العناصر المشتركة للأمثال العامية العربية (دراسة مقارنة في الانثرويولوجيا الثقافية)
المقدمة :
تقول العرب " المثل في الكلام كالملح في الطعام" (1) . فالامثال جزء لا يتجزأ عن حياة وتاريخ الامم والشعوب وهي قديمة قدم المجتمعات البشرية . والحق ان المثل لكونه لعب دوراً مهماً في حياة الناس " ينتشر كانتشار النار في الهشيم " . ولما كان للامثال من سعة الشيوع وشهرة الذيوع بين الناس كان القدماء يستعملون القول القائل " اسير من مثل "(2) للدلالة على شيء ما شائع ومنتشر . واجمع العلماء في عهدنا الحديث بالذات على ان الامثال العربية نتيجة لتجارب الامة وخلاصة تجارب العرب في الحياة(3) كما يشبهون الامثال بمرآة تنعكس عليها اخلاق وقيم وعادات وتقاليد الشعب(4) وتعكس آمال الشعب وافكاره وتجاربه(4) .
والحديث عن جوهر المثل يستتبعه بالضرورة الحديث عن شكل المثل وتعريفه ، انه لمن المدهش حقاً ان رعيلاً من العلماء القدامى في القرون الاولى من الهجرة ابتداءً من ابن المقفع (ت 142هـ) وابراهيم النظام (ت 221هـ) الى الفارابي (ت 339هـ) والمرزوقي (ت 421هـ) حاولوا تحديد خصائص المثل وتعريفه - الامر الذي يدل بذاته على قدم اهتمام العلم العربي بالتراث الشعبي من غابر الازمان فنكتفي هنا بتقديم قول ابراهيم النظام الذي كان على حق في هذا التعبير : (يجتمع في المثل اربعة لا تجتمع في غيره من الكلام ايجاز اللفظ ، واصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكلام ، فهو نهاية البلاغة(6) وفي الوقت الحاضر نرى بين العلماء والادباء من يقبل ويكرر هذه الخلال الاربع - كما فعل احمد امين(7) - ومن يضيف اليها شيئاً جديداً كما فعل رشدي صالح اذ قال (ان المثل هو هذا الاسلوب البلاغي القصير الذائع بالرواية الشفاهية)(8).
والحقيقة التي يجب ان لا تغيب عن الاذهان ان المثل له وظيفته الاجتماعية(9)يؤديها المثل بصفته سلاحاً قوياً لمواجهة الانحرافات الاجتماعية ولخدمة المجتمع وقبل كل شيء جماهيره الشعبية . ومن المعروف انه في القرون الوسطى ركز العلماء العرب اهتمامهم على دراسة الجوانب اللغوية والادبية للامثال بينما نرى الاستشراق الغربي يهتم اكثر بالعوامل الاجتماعية كما يزداد هذا الاتجاه رسوخاً في البلدان العربية في العقود الاخيرة من القرن العشرين . على انه ينبغي ان يؤخذ في الاعتبار ان النظرة المادية التاريخية لتطور المجتمع تفتح افاقاً واسعة لدراسة الامثال الشعبية ، واذا اردنا ان نتبين وقت منشأ وظهور المثل يجب علينا ان نقارنه بتاريخ الشعب وحياته وعاداته وقيمه ونظرته في كل فترة منفردة من فترات تاريخ هذا الشعب ، والمهم هنا ان نوضح ما هو الذي يقوله المثل بل كيف يقوله المثل .
لقد آن الاوان لتشمير الساعد من اجل تنظيم وتنسيق الدراسات المقارنة لفولكلور الشعب العربي عامة والامثال العامية خاصة . ودراسة التراث الشعبي العربي تستلزم الاهتمام الصادق بحياة الجماهير واقامة دعائم الثقافة الشعبية التي يمتد تراثها الضخم من جذور الماضي العميق والذي هو نتاج عقلية الجماهير في هذا الجزء من العالم(10).
واكثر ما يميز الامثال العامية العربية اليوم هو انها مجموعة من العناصر المشتركة منشأً ولفظاً ومعنى وهي في الواقع دليل قاطع على وحدة هذه الامثال وتنبع من - اشتراك العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية - في المنشأ واللغة والدين والجوار . التي كانت تربط بين العرب على مدى العصور الطويلة في الجاهلية وبعد انتشار الاسلام . وتبرز من خلال كل ذلك الحقيقة التي تقول ان الامثال العامية قد كونت تراثاً عربياً مشتركاً وارداً من اقدم العصور يدل على الوحدة الثقافية للامة العربية الى جانب وحدة الادب العربي باللغة المعربة(11)، كما يدل على (الترابط الفكري والاجتماعي والثقافي والحضاري بين ابنائها)(12) والاهتمام بالادب الشعبي وباللهجات العامية لايعني اهمال اللغة الفصحى اذا رأينا في اللهجات بنات وعرائس فالفصحى هي (الام الرؤوم والام الحنون ، في صدرها يلتقي العرب ومن ثديها يرضعون ، وفي ظلها الوارف يرتعون)(13).
قراءة في بعض الامثال العامية العربية :
1- الامثال المحلية :
تشير بعض البحوث والمعاجم المثلية - حتى بعناوينها - الى ان امثالها تصور حياة بلدها أو اقليمها . فنذكر منها على سبيل المثال كتابين وهما (المجتمع الليبي من خلال امثاله الشعبية) (تأليف علي مصطفى المصراتي) و(الشعب المصري في امثاله العامية) (تأليف ابراهيم احمد شعلان) . وربما كان هذ التأكيد صحيحاً - موضوعياً وعلمياً - ولكنه قد لا يكون كافياً - تاريخياً وعلمياً - ومما لا شك فيه انها (أي الامثال الليبية والمصرية) مع مرور الزمان اكتسبي صبغة محلية (أي اصبحت تنطق بلهجة محلية) فاستوعبتها الجماهير الشعبية في كل بلد سيكولوجياً وسسيولوجياً وتقليدياً كأقوالها القومية الخاصة التي تتحدث فقط عن بيئتها المحلية . وذلك يخص الاغلبية الساحقة من الامثال العامية المحلية التي لها جذور عربية واحدة مشتركة الاصل .
ويتضح من ذلك ان واجب كل باحث فولكلوري هو ابراز هذا التوارد للامثال ومن ثم تفسير اسباب تغيراتها المتتالية وفقاً لظروف تاريخية اجتماعية جديدة في كل بيئة حديثة . ومن جهة اخرى نجد بين الامثال العامية لكل بلد أو مدينة عدداً لا يستهان به من نماذج مثلية بحتة نشأت في هذه البيئة وتتحدث عن تاريخها الخاص وخصائص حياتها لا يعرفها ولا يستعملها إلا اهالي هذه البيئة . وبالمناسبة نشير الى ان من تقاليد الدراسات الفولكلورية تقسيم الامثال الى مشتركة عامة ومحلية خاصة . واستناداً على هذا المبدأ العلمي قد نستطيع اذن ان نقول بأن الامثال العامية لكل بلد عربي تتألف من قسمين : من امثال مشتركة (وهي منتشرة ومعروفة في البلدان العربية) ومن امثال محلية (وهي التي نشأت في بيئة معينة وتسير في حدودها فقط) وهذه الاخيرة قد تكون حديثة وقديمة ومن الامثال الحديثة المولودة في القرن العشرين في العراق اقوال تعبر الجماهير الشعبية فيها عن استهزائها وسخريتها من السيطرة البريطانية الاستعمارية (شيكلك كله يس) (هز لندن ضاري وبجاها) (14)(هلهوله للجاتل لجمن) (15). وبين امثال البصرة خاصة نرى نرى المثل التالي الذي يذكرنا بحوادث البصرة سنة 1914 عندما فرض الاحتلال البريطاني للبصرة بالقهر والقوة (القوة تاخذ البصرة) والمعنى منطق القوة لا يرد إلا بقوة اعظم منه(16). والمثل الليبي (التريس - أي الرجال - ماتت يوم السبت) يحي في ذاكرتنا (معارك خالدة خاضها الشعب الليبي ضد قوات الاستعمار الايطالي وكانت تشرف تاريخ البطولات والكفاح ، واستشهد فيها الكثير من الشباب والرجال)(17). وذلك ما حدث ابان الحرب التي شنتها ايطاليا في خريف سنة 1911 لغزو طرابلس الغرب وبرقة التي وصفها لينين (كحرب استعمارية نموذجية لدولة متمدنة في القرن العشرين)(18)وكانت مجزرة دموية للسكان الامنين قتل المعتدون الطليان خلالها 14800 وشنقوا الف عربي ، فلنختم حديثنا عن الامثال المحلية بتقديم مثلين من مصر احدهما قديم وهو (ديار مصر خيرها لغيرها) وقد انتشر هذا المثل (عندما كان المحتل ينهب خيرات البلاد لصالحه ولصالح بلاده ، وقد ذاقت مصر مرارة الحرمان سنين طويلة فمن العثمانيين الى الفرنسيين الى الانكليز الى ان قامت ثورة مصر في 1952 وحررت البلاد من الاحتلال وحكامها الغرباء)(19).
والمثل الثاني هو حديث العهد اذ ظهر بعد الثورة (العرق في التدريب يوفر الدم في المعركة) سمعه الاستاذ ابراهيم احمد شعلان من احد الجنود الذين عادوا من معركة حزيران 1967 ويدعو المثل الجندي المصري الى ان يستميت في التدريب ويخلص في التعليم لكي يستعد استعداداً كاملاً لخوض المعركة(20) وهذا ما يخص الامثال المحلية .
2- الامثال المشتركة :
ان غرضي من هذا البحث دراسة الامثال المشتركة ذات الاصول المتشابهة . وفي عملنا هذا استفدنا كثيراً من المواد المثلية والافكار الواردة في الكتب المذكورة انفاً كما اعتمدت على الامثال العربية التي جمعها ونشرها العلماء ابتداءً من الشيخ محمد عباد الطنطاوي حتى المستشرقين المعاصرين وكذلك لجأت هنا الى بعض الامثال التي سمعتها وجمعتها .
ونجد في الابحاث الفولكلورية الحديثة اراء أو منطلقات علمية مختلفة في تقسيم الامثال العربية . ويعتمد بعض العلماء على المبدأ التاريخي - كما ورد في بحث ابراهيم السامرائي - اذ قسم الامثال العربية الى قسمين : الامثال الجاهلية والامثال الاسلامية ، ثم يرى ضرورة تقسيم الامثال جغرافياً الى امثال جاهلية عراقية وامثال جاهلية حجازية وامثال جاهلية يمانية .. الخ ، أو اجتماعياً الى امثال البادية والحاضرة(21) اما المبدأ اللغوي او بالاصح المبدأ اللغوي التاريخي الاجتماعي الثقافي . فانعكس هذا في تأليف عبد الرحمن التكريتي من خلال تقسيمه الامثال العربية الى فصحى وعامية(22) ومن الاراء الاخرى التي تبرز شتى الاقسام المثلية حسب اختلاف طرق نشأتها وتباين مضامينها نورد على سبيل المثال قول عبد اللطيف الدليشي بأن المثل الشعبي (منه ماهو مقتبس في معناه من آيٍ من القرآن الكريم ، أو الحديث النبوي الشريف أو المثل الفصيح ، أو ماهو محرف في لفظه من المثل الفصيح ايضاً ، كما ان منه ما يعتمد في معناه على احداث تاريخية واجتماعية معينة . أو ابطال لهم شهرتهم بالشجاعة أو الكرم أو الوفاء والايثار)(23).
ما هي اذن الطرق الرئيسية لنشوء الامثال العامية الطرق التي سببت التشابه فيها ووحدتها ؟ ان الطريق الاول والاساسي لنشأة اكثرية الامثال ينبثق من تجربة الحياة الاجتماعية التاريخية للجماهير الشعبية(34) واكد الباحثون هذه الفكرة اكثر من مرة واشاروا الى ان (المصدر الحقيقي للامثال في كل العصور وفي كل مكان هو الشعب)(25)والشعب هو الذي يتخذ امثاله من صميم واقعه(26) وانها أي الامثال نتاج الابداع الجماعي لاجيال كثيرة واكثر الامثال لا يعرف قائلها ولا تاريخ منبعها (27) فامثال هذا القسم المتماثلة في مختلف البلدان العربية والاقاليم لا تزال متشابهه وان كانت تختلف في بعض اجزائها وفي نتيجة انتشارها التاريخي في مناطق جديدة وتحت تأثير اللهجات العربية المحلية .(28)
1- بغداد : الجمل لو يشوف حدبته جان انكسرت ركبته .
سوريا : الجمل لو شاف حردبته كان يقع يكسر رقبته .
نجد : الجمل ما يشوف سنامه .
المغرب : الجمل ماكيشوفشي احدبتو .
2- نجد : اذا كان رفيقك عسل فلا تلحسه كله .
بغداد : اذا كان صاحبك حلو لا تاكله كله .
الجزائر : اذا كان حبيبك عسل ما تاكله شي كامل .
3- بغداد : ايد وحدة متصفك .
فلسطين : الايد الوحدة ما بتزقف .
نجد : الايد الوحدة ما تصفق .
ويجب علينا ان نعلق اهمية خاصة على اقوال العلماء القدماء الذين ذكروا استعمال بعض الامثال في اوساط العوام ونرى ان عبد ربه والطالقاني والزمخشري نسبوا الى العامة مجموعة من امثال زمانهم ومنها يستعمل في العراق (يضرب على حديد بارد) (اللي تعضه الحية يخاف من الحبل) .
وهناك امثال شفاهية الاصل قديمة جداً وبينها ما ظهر قبل الاسلام وكذلك عدد كبير ولد مع انتشار الثقافة العربية الاسلامية والفرائض والمراسم الدينية (بع ما شاب ودوا للكتاب) بغداد ، (صام صام وفطر على بصلة) مصر.
والطريق الثاني لنشوء الامثال العامية ينبع من مصادر مختلف الفنون للتراث الفولكلوري بالذات وهي مصادر قديمة غزيرة شفاهية المنشأ ، مدونة وغير مدونة ، تجسمت في حكايات وقصص قديمة خرجت منها ، امثال واقوال تداولتها الالسن فناً مستقلاً من الفولكلور وكل ما وصلنا من العهد الجاهلي يروى عن الحياة الاجتماعية والقيم الجاهلية وخاصة عن الشخصيات الجاهلية القديمة التي نقلت عنها اقوال وامثال مثل اكثم بن صيفي أو لقمان الحكيم أو انوش بن لاشيت بن ادم وغيرهم(29)والمأثورات الشعبية لهذا العهد والعهود المتتالية اصبحت اساساً وعنصراً مشتركاً اخر للامثال العامية ، فالملاحم التي وردتنا عن قصص الف ليلة وليلة أو عنترة وسيف بن ذي يزن والسيرة الهلالية والظاهر بيبرس تمثل انعكاساً اجتماعياً ونفسياً للمشاعر المتكونة(30) عبر العصور وعلى سبيل المثال نذكر بعض النماذج المثلية عن عنترة بن شداد وحاتم الطائي :
1- بغداد ونجد : اشجع من عنتر
مصر : افرس من عنترة
2- نجد : اكرم (أو اضحى) من حاتم الصخي
بغداد والكويت : اكرم من حاتم طي
ومما ينسب الى لقمان نعرض هذين المثلين بلفظ بغداد ولهما نظائر متداولة في السعودية ومصر وسائر البلدان العربية : لو سئلوك كول ما ادري.
- تبعد عن الشر تسلم .
واصبحت الاقوال السائرة التي ولدت من ضمن القصص والنوادر الجاهلية بمثابة جسر فكري طريف يوصلنا الى ذلك الزمان الغابر ويطلعنا على عقلية سكانه واصبحت اليوم تراثاً مشتركاً لجميع العرب .
1- العراق : لا تعلم اليتيم عالبجي .
المغرب : لا توصي يتيم على بكاه .
2- سورية : يركض على القمر يحسبه رغيف .
العراق : يركض ورة الكمر عباله رغيف .
ويعتقد التكريتي ان اصل المثل الشعبي هذا مأخوذ من حكاية قديمة عن امرأة عربية تسمى حومل جوعت كلبتها حتى جعلتها تنبح على القمر لانها ظنته رغيفاً لاستدارته .(31)
2- العراق : رجع بخفي حنين (قصة اسكافي بالحيرة) .
فلسطين : غاب حولين ورجع بخفي حنين .
ومن البداهة ان النوادر والشخصيات الفكاهية المشهورة اغنت كذلك كنوز الامثال باقوال حكيمة ومؤثرة تارة وباوصاف مضحكة لاذعة تارة اخرى نخص هنا بالذكر نوادر جحا ومنها (قازوق جحا) ، (مسمار جحا) الخ.
اضف الى ذلك امثالاً عديدة استقيت عن القصص التي وردت على السنة الحيوانات .
•1- البادي اظلم ويعود المثل الى قول اكثم بن صيفي الجزاء بالجزاء والبادئ اظلم .
•2- مثل جلب الحداد ميكعد على دك الجواكيج . ذلك بلفظ بغداد وتشابهه الصيغة الفلسطينية (مثل كلب الحداد ما بيقوم إلا وقت الاكل) .
ولا يخفى على احد ان الامثال العامية تستعمل كثيراً في الشعر الشعبي وتزينه والشعر بدوره انجب كثيراً من الامثال . هاك نموذجاً واحداً من هذا القبيل (بلفظ بغداد) .
ما طول (أو مادام) كهوة وتتن كل الامور تهون .
واورد التكريتي في كتابه الوافي هذين البيتين الشعبيين ينبوعاً للمثل :
ما طول كهوة وتتن كل الامور تهون
وفنجان عكب العشا ونعمر الغليـون(32)
والطريق الثالث لنشوء الامثال العامية يتدفق من صفحات مؤلفات الادب الرفيع شعراً ونثراً وهي امثال قديمة ايضاً ولكنها كتابية المنشأ . خلقت في بادئ الامر باللغة الفصحى ثم نقلت الى مجال العامية التي استوعبتها وطبقتها جزئياً أو بالكامل ، واحتفظت بسلامة شكلها الفصيح السابق وامثال هذا القسم عنصر مشترك اخر يدل على وحدة المأثورات الشعبية في الوطن العربي . والجزء منها يعرف قائلوها . ويعتبر بعضها من امثال المثقفين وبعضها الاخر سائر في البيئة الشعبية الواسعة . نكتفي هنا بتقديم عدة نماذج من هذا الصنف :
•1- اليوم خمر وغداً أمر - قاله امرؤ القيس .
•2- ما اشبه الليلة بالبارحة - وهو عجز بيت لطرفة بن العبد ، اوله (كلهم اروغ من ثعلب) .
•3- ما كل ما يتمنى المرء يدركه - وهو بيت شعر للمتنبي .
•4- البراطيل ترزح بالاباطيل - قاله الزمخشري واصله الفصيح : ان البراطيل تنصر الاباطيل .
غير ان الكثير من هذه الامثال الكتابية المنشأ لا ينسب الى أي اثر أو اديب معين وتتجلى صيغتها المنشئية من اول قراءة أو سماع لانها متمسكة بالاعراب وصيغة الفعل المجهول وترتيب الجملة والالفاظ الفصيحة وفي بعض الاحيان نجد الى جانب ذلك صيغة عامية خالصة .
1- في العراق ومصر : ما كل ما يعلم يقال .
بغداد : موكل حجي ينحجي .
مصر : مش كل اللي يعرف يقال .
2- من علمني حرفاً ملكني (صرت له ، كنت له) عبداً .
3- العين بصيرة واليد قصيرة .
وينبغي ان نضيف الى ما قلناه ان بين مجموعة الامثال العامية كتابية الاصل مكانة خاصة لتلك الامثال التي اقتبست من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والسير الدينية فالاسلام لعب ويلعب دوره الكبير في المجتمع العربي وتنعكس في هذه الامثال العقائد والقيم الدينية والتقاليد والتعاليم الاسلامية : فالاصول القرآنية في كثير منها :
•1- ما على الرسول إلا البلاغ المبين (سورة النور : 24)
•2- عند الله ميضيع - اصله اية من سورة التوبة (ان الله لا يضيع اجر المحسنين) .
•3- الظن يوديّ جهنم - وفي القرآن (ان بعض الظن اثم)
وتستعمل حتى اليوم في اعمق الفئات الشعبية امثال عديدة ، لها اصول قالها النبي محمد (ص) ومما يتمتع بشعبية واسعة هذه اللآلي :
•1- الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق .
•2- اطلب العلم ولو في الصين - قال النبي محمد (ص) : اطلبوا العلم ولو بالصين فان طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة .
•3- العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن .
•4- ساعة لقلبك وساعة لربك (سورية - مصر - العراق) .
ويدل تاريخ هذه الامثال على انه كان لبعضها اكثر من مصدر أي انها تعود الى اسفار الاديان الاخرى فضلاً عن ارتباطها بالاثار الاسلامية :
1- بيت الظالم خراب - من الاية الكريمة (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)
وفي التوراة (من يظلم يخرب بيته) (33)
2- يشوف الكشاية بعين غيره وميشوف الجذع بعينة (بلفظ بغداد) .
وجاء في الانجيل (كيف تبصر القذاة في عين اخيك ولا تبصر السارية في عينك) .(34)
واثناء حديثنا عن المثلين الاخيرين طرقنا موضوعاً أو طريقاً جديداً عن اقتباس الامثال الدخيلة أي الاجنبية وهذه العملية مستمرة طوال القرون نتيجة لتأثر الثقافات وتعاون الشعوب ، فيرجع المثل (تمخض الجبل فولد فأراً) الى خرافات ايسوب (القرن السادس قبل الميلاد) ، وينسب الى قول بلينوس المثل التالي (مثل حمار الطاحون يدور ولا يتعدى مكانه) بلفظ نجد . وفي العصر الجديد لا تزال تدخل العربية الفصحى واللهجات امثال وتعابير من اللغات الاوربية الحديثة (فرق تسد) ، (حبر على ورق) و(دموع التماسيح) الخ .
الخاتمة
لقد حاولنا ان نعالج جانباً واحداً فقط من قضية تشابه واشتراك الامثال العامية وهو جانب المنشأ والمضمون وفي اعتقادي ان القضية تحتاج لاكتمالها الى البحث في جانبين اخرين ، احدهما لغوي وثانيهما ادبي فني . فلمسنا بعض الخصائص اللغوية في سير تحليل النماذج المذكورة . والنقطة المبدئية التي يجب ابرازها هي ان هذه الامثال القديمة تقال بلهجات عربية الاصل والتكوين لهجات ابناء الضاد وان كانت تختلف عن الفصحى .
وتتباين فيما بينها باختلاف البلدان والاقاليم . هناك امثال متشابهه تماماً في جميع اللهجات والبلدان (صباح الخير يا جاري انت في دارك وانا في داري) (النار ولا العار) ، (القرد في عين امه غزال) الخ . مع ذلك نلاحظ في اغلبية الامثال المتشابهه فروقاً لفظية ونحوية لا يمكن اهمالها . من اروع الدلائل على هذا الواقع المثل البغدادي التالي مع نظائره من البلدان العربية الاخرى :
(اشتغل بباره وحاسب البطالة) قالب المثل هو في كل مكان ، ولكن المترادفات تتبدل . فتحل محل (بارة ، فلس) أو كلمات اخرى دانق وقفصي في تونس : بيزه - في نجد والكويت : مصريه وفلس وقطعه في لبنان : خمس وخمسه في السودان : كثرت اسماء العملة في امثال مصر وهي جديدة قرش ، عشره ، نص ، صولدي ، ميدي ، اما فعل الامر فيقال اخدم - في تونس والسودان : اشتغل ، في سورية ولبنان : اعمل في مصر كد في الكويت : خذ في نجد .
انا على يقين من ان دراسة الجانب الادبي الفني والاجتماعي للامثال العامية يكشف عن العناصر المشتركة في وسائل التعبير والاشكال البلاغية والتشبيه والاستعارة والمجاز والطباق والمبالغة ، كذلك في الايقاع الموسيقي والقافية والاوزان . ولكن كل ذلك موضوع لبحث خاص . ونكتفي هنا بالاشارة الى المحاولات الاولى الناجحة في كل من الكتابين بقلم مزهر نعمان الدوري عن الامثال الشعبية العراقية(35) وبقلم عبد الوهاب ناليبابيف عن الامثال الشعبية الليبية .(36)
هذه هي بعض اللمحات المتواضعة عن عمق الجذور واشتراك العناصر للفن المهم من فنون التراث الشعبي العربي الذي كان وما يزال مفخرة للعرب وتعبيراً صادقاً عن افكارهم وامالهم .
المصادر :
•1- اورده خان صاحب عبد الله يعقوب خان في كتابه : قاموس الامثال العدنية ، الطبعة الثانية ، مطبعة ابراهيم راسم ، عدن ، 1958 ، ص.د .
•2- ابراهيم احمد شعلان : الشعب المصري في امثاله العامية ، القاهرة ، 1972 ، ص5 .
•3- محمد عبد الغني حسن وعبد السلام العشري : من امثال العرب ، مطبعة مصر ، القاهرة ، 1958 ، ص4 .
•4- محمد قنديل البقلي ، صور من ادبنا الشعبي أو (الفولكلور المصري) ،1962 ، ص111 .
•5- ابراهيم احمد شعلان ، الشعب المصري في امثاله العامية ،مصدر سابق ، ص49 .
•6- الميداني مجمع الامثال ، مقدمة المؤلف ، القاهرة ، 1352هـ ، ج1 ، ص9 .
•7- احمد امين ، قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية ، القاهرة ، 1953 ، ص61 .
•8- احمد رشيدي صالح ، فنون الادب الشعبي ، القاهرة ، 1956 ، ج2 ، ص6 .
•9- انظر جلال الحنفي : الامثال البغدادية ، بغداد 1962 ، ج1 ، ص13 : وابراهيم احمد شعلان الشعب المصري في امثاله العامية ، مصدر سابق ، ص45-46 .
•10- لطفي الخوري . وحدة التراث الشعبي في الوطن العربي ، مجلة التراث الشعبي ، عدد 9ايار ، 1970 ، ص3 .
•11- تقرير للاستاذ الدكتور عبد العزيز الاهوني ، في كتاب محمد قنديل البقلي ، وحدة الامثال العامية في البلاد العربية ، المطبعة الفنية الحديثة القاهرة ، 1968 ، ص7 .
•12- عبد الرحمن التكريتي ، الامثال البغدادية المقارنة مع امثال احد عشر قطراً عربياً ، بغداد ، 1966 ، ج1 ، ص13 .
•13- علي مصطفى المصراتي ، المجتمع الليبي من خلال امثاله الشعبية ، الطبعة الثانية ، طرابلس - ليبيا ، 1972 ، ص15 .
•14- اوردها د. مزهر نعمان الدوري في كتابه الامثال الشعبية العراقية (التحليل الفكري والادبي) ، موسكو ، 1979 .
•15- لجمن ضابط بريطاني ، كان حاكماً عاماً لولاية دليم قتل في اب سنة 1920 ، اثناء الثورة الوطنية للشعب العراقي .
•16- عبد اللطيف الدليشي ، الامثال الشعبية في البصرة ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1972 ، ج2 ، ص327 .
•17- علي مصطفى المصراتي ، المجتمع الليبي من خلال امثاله الشعبية ، ب ت ، ص96 .
•18- ف .1. لينين ، نهاية حرب ايطاليا مع تركيا - (المجموعة الكاملة) ، ب ت ، المجلد 22 ، ص113 .
•19- محمد قنديل البقلي ، وحدة الامثال العامية في البلاد العربية ، ص153.
•20- ابراهيم احمد شعلان ، الشعب المصري في امثاله الشعبية ، مصدر سابق ، ص86 .
•21- د. ابراهيم السامرائي ، في الامثال العربية ، مجلة التراث الشعبي ، بغداد ، العدد 2-3 ، 1975 ، ص13-42 .
•22- عبد الرحمن التكريتي ، الامثال البغدادية المقارنة ، ج1 ، مصدر سابق ، ص18 .
•23- عبد اللطيف الدليشي ، الامثال الشعبية في البصرة ، مصدر سابق ، ص6 .
•24- فلاديمير انكين ، الامثال والاحاجي الروسية وفولكلور الاطفال موسكو ، 1957 ، ص34 .
•25- ابراهيم احمد شعلان ، الشعب المصري في امثال العامية ، مصدر سابق ، ص17 .
•26- مزهر نعمان الدوري ، الامثال الشعبية العراقية ، دار المأمون للنشر، ب ت ، ص35 .
•27- احمد امين ، قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية ، ص72 .
•28- اخترنا نماذج الامثال من مؤلفات التكريتي ، والحنفي ، وشعلان ، والمصراتي وغيرهم من اصحاب كتب ومجاميع الامثال الشعبية العربية.
•29- د. ابراهيم السامرائي - مصدر سابق ، ص312 .
•30- د. هاني الحمد ، الامثال المتشابهة وعناصر التشابه في امثال الامة العربية ، مجلة التراث الشعبي ، العدد 6 ، 1974 ، ص11 .
•31- عبد الرحمن التكريتي ، الامثال البغدادية المقارنة ، ج4 ، ص453 .
•32- نفس المصدر السابق .
•33- محمد قنديل البقلي ، وحدة الامثال العامية ، مصدر سابق ، ص210 .
•34- عبد الرحمن التكريتي ، الامثال البغدادية المقارنة ، ج4 ، ص261 .
•35- نفس المصدر السابق .
•36- عبد الوهاب تاليباييف ، الامثال الشعبية الليبية ، موسكو ، 1970 .
التعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق