الأمثال العامية
الأمثال العامية
- محمد حسين اليوسفي
لنبتعد قليلاً عن الموضوعات الدسمة، ولنرفه عن أنفسنا بقليل من المسائل الطريفة التي تناسب ما نحن فيه هذه الأيام من أجواء الامتحانات النهائية، وما يقترن بها من توترات نفسية، فضلاً عن تزامنها مع مباريات كأس العالم التي تجري للمرة الأولى على أرض القارة السمراء.
ولنطلع على شيء محبب إلى النفس، كالكتاب الذي بين يدي والذي وضع قبل قرن تقريباً لينقل لنا صاحبه أحمد تيمور باشا «الأمثال العامية» الدارجة في مصر، وليعلق عليها بتعليقات طريفة.
والحق، أن الأمثال هي تكثيف لخبرة الإنسان الاجتماعية وتجاربه ومواقفه، والعبر والدروس التي استخلصها. وهي تعكس عقلية المجتمع وتصوراته وقيمه، موضوعة في قالب سجعي يسهل تداوله وحفظه ونقله من جيل لآخر.
ولا شك أن الأمثال المصرية أكثر شيوعاً بين العرب، لما اضطلعت وتضطلع به مصر من دور مركزي في دنيا العرب، فمن منا لم يسمع بالمثل المصري الطريف: «امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة»، أو «أكل ومرعى وقلة صنعة» و«اللي يجَّوِّز أمي أقول له يا عمي»، وغيرها الكثير الذي لا يعد.
والمتابع للأمثال المصرية يجد الكثير منها مشتركاً مع أمثال أقطار عربية أخرى، بالذات الأمثال الخليجية، إما نصاً (إن كبر ابنك خاويه) و(بعد ما شاب ودوه الكُتَّاب) و(الجود من الموجود) أو بألفاظ مستقاة من البيئة، كقول المصريين: «إن وقعت البقرة تكتر سكاكينها» في مقابل «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه» و«أقول له ثور يقول احلبه» وتقال محلياً «أقول له تيس يقول احلبه».
أو بصيغ قريبه كقولهم: «إن كان صاحبك عسل ما تلحسوش كله» وقولنا: «إذا صار إرفيجك حلو لا تاكله كله» و«اللي في الدست تطلعه المغرفة» وعندنا «اللي بالجدر يطلعه الملاس». وهذا يدل على تواصل ثقافي عميق بين الشعوب العربية من مشرقها إلى مغربها.
وتحوي تلك الأمثال جميع أوجه الحياة ومظاهرها، والعبر التي خرج بها الإنسان المصري في تاريخه الضارب في القدم. فعرف كسب الولاء والأتباع: «اطعم الفم تستحي العين» و«اضرب الطاسة تجي لك ألف لحاسة»، وشدد على التضامن الاجتماعي، أو بلغة ابن خلدون «العصبية»، ف«آخذ ابن عمي واتغطى بكمي» و«أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب».
ثم هو يدعو إلى العزة والأنفة ف«اللي يعمل ظهره قنطره يستحمل الدوس» و«اللي يربط في رقبته حبل ألف من يسحبه»، وذاك «اللي يخاف من القرد يركبه». بيد أن الواقعية أيضاً مطلوبة، خاصة في تقلب الزمان والأحوال، لذلك فمن الحكمة أن «أرقص للقرد في دولته»! آخذين بعين الاعتبار أن «العين ما تعلاش على الحاجب» و«اللي يبص لفوق توجعه رقبته».
وتنهي الأمثال المصرية عن سوء التدبير، فيقول أحدها: «بدال اللحمة والبدنجان هات لك قميص يا عريان»، وتحث على الكسب والكد والنجاح: «اللي تغلب به العب به»، وترفض التحجج بالظروف ذلك أن «اللي ما تعرفش ترقص تقول الأرض عوجه».
والإنسان لا يشبع ولا يكل ما بقي حياً، ف«ما يملا عين ابن آدم إلا التراب» و«البقة تولد ميه وتقول يا قلة الذُّرِّيه». والسبيل إلى النجاح هو في حسن المعاملة، ف«اللي يبص لي بعين أبص له بلتنين»، والإعراض عن السفهاء «إن كان بدك تنكيه اسكت وخليه»، والابتعاد عن الكذب، حيث «ما ينوب الكذاب إلا سواد وشه»، وتحمل الإنسان لتبعات أعماله، ف«اللي ينزل البحر يستحمل الموج».
وتأخذ المرأة حظها من الأمثال المصرية، حيث يشير أحدها إلى أنها «حطت عجلها ومدت رجلها» (بمعنى أنها رزقت بطفل وتحسنت مكانتها عند زوجها وأهله)، و«إن لبست خيشه برضها عيشه» و«إن طار ما طار يفضل منه قنطار»، والمثلان يضربان للمرأة الجميلة، حيث مهما لبست فإنها تبدو جميلة، ومهما كبرت يظل فيها شيء من الحسن. أما القبيحة ف«ايش تعمل الماشطة في الوجه العكر».
ولا تنسى الذاكرة الشعبية الطبقات والمراتب والمقامات، وهي ظاهرة واضحة المعالم في الحياة الاجتماعية، فينص أحدها على «إن طلع من الخشب ماشه يطلع من الفلاح باشا».
وآخر يضرب لمن يتظاهر بالعظمة، حيث يقول: «أمه عياشة وعامل باشا»، وثالث يعير حديث النعمة بقوله: «امتى طلعت القصر قال امبارح العصر».أما أطرفها فيقول: «إللي يعرف الشحات بابه يا طول عذابه».
كاتب وأكاديمي كويتي
alyusefi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق