحض على التعاون والتكاتف والعطاء:
“أجره ولا هجره” أي أن التصدق بالأشياء وكسب أجرها أفضل من رميها. و”أربعة شالوا الجمل؛ والجمل ما شالهم" أي أن السبيل الوحيد لإنجاز الأعباء الكبيرة هو الوحدة. وهو قول قد يُساقْ للحض على التعاون، لتوزيع العبء على جميع أفراد الجماعة. كما يساق أحجية إجابتها "القلم".
و”اظعيفين قتلوا قوي” أي أن المرء الضعيف قد يستطيع قهر القوي إذا وجد مساعدة من شخص آخر.
و”اعمل الخير وارميه في بحر جاري؛ إن ضاع عند العبد بظعش عن الرب الباري” وهو قول قد يُساقْ للحث على عمل الخير وعدم انتظار المقابل.
و”اعمل خير بتلاقي خير” وهو قول قد يُساقْ للحث على عمل الخير طلبًا للجزاء الحسن من الله تعالى.
و”البركة في الكُثْرَة"ْ أي أن كثرة عدد الأشخاص الذين يشاركون في إنجاز العمل يقود إلى سرعة إنجازه.
و“الحمل إن مال على واحد قتله” أي يجب تقسيم التكاليف والجهود على كل أفراد المجموعة كي يستطيع كل منهم القيام بواجبه الموكول إليه؛ وعدم إلقاء العبء على فئة قليلة أو شخص واحد.
و”الحمل، إذا تْفرَّقْ، بِنْشال” أي أن الاتحاد كفيل بإنجاز الأمر.
و”الدم ما بصير مَيِّة" أي أن صلة القرابة تحث الأقارب على مساعدة بعضهم.
و”الذهب بحتاج التبن يتغطى فيه” أي أن المرء بحاجة إلى كل الغير مهما كانوا صغيري الشأن؛ فعليه أن يحسن إليهم.
و”الذهب بحتاج نخالته" أي أن الأغنياء لا بد أن تمر عليهم مواقف يحتاجون فيه الضعفاء؛ لذا عليهم أن يعاملوهم باحترام.
و”الشاة إن طلعت من بين ولايفها، بوكلها الذيب" أي أن من يتخلى عن أقاربه في شدائدهم فإنه سيعرض نفسه لاعتداء الآخرين.
و”الظُفر ما بطلع من اللحم أي أن مشاعر الحمية عند الأقارب تثور عند المحن والشدائد، رغم الخلافات.و“الكُثْرَة ابتغلب الشجاعة” وهو قول قد يُساقْ للحض على الاتحاد في التصدي للظلم.
و”إللّي بشلح ثوبه ببرُد” أي أن من يتخلى عن أصله وأقاربه فإنه يعرض نفسه للمتاعب ولاعتداء الآخرين.
و“اللي بعرفش يرقص يهزّ اكمامُه” وهو قول يدعو إلى المشاركة وبذل الجهد قدر المستطاع .
و”إللّي بِفرِج للناس الله بفرِجله” أي أن الله-تعالى شأنه-يزيل هموم من يغيث الملهوف.
و”إللّي سنَدُه خَيُّه، ما ذَل” وهو قول قد يُساقْ للحض على الوحدة ومتانة العلاقة بين الإخوة.
و”إللّي مالش ظهر، بشبع ظَرِبْ على بطنه” أي أن من ليس له أنصار يعتدى عليه.
و”أخوي يا لافي ياللي ظهري فيك دافي” وهو قول يُساقْ لطلب النجدة من الإخوة.
و”إيد على إيد بتعين” أي أن التعاون والتكاتف فيه القوة.
و”ايد على ايد رحمة” أي أن التعاون والتكاتف في مساعدة الآخرين يخفف العبء عنهم.
و“إيد على إيد، ابترمي لبعيد” أي أن الاتحاد كفيل بإنجاز الأمور بصورة عظيمة.
و”إيد لحالها ما بتصفقش" أي أن الإنسان بلا عون لا يستطيع أن ينجز ما يريد؛ وهو قول قد يُساقْ للحض على التعاون.
و”إن اطعمت اشبع؛ وإن ظربت أوجِع” وهو قول يدعو إلى بذل الجهد في إكرام الناس.
و“رزق العباد على العباد ورزق الكل على رب العباد” أي أن الله جعل الناس أسبابًا للرزق الذي أوجبه على نفسه تعالى. و”حط شمالك عشمالي، خلي البركة ملتمة” قول يسوقه الحصادون لشحذ هممهم والعمل بجد.
و"نفس الرجال بحيي الرجال" وهو قول يساق للحض على التعاون والتكاتف. و”قالوا لعنتر ابتضرب ألف؟ قال: بضرب ألف إذا وراي ألف" وهو قول قد يُساقْ لضرورة توحيد الجهود. و”ظعيفين غلبوا قوي” أي أن في الوحدة القوة والمنعة.
و”ما بغطّي عالعين غير جفونها" أي أن الأقارب فقط هم من يؤمل مساعدتهم عند الشدائد والأخطار. و”مال الدنيا، في الدنيا” أي لا داعي للطمع والبخل. و"رغيف في رغيف ولا يبات جارك جعان" وهو قول يدعو إلى التعاون وإقراض الجار ولو بأقل الأشياء قيمة.
وقد أثنت الكثير من الأقوال الشعبية على أهل المروءة والشهامة الذين يسارعون لنجدة المحتاجين بجهودهم وأموالهم، ومن هذه الأقوال: “فلان نَظَرُه عالي” أي أنه شهم يقدم ما عليه من واجب والتزامات، ويقدر الآخرين ويحسن إليهم ولا يجرحهم. و”امشي مع إِلِجْواد، يِرْتاح خاطْرَك” وهو قول يدعو إلى مصاحبة الشجاع الشهم؛ وينهى عن مصاحبة الجبناء. و”بيت السبع ما بخلى من العظام” أي أن من يتصف بالشهامة والخير والعطاء لا بد وأن تجد عنده بغيتك. وهو قول قد يُساقْ لاستنهاض شهامة رجل ما عند طلب شيء منه وللثناء على من لا يعدم الخير في بيته؛ ولا يرد من يطلب الإحسان، خائبًا. و”دار الكرام ما بتخلى من العظام” أي أن من يتصف بالشهامة والخير والعطاء لا بد وأن تجد عنده بغيتك. وهو قول قد يُساقْ لاستنهاض شهامة رجل ما عند طلب شيء منه وللثناء على من لا يعدم الخير في بيته؛ ولا يرد من يطلب الإحسان، خائبًا. و”رافق السبع ولو بوكلك”وهو قول يحض مصاحبة الشجاع ذي الشهامة، مهما كانت عشرته قاسية؛ وينهى عن مصاحبة الجبناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق