أمثال شعبية مغربية 10
مَا تَاخُذْ حَقّ إِلاَّ بَشْوِيَّة مَنْ الْبَاطْلْ
أي لن تحصل على حق إلا باستعمال شيء من الباطل، وأصحاب القضايا والشكاوى الموجهة إلى الإدارات والمحاكم هم أدرى بذلك، ويعرفون جيدا معنى هذا المثل، وعلى أية حال فالحق الذي لا يكون مُسانَداً ومُعَاضَداً ضائع لا محالة، إذ لا يكفي أن يكون المرء صاحب حق، بل من المفروض عليه أن يسعى بكل الوسائل حتى الباطلة منها أحيانا لاسترداده كله أو البعض منه، وأكثر المواقف تصلبا تجعلها الهدية والرشوة مسايرة، وأكثر القوانين ضبطا وصرامة تجعلها الرشوة ووساطات كروش الحرام مطاطة.
لإزالة أي إبهام أو تأويل مجانب للصواب، فإن الأمر لا يتعلق بمذيع قناة الجزيرة الإخبارية، فالمثل من الأمثال السائرة في المغرب منذ زمن قديم وقبل ظهور قناة الجزيرة وجميع الفضائيات بأجيال، وإنما هي ضرورة السجع ليس إلا، ويُضرب المثل للإمعة الحقير الذي يتولى المناصب العليا عن غير جدارة ولا استحقاق ويُصبح متحكما في رقاب المستضعفين من الناس.
الَحْمَارْ الدَّرْوِيشْ إِيهَزُّو عْلِيهْ الشُّوكْ بَالْخِيشْ
إيهزو أي يحملون، الخيش عبارة عن أكياس بسعة 100 كلغ مصنوعة من ألياف القنب لتعبئة الحبوب من قمح وشعير، وأغلب الحمير في واقع الأمر دراويش صبورون لدرجة الإهانة المادية والمعنوية القصوى، وممتثلون ولا يثورون ولا ينتفضون باستثناء الحمار الأشهب، وأهل البوادي أدرى بالحمار الأشهب الذي لا يمكن التكهن بردة فعله، فإن تمادى صاحبه في إيذائه وإهانته فلا ريب أن رقبته أو رجله سوف تُكسر يوما ما على منحدر خطير أو في واد من الأودية، ويُضرب المثل لمن يصبر على جهل المتنطعين من الخلق وأذاهم وفي ظنهم الخاطئ أن تصرفه ذلك صادر عن خوفه ورهبته منهم، فحذار حذار من ردة فعل الصابر إذا حُمل بما لا يُطاق أو أُهين فقد يصير أكثر من الحمار الأشهب.
الَحْيَا وُالْحَشْمَة دَارُوا الجْنَاوْحْ أُوطَارُوا وُالجَارْ ادْعَى جَارُو وُحَتَّى مَنْ الفَارْ تْلَفْ عْلَى غَارُو
زمن كأناسه وأناسه كما ترى، زمن رفع فيه الحياء والوقار والحشمة والثبات والتثبت، وأضحى فيه الكثير من الخلق إلا من رحم ربك سكارى وماهم بسكارى وعلى درجة كبيرة من الميوعة والتفاهة والخبث، في المنازل والشوارع والإدارات، أما في عرين الشياطين (الأنترنت والفضائيات) فحدث ولا حرج.
الخُبْزْ يَا الخُبْزْ وُالخُبْزْ هُوَ الإِفَادَة، لُوْ مَا كَانْ خُبْزْ مَا يْكُونْ لاَ دِينْ وَلاَ عِبَادَة
والجوع كما يقول المثل كافر، إذ كيف يمكن أن تُقام عبادة أو تُطبّق شريعة أو يُرَسّخَ دين بين أقوام جوعى، ويعتبر هذا المثل من الأمثلة السائرة لسيدي عبدالرحمان المجذوب، ولجبران خليل جبران شعر يصب في نفس المعنى في قصيدته الرائعة المواكب:
فالْقَوْمُ لَولاَ عِقَابُ البَعْثِ مَا عَبَدُوا رَباًّ وَلَوْلاَ الثّوَابُ الـمُرْتَجَى كَفَرُوا
كَأَنّـمَا الدِّينُ ضَرْبٌ مِنْ مَتَاجِرِهِمْ إِنْ وَاظَبُوا رَبِحُوا أَوْ أَهْمَلُوا خَسِرُوا
كَأَنّـمَا الدِّينُ ضَرْبٌ مِنْ مَتَاجِرِهِمْ إِنْ وَاظَبُوا رَبِحُوا أَوْ أَهْمَلُوا خَسِرُوا
دَابَا تَمْشِي أَيَّامْ وُتْجِي أَيَّامْ، الَعْيَالاَتْ يَمْشِيوْا للَسُّوقْ وُالرّْجَالْ يَحْضِيوْا الَخْيَامْ
قالها الأوائل زمن الخيام وأدركناها نحن كشهود عيانين في زمن الدور والشقق والفيلات، والبقية الأشد والأنكى مما هي عليه الآن آتية لا محالة، خلاصة القول الله يتم ما بقي على خير.
الدَّنْيَا.. يَا الدَّنْيَا شْحَالْ طَيَّحْتِي مَنْ كَانْ بُوهْ فَالَحْ وُشْحَالْ طَلَّعْتِي مَنْ كَانْ بُوهْ سَارَحْ
شْحَالْ أي كَمْ، طيحتي تعني أسقطتي، فالح مشتقة من الفَلاَحْ، أما سارح فهو راعي الغنم والبقر والإبل، وفي ذلك قال سيدي عبدالرحمان المجذوب مثلا سائرا:
تْخَلْطَتْ وَلاَ بْغَاتْ تَصْفَى وُلْعَبْ خَـــــــــــزّْهَا فُوقْ مَاهَا
رُيَّاسْ عْلىَ غِــــــــيرْ مَــــــرْتَبَـة هُمــــــــــــــَا سْبَابْ خْـــــــــــــلاَها
الخز هو الخضرة التي تعلو الماء الراكد لمدة طويلة، سبب خلاها أي سبب خرابها، والمقصود أن تولي الحكم والمناصب والمسؤوليات من طرف من ليست لهم أهلية ولا صلاحية ولا أخلاق ولا قيم للاضطلاع بتلك المسؤوليات يؤدي إلى اختلال واضطراب النظام بأكمله.
الرَّاسْ الْخَاوِي يْعَمَّرْ الَقْهَاوِي
الجلوس في المقاهي طوال الوقت بصورة دائمة وبدون فائدة تذكر من شيم البلداء المتكلسي الأذهان، المنشغلين بسفاسف الأمور وتوافه الكلام.
سِرْ مْعَ صَاحْبَكْ بَالنِّيَّة حَتَّى تَلْقَى رَجْلُو مَتْنِيَّة
اللي مشى بالنية عمرو ما يخاف، إنما ذو النية السيئة عاجلا أم آجلا سوف تنكسر رجله ويهوي أمام أنظار صاحب النية الحسنة، فالنية الحسنة تبقى دائما عذرا للتصرف الأحمق.
الشّفَّارْ رَبَّى اللَّحْيَة وُقَالْ لِيهُمْ أَنَا فْقِيهْ
على المرء ألا ينخدع بالمظاهر، فهنالك فئة من المتفيقهين اتخذوا لحاهم ولباسهم مظهرا مخادعا ومطية لاستدراج المغفلين من الناس إلى شراك حبالهم، ما الفرق إذاً بين هؤلاء وبين اللصوص؟
ضِيفْ عَامْ يَسْتَاهْلْ ذْبِيحَة، وُضِيفْ شْهَرْ يَسْتَاهْلْ زَرْدَة مْلِيحَة، وُضِيفْ كُلّْ يُومْ يَسْتَاهْلْ طْرِيحَة
ضيف ينزل مرة في السنة يستحق ذبح شاة على شرفه، وضيف ينزل مرة في الشهر يستحق وليمة دسمة، أما الضيف الذي ينزل كل يوم فيستحق وبالا من العصا ولا شيء غير العصا، ويضرب المثل للضيف الثقيل الممل والمزعج الذي كلما أطل وكأن لسان حاله يقول: "كل ساعة مساكم، ها حنا جيناكم"
فْرَمْضَانْ السّْمَايْمْ إِيبَانْ المَسْلَمْ الَمْزَوَّرْ مَنْ المَسْلَمْ الدَّايْمْ
السمايم منزلة من المنازل التي تحل في الخامس والعشرين من يوليوز من كل سنة، وتدوم مدتها أربعين يوما، يشتد فيها الحر وينقطع المطر وتهب الرياح الشرقية الحارة والجافة وتصل درجة الحرارة لمستويات قياسية تتعدى أحيانا خمسين درجة تحت الظل، وصوم رمضان في مثل هذه الظروف الصعبة والقاسية هو امتحان حقيقي لإيمان المسلم، وبالطبع هناك مسلمون مزورون يفرون بجلودهم إلى أوروبا وبصفة عامة نحو المناطق الباردة أو يحصلون على شواهد طبية مزورة لأكل رمضان، أما جمعية وكالين رمضان ب'العلالي' أي جهارا نهارا، فهؤلاء لا ينطبق عليهم هذا المثل بصفة مطلقة، لأن كل همهم في الحياة منحصر في بطونهم وفروجهم.
كُلّْ جْمَلْ عَنْدُو حَدْبَة فْظَهْرُو
فلينظر كل امرء إلى حدبته، إذ عليه نفسه، وليفتش عن معايبها الكثيرة وليترك عن عثرات الناس للناس، والكمال لله وحده، وحتى زين ما خطاتو لولة، ولو رأى الجمل حدبته لوقع من شدة الهول وكسر رقبته، وأفدح المصائب وأعظمها هي أن ينمم البعض في أعراض الناس ويجهل أنه جاهل، فيُجيب قبل أن يسمع ويُعارض قبل أن يفهم ويحكم بما لا يعلم.
