أنت هباء، يا دباء
حوار بين شجرتين
شجرة الصنوبر وشجرة الدباء (القرع)
من المعلوم أن شجرة الصنوبر تثمر بعد حوالي ثلاثين سنة، وشجرة الدباء (القرع) تثمر بعد أسبوعين.
فالفارق الزمني طويل في إنتاج الثمار.
كذلك الفارق الزمني طويل في مدة الإعمار.
تقول شجرة القرع للصنوبرة:
يا صنوبرة، أنت شجرة، وأنا شجرة.
لنا فروع، ولنا جذور.
ولنا ثمار، ولنا بذور.
لكن: إنني أسرع منك.
فالوقت الذي تقطعينه في إنتاج الثمرة طويل، يمتد لثلاثين سنة.
ووقتي قصير (أسبوعان).
فأنا أسرع منك في المدد.
وأنت أكثر مني في العدد.
عدد السنين والحساب.
فتقول الصنوبرة في شموخ وكبرياء:
مهلا يا شجرة.
يا هباء.
عفوًا، يا دباء.
صحيح لك ثمر، ولي ثمر.
وتُسقين بماء.
وأُسقى بماء.
لكن، فلنترك وقت الشتاء.
لفصل القضاء.
ولفض النزاع.
وكشف القناع.
فأين أنت حين تعصف الرياح، وتقصف الرعود، وتهطل الشتاء؟!
فإن كان لك نبات حينها؛ فأنت بطلة.
لكن لا أراك وقتها إلا ذابلة.
قد ذهبت الرياح بأوراقك.
وانحنت للثلوج أغصانك.
واقتلع السيل جذورك وأوصالك.
وبعدها تذهبين هباء.
يا دباء.
ويبقى الصنوبر جذوره ثابتة في الأرض.
وفروعه ممتدة في السماء.
فما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وأما الزبد فيذهب جفاء.
فانحنت لها شجرة الدباء معترفة.
وولَّت الدُّبُر منصرفة.
وقالت جميع الأشجار.
في التلال وفي القفار:
بالأناة والثبات يطول ويمتد البقاء.
♦ ♦ ♦ ♦
فائدة الحوار: أعظم ما يمنّه الله تعالى على عباده نعمة الثبات؛ فبدونه لا يتحقق أيُّ مرغوب، ولا يُنال أيُّ مطلوب.
♦ ما كانت السرعة في شيء إلا أهلكته وذهبت به، وبالتالي فإذا أراد العبد الدوام في أعماله فعليه بالتُّؤَدة، والتَّريُّث، وعدم التسرع.
♦ السرعة والإكثار من الشيء ليس بالضرورة هي عنوان الوصول، وجني المحصول، بل التعقل والتريث والأناة هي عنوان القبول، وتحقيق المأمول.
♦ الهم ليس في العمل، والسرعة في جني ثماره، بل الهم في قبول العمل، والثبات عنوان القبول، والأناة دليل الوصول.
فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/78869/#ixzz5cAsjyW9y
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق