JiL.Center | Home
الثابت والمتحول في الأمثال الشعبية الجزائرية The variable and the invariable in the Algerian popular proverb
الثابت والمتحول في الأمثال الشعبية الجزائرية
The variable and the invariable in the Algerian popular proverb
د. فطيمة ديلمي/D. Fatima Dilmi ، أستاذة بحث أ/A grade Research Master
المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ / الجزائر
National Center for Prehistoric, Anthropological and Historical Research/Algeria
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 54 الصفحة 141.
الملخص:لقد أثبتت الدراسات الأنثربولوجية المعاصرة أنّه لا يمكن إطلاقا الاطمئنان إلى فكرة ثبات الثقافة المروية عموما والأمثال خصوصا، وأنها قد انتقلت عبر أجيال دون أن تعتريها تغييرات فسمة التّغير هي صفة أساسية للعناصر التي تتكون منها الثقافات، و التغييرات التي تصيب المثل تعود إلى شفويته، وتتمثل في تغييرات شكلية أهمها الحذف الذي استرعى انتباهنا . إذن الثقافة الشعبية والمثل خصوصا هو عرضة للتغيير بفعل شفويته ، وهذا التغيير درجات في المثل، ويصيب الجانب اللفظي والجانب المعنوي ولكنه يبقى تغييرا نسبيا.
الكلمات المفتاحية: المثل، الشعبي، الجزائري، ثبات، تحول.
Abstract:
Contemporary anthropological studies have shown that the idea of the invariability of oral culture in general and proverbs in particular can no longer be guaranteed, and that it has been transmitted from generation to generation without being affected by change. Change is a fundamental characteristic of the constituent elements of cultures. The changes that occur in proverbs are due to their orality and they are formal, especially suppression which caught our attention. Therefore, popular culture and proverbs, in particular, are subject to change because of their orality, and this change affects mostly the verbal aspects, but remains relative.
key words: proverb, popular, Algerian, variability, invariability
مقـــدمة
لقد أثبتت الدراسات الفكرية والأنثربولوجية المعاصرة بأنّ جميع الثقافات ـ خاصة منها الشعبية ـ قد أسهمت في بناء الإنسان، وأنّ كلّ ثقافة رفدت ـ من زاويتها ـ الحضارة الإنسانية، وإذا كانت الثّقافة ظاهرة كونية فإنّ تجلياتها في الزّمان وفي المكان قد تختلف، فكلّ شعب، بحكم موقعه الطبيعي، وبحكم زمانه ينشىء ثقافة تسهّل عيشه.
كما صار من المتعارف عليه أيضا، أنّ ثقافة مجتمع ما من المجتمعات، تعكس بصورة دقيقة حقيقة قدراته مثلما تعكس احتياجاته أيضا، ولذلك فإنّ لكلّ مجتمع من المجتمعات الإنسانية أنماطه الثّقافية وقيمه الخاصّة به، والمتميّزة عن غيرها من ثقافات المجتمعات الأخرى، فإذا كانت المعارف والفنون قاسما حضاريّا مشتركا منبعها الإنسان، فإنّ ” الثقافة تلخص تجربة المجتمع، ووعيه بذاته ومحيطه”[1] .
إنّه باستثناء المعارف العلميّة الصّرفة، فإنّ بقيّة النّتاجات البشرية تتّخذ مظاهر متعدّدة تميّزها تبعا لظروف ولادتها وتطوّرها، وهي تميل إلى التّعبير عن سمات الفرد، وخصائص الفئة التي أبدعتها لأسباب مختلفة تكمن في طبيعتها، فالفنون والآداب تستجيب لمتطلّبات الحاجات العاطفيّة والعقليّة، أو بعبارة أخرى تستجيب لاهتمامات الجماعة والأفراد في نطاق المجتمع المعيّن.
ولقد أثبتت الدراسات الأنثربولوجية المعاصرة أنه لا يمكن إطلاقا الاطمئنان إلى فكرة ثبات الثقافة المروية خاصة، وأنها قد انتقلت عبر أجيال دون أن تعتريها تغييرات، فلقد أكد الباحث الأنثروبولوجي هورسكوفيتس[2] (Herskovits) أنّه “لا توجد ثقافة حيّة تظلّ ثابتة، فلا قلّة الأفراد، ولا العزلة، ولا بساطة العتاد التكنولوجي يثير الثبات التام في حياة شعب”[3]، فالتطور هو قانون من قوانين الثقافة – وما التعدد والتنوع إلا مظهر من مظاهره ولكن لهذا التطور صفتان:
- التغير السريع الذي يمكن ملاحظة آثاره على المدى القصير والذي يصيب المظاهر المادية خاصة.
- التغيير البطيء الذي لا يمكن ملاحظة آثاره إلا على المدى البعيد وهو يصيب الجوانب المعنوية والروحية.
وما يصيب الثقافة اللامادية من تغيير هو من النوع الثاني، فالحكايات والأشعار والأمثال تملك قداسة كونها حامية القيم والهوية وقناة تمريرها.
إنّ الثقافات حتّى أبسطها هي في حالة تغير مستمر، وسمة التّغير هي صفة أساسية للعناصر التي تتكون منها الثقافات، إذ صار من غير المقبول اليوم افتراض ثبات الثّقافة، فكل ثقافة تخضع لمفعول التاريخ، بفعل آليات داخلية أو خارجية تحركها وتدفعها للتكيف مع المستجدات، لهذا نسعى لقياس هذا التغير في مستوى أحد مظاهر الموروث الثقافي الشعبي وهو الأمثال، فما مدى ثبات أو تغير الأمثال الشعبية؟
تعريف المثل الشعبي:
يعد المثل الشعبي أكثر الأنواع الأدبية الشعبية انتشارا، لأنه يتداول ويستعمل بين فئات اجتماعية مختلفة، فهو “يعد…من أهم فنون التعبير الشائعة بين الناس والمتناقلة بين أفراد المجتمع في العصر الواحد وعبر العصور المتعاقبة “[4] وتكمن أهميته في كونه الوسيلة التعبيرية الأكثر تداولا بين الناس، وبالتالي هو أداة تصف الواقـع الاجتماعي في مراحله المتعاقبة ، وبهذا تعد الأمثال الشعبية إحدى أشكال الأدب الشعبي المتميزة عن باقي الأشكال الأخرى، فهي تحمل في طياتها مضامين اجتماعية وثقافية تعكس تجارب المجتمع “وتعد الأمثال الشعبية من أبرز عناصر هذه الثقافة، لأنها تمثل حجر الزاوية في معرفة الشعوب، ولا شك أنّ الدراسة الحقيقة للمجتمع لا تبدأ إلا من دراسة ما يمكن أن نسميه الفلسفة السائرة، أو اليومية في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، أو تلك الأفكار الجارية في التعامل اليومي، وهذه الأمثال هي الصورة البكر أو العذراء لطبيعة الناس وتصوراتهم ومعتقداتهم وتناقضاتهم، ودليل صادق على طبيعة الشخصية …بسلبياتها وإيجابياتها”[5].
ويعرف محمد بن شنب الأمثال في مقدمة مدونته قائلا ” هي حكمة الأمم والمعبر عن طبعها، وعن أخلاقها، وعاداتها، و إن حدث أحيانا أن كانت سيرتها مناقضة لأقوالها. هي صيغ موجزة تعتمد على دقة الملاحظة “[6]
إذا كانت الأمثال مظهرا من مظاهر الثقافة الشفوية فهل يعني ذلك أنها متغيرة أم أنها ثابتة ؟ وما درجة ثباتها أو تغيرها؟ وما مظاهر كل ذلك؟
الأمثال الشعبية بين الثبات والتحول:
- الثبات في المثل:
ثمة من يرى أن الثبات خاصية ضرورية للمثل وهذا الرأي نجد فيه اختلافا وذلك في تفسير هذا الثبات، فثمة من الدارسين من يرى أنّ لفظ المثل ثابت لا يتغير بتغير نوع المخاطَب وعدده فـــــــــــ ” خصائص الأمثال …قد اجتمع القدماء على بضع سمات أساسية لابد أن تتوفر …عليها…وأبرز هذه الخصائص …ثبات صيغة الأمثال وعدم تبدّلها بتبدّل المخاطَب…أو تغيرها عما وقعت في الأصل عليه ، ولعل أصل المثل الشفوي هو الدافع لأخذه كما هو ، إضافة إلى التعامل معه بوصفه مسكوكة لفظية تتداول كما هي” [7]
وهذا الرأي هو الذي يذهب إليه عباس الجراري حينما يعرف الأمثال الشعبیة قائلا ” لفظ قوامه المادة المنطوقة، أي الكلمة، وهي أیضا نتاج شعبي مطبوع ببساطة وسهولة التلقي والتلقین إلى المستمع لیعیده ویكرره، إنها جزء لا یتجزأ من الأدب الشعبي الذي یستوحي من الشعب في مختلف طبقاته، ویفیض بروحه، ویعبر عن ذوقه ومشاعره، ویصور عقلیته ومستوى حیاته، ویمیز شخصیته وثقافته، ولا فرق بین أن یكون مسجلا بالكتابة أو مرویا بالشفاه، صادرا عن فرد أو عن جماعة، ناشئا في قریة أو مدینة .”[8] فدور الراوي بالنسبة إليه هو مجرد التكرار.
وثمة من يقول أنّ الاستعمال يؤدي إلى الدوام وثبات الأمثال لفظا ومعنى عبر الزمن كرأي نعوم شقیر الذي يقول في مقدمة كتابه ” فللأمثال حالات خاصة، ومقامات مشهورة تظهر بها، فإذا عرضت الحالة وناسب المقام أخرجها أهل النظر والخبرة بما راع من اللفظ، وبدر من المعنى، فتبرز في الكلام ممتازة عنه في تناولها الجمهور ويتداولها في حالاتها ثم تنتشر، وتدوم بالاستعمال”[9] .
وثمة من يرى أن الأمثال تعبر الأجيال وقد تمتد جذورها إلى آلاف السنين ومنه يرى شعلان إبراهيم أنّ “نصوص الأمثال لا تحمل إشارات عابرة…ولكنها تحمل أفكارا ومعتقدات وتوجيهات قد تمتد إلى آلاف السنين”[10]، إلا أننا نجد من يركز على جانب الشكل خاصة كرأي نبيلة إبراهيم الذي يعتبر ” المثل تركيبة مكتملة لا تقبل زيادة أو نقصانا” [11] فالمثل عندها متغير فقط في بداية تشكله ولكنه حينما يصير مثلا شعبيا فإنّه يكفّ عن التطور “فإذا مسّ المثل حسّ المستمعين له ، فهو حينئذ ينتشر بينهم ، وكأنه عبارةٌ ذات أجنحة، وعندئذ يتعرض المثل للتحوير والتهذيب حتى يوضع في قالبه بوصفه مثلا شعبيا.”[12]
وتعيد وتؤكد نبيلة إبراهيم أن ” المثل يتحوّر حتى يتخذ شكلا محددا فينتقل بذلك من الملكية الخاصة إلى الملكية العامة. أما كيف وأين يحدث ذلك، فهذا هو الأمر الذي سيظل مجهولا . فإذا قلنا كل مثل لابد أنّه نطق به في مكان وزمان ما، فإننا نستطيع أن نقول كذلك أنّ المثل الذي أصبح له شكل لغوي ثابت، لا بد أنّه نطق به كذلك في زمان ما ومكان ما. ” [13]
ثمة اعتقاد إذن سائد بثبات المثل وليس المثل فحسب بل الأدب الشعبي عامة فـــ”من المفترض أنّ الأدب الشفوي يستند بالأحرى إلى مبدأ ثبات النصوص ولكن في الواقع الأداء يفرض التغيير”[14] وأن هذا الثبات هو خاصية من خصائص المثل الشعبي وهذا لا ننكره ويظهر من خلال الجانب الإيقاعي فـــــــــ” الوزن والإيقاع في المثل من شأنه أن يصنع الشكل اللغوي المقفل، فما إن تنتهي العبارتان المتحدتان على وجه التقريب في الوزن والإيقاع حتى ينتهي المثل” [15]كما في الأمثال التالية:
- اللي ما عندو أمّو يدير حجرة في فمّو ( من لا أم له يضع حجرا في فمه بمعنى أن يتوقف عن الشكوى)
- في عرسك يا اليتيمة غاب القمر من المدينة ( في فرح اليتيمة غاب القمر)
ج. مسمار جحا ما يتسمر ما يتنحى( في هذا المثل تشبيه بمسمار جحا الذي هو باق لا يُدق ولا يُنزع)
- تغير المثل:
إلا أنّ هذا الثبات نسبي فالأمثال مثلها مثل كل أشكال الثقافة الشفوية تملك إمكانية التطور والتغيّر لأننا نجد “فيها خلاصة الخبرة وأنماط الوعي المشترك والمعرفة المبكرة، فضلا عما تعكسه من تطور الوعي… وتحولات المجتمع…، فالأجيال تتناقل الأمثال وتتوارثها، لكنها في ذلك كله تخضعها ـ بوعي أو بلا وعي ـ إلى قليل أو كثير من التحويرات والتغييرات من حقبة إلى أخرى، إضافة إلى ما يستجد من أمثال تبدعها الذاكرة الجمعية في كل عصر جديد ، وهذا ربما يعلل تعدد صور المثل الواحد وتجددها من حين إلى آخر”[16]
إنّ نصوص الأدب الشفوي تختلف من حيث قداستها وهي لذلك تتعرض للتغيير بأشكال مختلفة فـ” النصوص المقدسة وبسبب طابعها الطقوسي تنحو باتجاه الحد من التغيرات …أما النصوص…الأقل تقييدا…فإنها تنفتح على تغييرات كبيرة…ونجد ضمن هذه الفئة مثلا الحكايات، الأساطير…” [17]وهذا التغيير الذي يصيب الأدب الشفوي لا يمس جانبا دون آخر لذا لا يمكن اعتباره اعتباطيا فـ” هذا التغيير الذي يصيب الشكل والمحتوى على حد سواء لا يمكن اعتباره غير وظيفي سواء أكان جماليا أم إيديولوجيا…” [18]
نقول إذن أن الأمثال متغيرة دون أن يعني ذلك إمكانية الموازاة بينها وبين الكلام العادي الحر ، وهذا التغيير الذي ينتج عنه ظهور عدة روايات للمثل الواحد يحدث بشكل تزامني وليس فقط بشكل تعاقبي ويثبت ذلك أنّ ثبات المثل مسألة جد نسبية، هذه الروايات لا تحافظ على الشكل العام للمثل الأصل، إن كانت ثمة إمكانية لتحديد النص الأصل”إحدى صعوبات البحث حول التغيير هو تحديد النص المرجعي أو الأصل الذي لا يمكن تحديده في أغلب الحالات لأن… المنتوجات الشفوية ليست غالبا ثابتة ماديا.”[19]
مظاهر تغير الأمثال الشعبية الجزائرية
هذه مجموعة بسيطة من الأمثال الشعبية:
- اللّي ضرباتو يدو ما توجعو(من ضربته يده عليه ألا يشكو من الألم)
- واش خصك يا العريان؟ البريم يا سي حسان(ما الذي ينقصك أيها العاري؟ خاتم سيدي حسان)
- المكسي برزق الناس عريان ( من يرتدي ملابس غيره فهو عار)
- الحمار حماري ونزيد الركبة من اللور (الحمار ملكي مع ذلك أركبه من الخلف)
- الحديث والمغزل (هذا المثل يقال لمن تقضي وقتها في الحديث فقط إذ ينبغي لها الجمع بين الكلام وغزل الصوف حتى لا يضيع وقتها سدى)
- الحوت ياكل الحوت وقليل الجهد يموت( هذا المثل يقال لمن يستقوي على غيره كالحوت الكبير يأكل الحوت الصغير حيث الموت هو مصير الضعيف )
- خلطها تصفى( هذا المثل يقال لمن استعسر عليه إيجاد حل لمشكلة ما بمعنى دعها تتأزم أكثر حتى تنفرج )
- ما يعجبك نوار الدفلة في الواد عامل الضلايل
و ما يعجبك زين الطفلة حتي تشوف الفعايل ( لا تُعجب بزهر نبتة الدفلة المرة على الرغم من جمالها وما تمنحه من ظلال كذلك لا تُعجب بجمال فتاة حتى تتمكن من رؤية أفعالها)
- تخالط العطار تنال الشموم، وتخالط الحداد تنال الحموم، وتخالط السلطان تنال الهموم (من خالط العطار نال العطر ومن خالط الحداد اتسخ ومن خالط السلاطين أصابه الهم)
تبرز هذه القائمة السابقة من الأمثال مدى تعدد صيغها حتى أنه لو أردنا تحديد خصائصها الشكلية لترتيبها وفق قوائم محددة ( جمل اسمية أو فعلية، أساليب خبرية أو إنشائية…) لوجدنا صعوبات جمة في ذلك إذ أنها لا تخضع لقالب لغوي واحد.
كما أنّ ما يهمّ حاملي الأمثال الشعبية ويشغل بالهم حين التلفظ بالأمثال هو الغاية منها ومن التلفظ بها وليس كيفية التلفظ بها، لذا غالبا ما نجدهم يحرصون على مراعاة ضرب الأمثال في المناسبات التي تشبه مواردها، من هنا يحدث لشكل الأمثال أثناء تداولها أن تتغير، ويمكن لهذا التغيّر أن يتخذ عدة أشكال، فلأغلب الأمثال روايات متعددة وهي مستعملة حتى أنّ الشخص الواحد قد يستعمل أكثر من رواية.
ولهذا التعدد صيغ كثيرة إذ يحدث استبدال لفظة بمرادفها أو ما يقوم مقامها، وهذا التغيير بمرادف حقيقي أو بما يقوم مقامه هو تبديل يصيب بداية المثل أو وسطه أو آخره، كما في صيغتي المثل الموالي الذي يقول إذا ضاع منك الحمار فاسأل المرأة الماكثة في البيت:
أ. إذا تبحّر لك الحمار سال المحجوبة في الدار
ب. إذا تبحر لك الحمار سقسي المحجوبة في الدار
إذ تم التغيير باستبدال فعل الأمر “سال” الذي يعنى “اسأل” بفعل أمر مرادف له هو “سقسي”
كما نجد هذا التغيير بمرادف أو بما يقوم مقامه في المثلين المواليين:
- جاء مع التالي ويقول يا مالي(وصل هو الأخير ويقول أن كل شيء ملكه)
ب . لحق هو التالي ويقول هذا مالي
نلاحظ في صيغتي المثل السابق استبدال فعل ماض(جاء) بآخر(لحق) يقاربه في المعنى
أ . اللي ضرباتو يدو ما توجعو(من ضربته يده لا ينبغي أن يشكو من الألم)
- اللي ضرباتو يدو ما يبكيش
كما نلاحظ في صيغتي المثل السابق استبدال فعل مضارع منفي(ما توجعو) بآخر(ما يبكيش) هو كناية عنه.
وفيما يتعلق بتغيير اللفظ بما يمكن أن يقوم مقامه نجد المثل الموالي، ففي صيغته الأولى يقول أن من كثر رفاقه بقي بلا رفيق، أما في صيغته الثانية فيقول أن من كثرة الرفاق يضيع أحسنهم
أ ـ كثیر الاصحاب یبقى بلا صاحب
ب ـ كثرة الاصحاب تودر خيارها
والتغيير بالمرادف لا يكون في الأفعال فحسب بل قد يتم في الأسماء كما في النموذج التالي الذي تم فيه تشبيه الوعد بالروح في الصيغة الأولى وبالرصاصة في الصيغة الثانية لأن كلاهما لا يمكن استرجاعه إذا انطلق:
.أ. الكلمة كي الروح إلا خرجت ما ترجعش
ب. الكلمة كي الرصاصة إلا خرجت ما ترجعش
تغيير ترتيب عناصر الجملة:
أ.يا قاتل الروح وين تروح؟ (تهديد لللقاتل بأنه لا مفر له)
ب. وين تروح يا قاتل الروح ؟
أ. يا لاتي بهم الناس همك يا مشوم أكداس ( لوم الشخص الذي يترك مشاغله ليهتم بأمور الآخرين)
ب.همك يا مشوم أكداس يا لاتي بهم الناس
أ.البلاء إلا جاك من جناحك قصو(إذا كان سبب همك قريب منك فتخلص منه)
ب. إلا جاك البلاء من جناحك قصو
اختلافات تركيبية
يقوم المتلفظون بالأمثال بإجراء تغييرات تركيبية حسب أهوائهم الخاصة حيث يمكن لهم التلفظ بمثل واحد بطرق مختلفة بتغيير الأسلوب من خبري إلى إنشائي أو من إنشائي إلى آخر كما في الأمثال الآتية:
أ .جملة مثبتة :خسارة السواك في عوجة لحناك( لا نفع للسواك في صاحبة الخد المعوج)
ب .جملة منفية: ما خصك غير السواك يا معوجة الحناك ( لا ينقصك سوى السواك يا من خدها أعوج)
ج. جملة استفهامية: منين جاك السواك يا معوجة الحناك؟ (من أين لك بالسوال يا ذات الخد الأعوج؟)
خصك السواك ياعوجة لحناك؟( ينقصك السواك ياذات الخد الأعوج؟)
جملة أمرية دير روحك مهبول تشبع الكسور(تظاهر بالجنون لتشبع الخبز)
جملة مثبتة اللي يرد روحو مهبول يشبع الكسور(من تظاهر بالجنون شبع خبزا)
اجتماع شكلين من أشكال التغيير أو أكثر: كما يبدو لنا من خلال المثالين التاليين:
- أسمع للكلام اللي يبكيك ومتسمعش للكلام اللي يضحكك( أنصت للكلام الذي يبكيك ولا تنصت للكلام الذي يضحكك)
ب. خود الراي اللي يبكيك اللي يضحكك يضحك عليك( إعمل بالرأي الذي يبكيك لأن الذي يضحكك يسخر منك)
أ. يرحم من زار وخفف( رحم الله من زار وكان خفيفا)
ب. يا سعد اللي زار وخف (يا له من محظوظ من زار وكان خفيفا)
ج. زور وخفف(زر وكن خفيفا)
كما نلاحظ إذن فإنّ المثل هو جملة مستقلة بالتأكيد ، ولكنها تكون جزءا من الخطاب. لذلك، معظم التغييرات التي تؤثر على الأمثال هدفها عادة هو تضمين المثل بشكل أكثر مرونة في الكلام وهي تتعلق بشكلها ففي” في مستوى الملفوظ المتغيرات الملحوظة هي أساسا أسلوبية.”[20]
وهذه التغييرات تعود إلى شفوية المثل، فإن من أهم خصائص المثل الشعبي أنه شفوي وذلك يعني ـ من بين ما يعنيه ـ أنه ينتقل بين الناس مشافهة، وما يميز النص الشفوي عن المكتوب هو سرعة الزوال، فالمكتوب جاهز في كل وقت للعودة إليه للتأكد من معلومة فيه، إلا أن الشفوي لا يتيح ذلك ، لذلك فإنّ المثل الشعبي عامة يمثل تاريخا من التغير الدائم لأنه يقوم على الرواية الشفوية، وبالتالي فإن درجة براعة الراوية، فضلا عن المؤثرات المادية والاجتماعية، تمارس دورا مهما في تطور هذا التقليد الشفوي. وهناك بعد ذلك المتلقي لهذا التقليد الشفوي الذي تكون له عادة اهتماماته وحاجاته وظروفه التي تحفز بوجه أو بآخر عملية إنتاج المثل الشعبي في أي مجتمع من المجتمعات.
لذا فإن الأداء الشفوي حتى يضمن استمراريته نجده يستند إلى كل من :
1.الحفظ :إن أهم سؤال نطرحه حين الحديث عن الحفظ متعلق بمدى انتشار الأمثال وترديدها لأن ذلك يعني تعلق الناس بها، وبالتالي فإن الحفظ يعد استراتيجية جد مهمة و” تقنيات الحفظ تختلف حسب الأنواع الأدبية وحسب درجة الوفاء المطلوبة وحسب طول النصوص وأيضا حسب وضع المتكلم إن كان محترفا أم لا. يتطلب الحفظ …التركيز على الدال كما في حالة المثل أو أنواع أخرى مقتضبة. “[21]
إذن الحفظ يقوم على التذكر والاستعمال المتكرر”النص الشفاهي يختلف عن النص المكتوب من عدة جوانب منها أن النص الشفاهي …غير ثابت وهو يقبل التغيير والتبديل والتطوير… النص الشفاهي يخضع لقوانين الذاكرة وهي تختلف من شخص إلى آخر ومن مكان إلى آخر ويخضع أيضا للمدة ما بين السماع والاسترجاع، ومن هنا يحدث الحذف والنسيان بمعنى الحذف لما فقد أهميته والنسيان …ثم هناك أيضا عنصر الإضافة والإحلال …وهذه الآفات يمكن أن تفسر اختلاف نصوص الأمثال عن بعضها بكلمة أو فقرة بالإضافة أو الإحلال أو النسيان.” [22]
خاصة أنّ العادات تعلي من شأن حافظ المثل، وبما أن التوصيل الشفوي هو الشكل الوحيد لنشر الأمثال في المجتمعات الشفوية فالأمثال المحفوظة في الذاكرة لا وجود لها إلا إذا قيلت وهذا يجعلها عرضة للتغيير بسبب ضعف الذاكرة البشرية .
2.الارتجال وهو ممارسة ملازمة لكل نشاط لغوي شفوي سواء أتعلق الأمر بالأدب والفن الرسميين كالمسرح أم بالأدب الشعبي كالحكاية ، فقد تواجه المتكلم أمور غير متوقعة لذا يضطر لأن يبدع دون سابق تحضير ما يلائم الموقف وفي حالة المثل فإنّ الارتجال قد يتم إما لضعف الذاكرة أو لملاءمة الموقف و”هذه الضرورة الدائمة لإعادة الإنتاج، واستمرارية فردانية الخطاب الشفوي تملك تأثيرات على مسار إبداع هذا الخطاب نفسه…لم يعد عملَ مبدعه الأصلي الذي تلفظ به أول مرة فحسب بل صار عملا جماعيا شارك فيه ـ شعوريا أو لا شعوريا ـ كل من أبدعوه من جديد في إطار تأويل جديد بتغييره بشكل غير محسوس عبر الأجيال. هذا ما يجعل الأعمال الأدبية الشفوية تكون في الغالب مجهولة المؤلف. حينما يقولها مبدعها لأول مرة لا تتعين كعمل أدبي من طرف الجمهور الذي يتلقاها حتى تصير عملا أدبيا لا بد من تكرارها عدة مرات بتجديد صياغتها بشكل متتالي وفق أفق انتظار الجماعة المعرّض للتطور هو الآخر مع الوقت.”[23]
وذلك يعني أنه ليس ثمة إدراك حقيقي لمعنى الشفوية، التي لا تعني أبدا التوصيل المتسم بالتقليد الحرفي لأن هذا الإدراك هو أسطوري لا أساس له في الواقع ” على الرغم من الاستراتيجيات المعمول بها في المجتمعات ذات الثقافة الشفوية للتحكم في توصيل التراث الذي يعتبرونه ثابتا اعتمادا على تصور بالضرورة تزامني، يبدو واضحا أنّ النموذج المتسم بالتقليد الذي يطلبونه هو في الحقيقة تصور أسطوري لكيفية اشتغال الشفوية . فعلا فكما تبرزه كثير من الدراسات فإن التغيير يظهر بشكل تزامني ـ من مؤدي إلى آخر وحتى لدى المؤدي نفسه أي من أداء إلى آخر ـ وكذلك بشكل تعاقبي.”[24]
ولتلخيص كل ما سبق ذكره ، يجب أن نقول أنه ، على عكس الثبات اللغوي النسبي المرتبط بالدوال وكيفية تنظيمها ، فإن الثبات المعرفي ملازم للأفكار غالبا وفقا لما إذا كانت تمثل أفكارا مسبقة أو كليشيهات .
الحقائق التي يمكن ملاحظتها في سيرورة هذا “الثبات” تتوافق مع تلك التي لوحظت في أداء أمثال الجزائر
لهذا السبب، من خلال القول بأن أمثال الجزائر ليست ثابتة تماما من وجهة النظر اللغوية ، فإننا ندرك أن هناك نوعًا معينًا من التثبيت الذي يميزها: سيكون التثبيت المعرفي ، والذي سوف يظهر فيما يلي:
مظاهر التثبيت المعرفي في الأمثال الجزائرية عملية التجميد المعرفي تعتبر الأفكار الثابتة التي تشكل على مدار التاريخ الكليشيهات أو الصور النمطية ، هذه الصور النمطية تعمل في خلفية للمظهر اللغوي للمثل كما، وهي محسوسة خاصة في عمليات الحذف
التغيير بالحذف
يتم حذف لفظة في بداية أو وسط أو آخر ا مثل:
أ. مللي ماتت المرحومة ما كْليت الكسرة المرقومة (منذ وفاة المرحومة لم آكل الخبزة المحترقة)
ب. مللي ماتت المرا المرحومة ما كليت الكسرة المرقومة (منذ وفاة زوجتي المرحومة لم آكل الخبزة المحترقة)
إلا أن الحذف الذي استرعى انتباهنا أكثر هو حذف العبارات، فإن الانتباه و ملاحظة المحادثة يجعلنا ندرك أهمية الأمثال عند الجزائريين حتى أن الأمثال صارت مألوفة لديهم لذا يحدث لهم الاكتفاء بالتلفظ بجزء من المثل بدل التلفظ بالمثل كله ويبلغ بهم الحد إلى حذف جمل بأكملها إذ أننا في الممارسة اللغوية اليومية نلاحظ أن لدى المتحدثين الذين يرددون الأمثال ميل لقصها أو حذف جملة ثانوية لاستدعاء ذاكرة المخاطَب مما يعني أن الثابت ليس الدال وإنما الدلالة ويبقى المحذوف مضمرا .
يتجلى ذلك من خلال حذف الجملة الثانية المترتبة عن الأولى كما في المثل الموالي:
- الحديث قياس فيه الفضة وفيه النحاس (لا تستوي الأحاديث فمنها الرفيع كالفضة ومنها الوضيع كالنحاس)
- الحديث قياس (لا تستوي الأحاديث)
- شد قمقومك ولا حد يلومك ( تحكم في لسانك ولا أحد سيلومك)
- شد قمقومك ( تحكم في لسانك)
- الشركة هالكة ولو في طريق مكة (الشراكة هلاك وإن تمت في مكة)
- الشركة هالكة (الشراكة هلاك)
الجرب حكاك و الخاين شكاك (الجرب يسبب الحكة مثلما هو الخائن شكّاك)
ب. كل خاين شكاك (الخائن شكّاك)
فحذف الجمل:
- فيه الفضة وفيه النحاس
– ولا حد يلومك
– ولو في طريق مكة
– الجرب حكاك
لا يُخلّ لا بوضوح ولا بدلالات المثل عند المخاطَب على الرغم من حدوث تغيير شكلي بالحذف، لأن هذا الحذف عادة شائعة في الجزائر. وهذا يؤدى بنا لأن نفهم أنّ من خلال التغيير الشكلي للمثل ، يقوم المتكلم المتلفظ بالمثل بإرساء ميكانيزم لثبات غير لغوي وإنما فكري . إنّ الهدف من هذه اللعبة التداولية هو حثّ ذاكرة المخاطَبين على استرجاع بقية المثل إنّ المتكلم واع بعدم حاجة المخاطَب لسماع جميع مكونات المثل لإدراك علاقته بالمضرب وبالتالي لفهم المثل.
في الواقع، فإنّ كون الأمثال عبارة عن أقوال مأثورة تنتمي إلى التراث الثقافي واللغوي للجزائريين، فإن الجزء من المثل” الحديث قياس” يكفي للمتحدثين للتعرف على مثل معين من بين أمثال كثيرة أخرى. إن تحديد وفهم ملفوظ قيل بعضه فقط هو نتيجة لعملية عقلية لا لغوية.
إذا لم يكن للصيغة الثانية للمثل تأثير على فهم الكلام، فذلك لأن دلالة الملفوظ في صيغته الأولى “الحديث قياس فيه الفضة وفيه النحاس” ثابتة في أذهان المتحدثين كحقيقة مقبولة تقليديا في الواقع. وبالتالي ، ما دامت الدلالة ثابتة في ذاكرة المتكلمين فإن بعض المثل يكفي لاسترجاع الصورة كاملة .