لاَ تْسَرَّجْ حَتّى تْلَجَّمْ..وُعْقُدْ عُقْدَة صْحِيحَة..لاَ تَتْكَلَّمْ حَتَّى تْخَمَّمْ..لَتْعُودْ ليِكْ فْضِيحَـــــة
من الأمثلة السائرة لسيدي عبدالرحمان المجذوب، وهو مثل جاء بصيغة الـمُخَاطَب بصفة مباشرة، لا تسرج أي لا تضع السرج فوق ظهر الحصان قبل أن تلجمه ثم اعقد الحزام حول بطنه عقدة متينة ومحكمة حتى لا تنحل، تخمم أي تفكر جيدا، ولا يسبق نطقك عقلك ويتكلم في أمر يعود عليك بالفضيحة.
مَا خَصَّكْ غِيرْ السّْوَاكْ يَا مْعَوَّجَة الَحْنَاكْ
وهو يؤدي نفس معنى مثل "الخنونة والعكر"، والخنونة هي مخاط الأنف والعكر هو أحمر الشفاه، ويضرب المثل لمن يقفز في أمر ما من مرحلة أدنى لأخرى أعلى منها، متجاوزا بذلك عدة مراحل بينية قد تكون إحداها سببا في سقطته المدوية، وهو مثل ينطبق على الأفراد والأسر وكذلك المجتمعات.
طُولْ مَا انْتَ عْلَى الحْصِيرَة مَا تْشُوفْ لاَ طْوِيلَة وَلاَ قْصِيرَة
طالما بقي المرء جالسا على حصير، يعني ربنا خلقتنا، فسيبقى على تلك الحال طوال عمره حتى تتقرح مؤخرته من كثرة الجلوس، ولا ينتظر أبدا أن يسأل عنه أحد، خاصة النساء لا الطويلات منهن ولا القصيرات، ولذلك قيل عندما يدخل الفقر من النافذة يهرب الحب من الباب.
القَرْدْ فْعِينْ أمُّو غْزَالْ
كل المخلوقات مُعجبة بنسلها بما في ذلك الإنسان، فحتى القِرْدة تنظر لقردتها الصغار كأنها غزلان، ومن فطرة المخلوقات وطبعها جميعا إعجابها بنفسها، غير أن هذا الإعجاب عند بعض البشر يتجاوز كل الحدود، مع العلم أن الشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده.
كُلّْ مَا يْجِي مَنْ القِبْلَة مْلِيحْ مَنْ غِيرْ بْنَادَمْ والرِّيحْ
القبلة حسب الموقع الجغرافي للمغرب هي الجهة الشرقية التي يتجه فيها المصلون نحو الكعبة بمكة المكرمة التي كل ما يأتي منها مليح وحسن وفيه كل خير، 'من غير بنادم والريح' أي باستثناء بني آدم (بنادم) والرياح (الريح)، إذ من المعلوم أن الرياح التي تهب من هذه الناحية تكون جافة وحارة ولهذا تسمى برياح 'الشركَي'، ومن المعلوم أيضا معاناة المغرب في تاريخه القديم والحديث على حد سواء من مؤامرات وغدر ونكران للجميل من الوافدين عليه من بني آدم 'بنادم' من الجهة الشرقية سواء في فترات الحرب أو السلم.
المَاكْلَة مَاكْلَة الثِّيرَانْ وُالخَدْمَة خَدْمَة الْفِيرَانْ
هنالك أقوام كل همهم منحصر في الأكل بشراهة ولا يشبعون ولا يرتوون أبدا، وإذا ما حاول المرء أن يبحث عما قاموا به من أعمال وما قدموا من خدمات، فسيجد أنهم أمضوا معظم حياتهم في الأكل والنوم والتناسل كالبهائم وقتل الوقت، ومروا من هذه الحياة الدنيا وهم على درجة أدنى من أصغر الدواب بكثير، و في ذلك قالت الأوائل: "اللَّهُمَّ مَسْخُوطْ وَلاَ وَكَّالْ"
القَلْبْ الشَّبْعَانْ مَا عَمَّرْ جِيبُو يَخْوَى
القناعة موطنها في القلب، والإنسان القنوع لن ينقصه خير ولن يمد يده أبدا لأحد، وفي ذلك قال قولا بليغا صاحب العقد الفريد أديب وشاعر الأندلس ابن عبد ربه: "إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة، وإذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة، فمن أطاع الله عز نصره، ومن لزم القناعة زال فقره"، وأروع مثال للقناعة ونقاء اليد في عصرنا الحالي هو رئيس دولة الأوروغواي 'خوسيه موخيكا' الذي يتبرع بتسعين في المائة من مرتبه الشهري البالغ 12.500 دولار لفائدة الجمعيات الخيرية ولا يتبقى لديه سوى 1.250 دولار، معتبرا أن هذا المبلغ يكفيه كرئيس دولة ليعيش حياة كريمة مقارنة بالعديد من أفراد شعبه الذين لا يجدون إلى ذلك سبيلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق