الأمثال الشعبية جزء لايتجزأ من بناء الأمم فهي معبر صريح عن كم الخبرات والتجارب التي مرت علي أي مجتمع وكلما كثرت الأمثال وكانت وافية لكافة المواقف التي تواجه الناس كلما كان المجتمع يحمل عراقة عن أقرانه وفي المجتمعات الأوروبية والأسيوية تجدهم يضعون الأمثال في مصاف العلوم الحديثة لأنهم يعرفون القدر الذي تضفيه الأمثال الشعبية علي المجتمع وفي مصر تحتل الأمثال مساحة شاسعة من تاريخها الممتد حتي أنه لايمر موقف الا وتجد له مثلا شعبيا يعبر عنه والأمثال هي اجابة فاصلة تارة وردا مفحما تارة أخري ومواساة وتفاؤل في مواضع اخري وغير ذلك من النتائج التي تنقلنا اليها الأمثال الشعبية التي غالبا ماتعبر عن عادات وتقاليد مستمدة ومؤسسة علي تعاليم الدين فمثلا

 (اعزق بإبره ولا تسأل العويل على فأس) مثل شعبي يدعو للكرامة والعزة فحرث الأرض بإبرة خياطة افضل من أن تطلب فأسا من رجل سيء الخلق

ثم تطوف بنا الأمثال لنصل معها الي محطة بر الوالدين فيقول المثل

(ما تعرفش قيمة امك الا لما تعاشر مرات ابوك) وكل من يعيش مع أمه لايشعر بما تفعله من أجله إلا بعد موتها !!

ومن بر الوالدين الي صراع الحماوات(ام الزوجة والزوج) فيقول المثل

 (الحما حما ولو كانت ملكة من السما) وهذا طبيعي لأن أم الزوج تغار عليه من زوجته وأم الزوجه تريد لإبنتها زوجا ملائكيا لذلك تظل الحما حما

ثم تطوف بنا سفينة الأمثال لمثل سطحي لايعبر عن قيمة حقيقية فيقول المثل

 ( خد الحلو واقعد قباله وإن جعت شاهد جماله) اي ان الجمال هو الأهم حتي انه يغني ويسمن من جوع

ثم تتجه بنا سفينة الأمثال الي محطة ساخرة تختبر فيها قيمة الزوج ومكانته فيقول المثل

وفي المحطة التالية تنقلنا السفينة لإختبار وهو في الحقيقة مثل مثبط ولكن يحمل في طياته التحفيز فيقول

(المية تكدب الغطاس) ويقال عندما يعهد الي شخص بمهمة تفوق امكانياته وايضا في حالة طلب اثبات واقعة لادليل عليها

وفي المحطة التالية نجد مثل ساخر ايضا تطلقه الزوجة في الغالب عندما يتركها زوجها ويذهب ليتزوج بأخري فتذمه وتقول

( اللي مخدتوش القرعة تخده أم الشعور) اي انه لاتوجد لديه اي مزايا تفيد الزوجة الجديدة

ثم تطوف بنا الرحله لمثل جميل يتفق وخلق المسلم فيقول المثل

(الغايب حجته معاه) وهو يتفق حث النبي ص علي التماس الأعذار للناس

ثم تنزلق بنا السفينة لمثل هادم بعض الشيء فيقول المثل

(اسمع من صاحبك و فتش على قوله) وهو ينشر الشك بين الأصدقاء ويدعو للتثبت من قول الصديق فما بالك بغير الصديق

وتنتقل بنا السفينة مرة أخري الي مايوافق الدين فيقول المثل

(دلع الفقارى يفقع المرارة) وهو يوافق حديث النبي ص (ثلاثة لايكلمهم الله ولاينظر اليهم ولايزكيهم ولهم عذاب اليم ..عائل مستكبر.....) وهو الفقير المتكبر

وتعود بنا السفينة الي محطه ساخره ولكنها تحوي فكرة فلسفية فيقول المثل

(خش الزريبة نقيلك كلب ... قال كلهم كلاب ولاد كلاب) اي ان الصفات السائدة عند مجموعة ما لن يجدي التأني والتروي في اختيار احدهم للتعامل معه فكلهم يحملون ذات الصفات فالتعامل مع اليهود يدلل علي ذلك ولا اوفي وصفا من القرآن فيهم بنقضهم العهود

وتعود الأمثال لمحطات السخرية التي تحمل في طياتها عدم الرضا بالرزق فيقول المثل

(قولت للبخت انا رايحة اتفسح قالى ماتروحى هو انا مكسح) اي ان البخت (الحظ) يفر من مصاحبتها كناية عن سوء الحظ

وفي المحطة التي تليها تجد مثلا يناقض ماسبقه تماما فيقول

( البطران سكتة قطران) والبطران هو الذى لا يرضى بما قسمه الله له اي ان البطر علي نعمة الله تعالي نتيجته السير في طريق مليء بالسواد وعدم التوفيق

وفي المحطة المجاورة تبحر بنا سفينة الأمثال لمثل رائع فيقول المثل

(اللى ياكل بالخمسة يلطم بالعشره)

ويقال هذا المثل فى وصف عاقبة النهم والاسراف وهو يتفق مع تعاليم ديننا الحنيف (ولاتجعل يدك مغلولة الي عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)

ونستمر في الإبحار مع سفينة الأمثال لنقف عند مثل آخر يعالج مشكلة الأخلاق ويتحدث عن مخلف الوعد فيقول

(لاجبتلى الحلق ولا سبت انا ودانى عشمتني بالحلق خرمت أنا وداني) وكما تعلمنا من نبينا الكريم ص ان احد صفات المنافق اذا وعد أخلف

ونعود بالسفينة مرة أخري للحموات ومثل ساخر يلخص المشهد فيقول

(الحماة تقول لبنتها اقعدي جنب جوزك دفيه وتقول لمرات ابنها قومي من جنب ابني خنقتيه)

وتستمر السفينة في الإبحار حتي تصل لمثل قد يغضب الكثيرين فيقول

(جرى الرجالة زى بحر النيل و جرى الولاية زى نقط الزير) ولكن الحقيقة انه مثل عميق يرفع قدر المرأة ويشير الا أن العمل الذي يقوم به الرجل لايصح أن تقوم به المرأه ( ان سعيكم لشتي)

ونستمر ي الإبحار حتي نصل لمثل شهير يقول

(يا قاعدين يكفيكو شر الجايين) وهو يقال عندما يأتي شخص مكروه لما اشتهر عنه من الأذي ودائما مايحمل الشرور سواء قولا أو فعلا

وفي الطريق نصادف مثلا جميلا يضع تفسيرا لوضع اجتماعي غير مفهوم فقول

(ما جمع ألا اما وفق) أي ان اجتماع اثنين وترابطهما تم بناء علي اتفاق الطباع سواء الطباع السيئة او الحسنة وهو يتفق مع حديث النبي ص (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)

ولاشك ان الابحار في سفينة الأمثال ممتع ومثير وكله فوائد وقبل ان ننتقل للجزء الثاني من المقال نصطدم بسؤال يطرح نفسه بقوة

لماذا لم تعد الشعوب تنتج امثالا جديدة؟