إن ما يبرر للمتحدث الاكتفاء ببعض المثل “الحديث قياس” هو كونه يدرك أن بقيته معروفة فالمخاطَب ينتمي لنفس المجتمع ، وبالتالي لا حجة لديه لجهله لهذا السبب ، فإن النطق بالمثل يتحمله طرفا المحادثة المتكلم والمخاطَب ، وتكون مشاركة المخاطَب ذات شكلين فإما أن تكون ضمنية عقلية عن طريق التذكر فحسب أو تكون لغوية حيث يقوم بإتمام المثل والتلفظ ببقيته وهذا يدل في الغالب على الثبات الفكري للمثل.
وأكثر من ذلك فإن الثبات الفكري للمثل يؤدي إلى الثبات الشكلي النسبي فيه فالصورة النمطية التي يحيل إليها المثل تبقى ثابتة في حين تتغير العناصر التي لا تمس بالصورة النمطية كما هو واضح في المثل الموالي الذي يطلب من الشخص أن يكون كجاره وإن رفض فعليه تغيير مدخل بيته:
أ . دير كيما دار جارك و لا بدل باب دارك
ب .دير كيما دار جارك و لا حول باب دارك
ج . دير كيما دار جارك و لا أغلق باب دارك
د. دير كي جارك والا اغلق باب دارك
لذا يمكن القول أن الأمثال الشعبية تسهم في تشكيل قيم المجتمع، وبتنميط الفكر والسلوك فالمثل شكَّل على مرِّ العصور ولا يزال يشكل أحد الروافد المهمة في تكريس بعض المظاهر الاجتماعية والفكرية التي تسهم في إرساء النمطية الفكرية، حيث أصبح أحد أساليب التربية والتوجيه، والإرشاد التي يعتمد عليها الفرد الجزائري في غرس القيم، فالمثل لا يزال يحتكر الساحة الفكرية على مختلف المستويات، ومن أهم الصور النمطية التي يقوم المثل بتثبيتها صورة المرأة فهل الأمثال وسيلة لتثبيت القيم باستمرار؟
لقد لاحظنا أنّ بعض المواقف بدل أن يكمل فيها المخاطَب المثل الذي قصه المتكلم يقوم بالرد بمثل مضاد كما في الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى:
هذا مثل ينقص من شأن المرأة بصيغتيه:
- اللي عندو ولية عندو بلية (من أنجب بنتا فقد أنجب مصيبة)
- كل بلية سبابها ولية(كل مصيبة سببها امرأة)
هذا مثل آخر يعلي من شأن المرأة بصيغتيه:
- اللي ما عندو لبنات ما عرفوه وين مات ( من لا بنت له لا أحد يسمع بخبر وفاته)
- اللي خلى البنات ما مات (من أنجب بناتا خلد ذكره)
الحالة الثانية:
هذا مثل يعلي من شأن العمل ولو بدون مقابل:
أ.أخدم باطل وما تقعدش عاطل( إعمل بدون مقابل أفضل من أن تبقى عاطلا)
هذا مثل يناقض المثل السابق:
ب.تشميسة خير من تخميسة واللي عينو في الربح العام طويل( الجلوس للشمس للترويح عن النفس أفضل من العمل بالخمس أي براتب زهيد، ومن يريد الربح فالعام فيه متسع )
يضاف إلى ذلك أن بعض الأمثال تتغير دلالتها كما في المثل الموالي:
المؤمن سباق لأداء واجباته
المومن يسبق في روحو
المؤمن سباق لنيل حقوقه
أ. ياكل مع الديب ويبكي مع الراعي (في هذه الصيغة من المثل فيها سخرية من المنافق الذي يداهن خصمين في آن واحد حيث يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي )
ب. ما تجوع الديب ما تبكي الراعي( أما في هذه الصيغة فنجد دعوة لإقامة توازن بين طرفين متخاصمين بعدم تجويع الذئب ولا إبكاء الراعي)
ثمة أمثال متناقضة تدل على عدم ثباتها ” وتبدو سلطتها الرمزية وكأنها مطلقة غير أن شيوع وانتشار أمثال دون أخرى في وسط محدد وفي تاريخ معين يدل دلالة واضحة على نسبية هذه الطاقة الرمزية وارتباطها بسياق تاريخي محدد وبهيمنة إيديولوجية يمكن تعيينها والكشف عنها. كما أن بروز التناقضات الاجتماعية التي يمكن أن توجد في نطاق مجتمع ما . إذ يصبح من غير المعقول اتفاق جميع الأمثال في دلالتها في مجتمع يعرف صراعا حول القيم والتوجهات المستقبلية للجماعة واختلافا في المواقف المطروحة.”[25]
في الواقع، من الصعب تصنيف الأمثال حسب الموضوع لأنّ بعضها، اعتمادا على المكان والسياق، والوضع، والحالة، ولحظة انبعاثها، يمكن أن يخضع لعملية تغير دلالي فيصير له عدة دلالات، وهذا ما يجعل التصنيف المنهجي للأمثال حسب الموضوع خيارا صعبا
فلماذا إذن ساد الاعتقاد بثبات المثل؟ ساد الاعتقاد بثبات المثل خاصة و الأدب الشفوي عموما “حينما تم تعريف الأدب الشفوي كملكية ثقافية جماعية مجهولة المؤلف نتج عن ذلك فكرة ملازمة تتعلق باشتغاله وفق مثل يعتمد التقليد تؤمنه التوصيل الوفي للنصوص جيلا بعد جيل . هذا التصور يستند غالبا إلى كون النصوص قد اُصغي إليها في حالة التلفظ بها وهذا ما يمنع من خلق مسافة كافية لملاحظة تطورها عبر الزمن. مثلما نلاحظه فإن عدة عوامل تتداخل لتشكيل فكرة أدب شفوي غير قابل للتغيير.” [26]
كما أن لثبات النصوص درجات”التغيير متأصل في الشفوية ينشأ مباشرة من الأداء والتلفظ ومظاهره متعددة وله عدة درجات بما أن ثبات النصوص يختلف حسب الأنواع الأدبية”[27]
وهذه التحويرات و التغييرات عموما التي يتعرض لها المثل خوصا والأدب الشعبي عموما، تجعله دائما في طور التشكل الذي لا يكاد يتوقف، فهو لا يستقر على شكل محدد وهذا ما يؤدي إلى التنوع والثراء
وتاريخ الأدب الشعبي هو تاريخ التغير الدائم لأنه يقوم على الرواية الشفوية ” الثقافة الشعبية هي حياة فئة من الناس الذين يحيون معا في مكان معين، وتتجلى في نظمهم الاجتماعية، وفي فنونهم، وفي تقاليدهم وعاداتهم، وفي معتقداتهم الدينية، وفي اهتماماتهم وأنشطتهم المميزة…إنها كائن حي يتميز بالتعدد والتنوع والثراء، ويتحرك بتحرك الإنسان ويتطور بتطوره، وينقرض بانقراضه، ينفرد كل فرد وكل مجتمع بخصائصه الثقافية التي تجعله متفردا متميزا عن غيره.” [28]
الخاتمة:
-إنّ الثقافة الشعبية بفعل شفويتها عرضة للتغيير،
-وهذا التغيير درجات في المثل،
-ويصيب الجانب اللفظي والجانب المعنوي،
-ولكنه يبقى تغييرا نسبيا،
-فالمثل إذن شبه ثابت .
قائمة المراجع:
- إبراهيم نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة
- بورايو عبد الحميد، الأدب الشعبي الجزائري دار القصبة للنشر 2007.
- داود، أماني سليمان، الأمثال العربية القديمة: دراسة أسلوبية سردية حضارية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، ط 1 ، 2009 .
- الجراري عباس ، في الإبداع الشعبي، مطبعة المعارف الجدیدة، الرباط، ط 1، 1988.
- الغرابي الجيلالي، دراسات في الثقافة الشعبية، دار الكتب العلمية ط1 لبنان 2013 .
- غليون برهان، اغتيال العقل، موفام صاد، الجزائر 1990.
- شعلان إبراهيم أحمد، موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائرة، الجزء الأول، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى، 2003.
- شعلان إبراهيم أحمد، موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائرة، الجزء الثالث، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى، 2003.
- شعلان إبراهيم أحمد، موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائرة، الجزء السادس، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى، 2003.
- نعوم شقیر، أمثال العوام، طبعة دار مصر، مصر، 1984.
-Benchneb Mohamed, Proverbes de l’Algérie et du Maghreb, Ed Maisonneuve et Larose, 2003.
- Meloille J Herskovits, Les bases de l’anthropologie culturelle, Payot, Paris, 1967.
- Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction)Karthala édition , 2008.
[1] غليون برهان، اغتيال العقل، موفام صاد، الجزائر 1990، ص19.
[2] إذا كان في بحوثه يركز خاصة على الجانب المادي للثقافة، فإنه لم يهمل الجانب الروحي والجمالي.
[3] Meloille J Herskovits, Les bases de l’anthropologie culturelle, Payot, Paris, 1967, p 170.
[4] بورايو عبد الحميد، الأدب الشعبي الجزائري، دار القصبة للنشر، 2007، ص 57.
[5] شعلان إبراهيم أحمد، موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائرة، الجزء الأول، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى، 2003 ، ص10.
[6] Benchneb Mohamed, Proverbes de l’Algérie et du Maghreb, Ed Maisonneuve et Larose, 2003.
[7] داود، أماني سليمان، الأمثال العربية القديمة: دراسة أسلوبية سردية حضارية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 1 ، 2009، ص21/22/23.
[8] الجراري عباس، في الإبداع الشعبي، مطبعة المعارف الجدیدة، الرباط، ط 1،1988 ، ص 126.
[9] نعوم شقیر، أمثال العوام، طبعة دار مصر، مصر، 1984.
[10] شعلان إبراهيم أحمد، موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائرة، الجزء السادس، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى، 2003،ص 9 .
[11] إبراهيم نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، ص 145.
[12] م ن، ص 141.
[13] م ن، ص 144.
[14]Ursula Baumgardt et Jean Derive (sous la direction), Littératures orales africaines : perspectives théoriques et méthodologiques, Karthala édition, 2008, p84.
[15] إبراهيم نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، ص 146.
[16] داود، أماني سليمان، الأمثال العربية القديمة: دراسة أسلوبية سردية حضارية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، ط 1 ، 2009 ، ص5 .
[17] Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction), Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, p21.
[18] Id, p21.
[19] Id, p82.
[20] Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction), Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, p85
[21] Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction), Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, p 79.
[22] شعلان إبراهيم أحمد، موسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السائرة، الجزء الثالث، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى، 2003، ص9 .
[23] Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction), Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, p21
[24] Id, p81
[25] بورايو عبد الحميد، الأدب الشعبي الجزائري، دار القصبة للنشر، 2007 ، ص 62.
[26] Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction), Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, p78
[27] Ursula Baumgardt et Jean Derive( sous la direction), Littératures orales africaines :perspectives théoriques et méthodologiques, p81
[28] الغرابي الجيلالي، دراسات في الثقافة الشعبية، دار الكتب العلمية، ط1، لبنان، 2013.