"من يثر عش الدبابير، عليه أن يجيد الركض" (مثل سنغالي)، "اعبر النهر قبل أن تبدأ في التهكم على التمساح" (مثل كونغولي) "السمك يثق بالماء، لكنه هو ذاته الماء الذي سيطبخ فيه" (بوركينا فاسو).
يمثل عالم الحيوان رافداً رئيساً للخطاب المجازي الذي يُغذي الأمثال الشعبية للقارة السمراء. صور وتشبيهات تنعكس على الإنسان الإفريقي، تشير إلى الكبرياء طوراً وإلى رفعة الذوق طوراً آخر، يجد المحبون للبلاغة الشفاهية متعةً لا تضاهيها متعة، في استنباطها وتداولها.
"إذا تبعك النحل، فهذا يعني أنك أكلت عسلا"، على غرار ما يميز هذا المثل الغابوني، تجمع الإنسان والحيوان في إفريقيا علاقة تكاد تكون عضويةً، باعتبارهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بحكم القرب الجغرافي والبيئي، ولكن بشكل أخص، بفضل الارتباط الوجداني و القدسي بين العالمين.
ويعتبر ادموند بيلووا، رئيس قسم اللغات الافريقية واللسانيات بجامعة "ياوندي" بالكاميرون، أن هذا الرابط الجوهري هو الذي يبرر اللجوء إلى استحضار الحيوان في الأمثال الافريقية.
"بيلووا" يحلل هذه الميزة قائلاً: "اعتدنا في ثقافاتنا الاعتماد على مرجعية الحيوانات التي تقاسمنا حياتنا اليومية، لذلك فنحن نشخص هذه الحيوانات في أمثالنا من أجل رسم صورة أكثر وضوحا، وتقريبها للإنسان."
في المجتمعات الإفريقية، حيث تسيطر ثقافة المشافهة يربط الناس بين إتقان فن الكلام وبين الاستخدام الذكي والمناسب لهذه الأمثلة التي تهدف إلى إسداء نصيحة، أو نقل موعظة، أو بثّ معرفة. وتمكّن شخصنة حيوانات البراري والغابات والصحاري من الكشف عن سلوكيات إنسانية، من خلال طرح واستحضار مواضيع الحسد والسخرية والجشع والحب والصبر، إلى غيرها من المواضيع، ليتمّ تقديم حكمة تحت غطاء الهزل.
هي أمثال من نوع: "القرد الذي لا ينظر إلى مؤخرته، يسخر من القردة الآخرين" (مثل أثيوبي)، و"روث الدجاج يظل قصرا ذهبيا بالنسبة للديك رغم عطونة المكان" (مثل إيفواري)، فضلا عن أن "نقيق الضفادع لا يمنع الفيل من الشرب" وأيضاً "جميع القطط تنبش في القمامة، ولكن القطط المتهورة فقط هي التي تسقط داخلها"
جميعها أمثال تتوالى لتكشف عن طبيعة بشرية رسمت ببراعة، في أدق تجلياتها ومن خلالها ينطق اللسان الإفريقي أثمن الحكم و يأخذ أكثر الدروس قيمة. وتتجلى القراءة على مستويات عديدة لمتلقّي هذه الرسائل، فهذه التفاعلات اللفظية ممتلئة بالهزل والسخرية والحكمة، ترسم ما تكتنزه الذات البشرية من صفات الغيرة والطمع و قلة صبر.
ويقول "جيرومي ياوو كوواديو"، أستاذ محاضر بجامعة "الحسن واتارا"، بمدينة بواكي وسط كوت ديفوار:"نحن لانزال نعيش في ثقافة المشافهة، ثقافة تتبوّأ الحيوانات والنباتات فيها مكانة بارزة. نحن نلجأ إلى ميزات الحيوان لتمرير رسالة ما."
ويوضح أستاذ علم الأمثال بالجامعة الإيفوارية قائلاً :"يجب أن نفهم المثل وأن نعيشه، المثل هو زهرة اللغة، المثل هو أيضا تعبير جديّ يترجم الحكمة، وهو ميزة الحكماء.".
ويعتبر ديارا ياكوبا، المشهور بـدجيلي، مغني المدائح والأذكار حسب شعوب "المالينكي" المنتشرة غرب القارة الإفريقية، أحد هؤلاء الحكماء الذين يحتفظون بفن الأمثال ويرددونها. ويتميز ديارا ياكوبا بإتقانه لفنّ الكلمة.
يقول دجيلي الذي يعمل إسكافياً بسوق "آهوقنانسو" بمدينة بوكي: "تعود مصادر الأمثال الافريقية الى حقبة النبي محمد، الذي عفى عن "سرقاطة"، الكافر الذي كُلّف بقتله وفشل في محاولته ثلاث مرات، مما جعله يصبح من أتباعه (صحابته)، وصار منشداً يذكر المآثر التي أنعم الله بها على نبيّه. من هنا استمدّ فن المدح والذكر جذوره. ففي فن المدائح تكون الكلمة من القلب، نتعلّم الأمثال ونتداولها جيلا عن جيل."
ويستنكر البروفيسور ادموند بولووا، تقلّص تداول الأمثال في عدد من المناطق الإفريقية، رغم أنه موروث ثقافي مقدس، قائلا في هذا الصدد: "في المناطق الريفية بالكاميرون، حيث تعتبر نسبة التمدرس ضعيفة نسبيا، يتزايد تداول استعمال الأمثال من قبل المتساكنين حتى الشبان منهم، في حين أن تأثير الغرب أثر على استعمال اللغات الإفريقية في المناطق الحضرية التي تتميز بالتمدرس، وبالتالي على أصبح خطر الاندثار محدقا بالتقاليد الشفاهية في هذه المناطق."
ويرى البروفيسور كواديو أن هناك عدداً من الأمثال ستبقى محتفظةً بأهميتها خلال مدة زمنية أخرى، على غرار "يبثّ الفهد الرعب، حتى وإن فقد أنيابه"، أو"رجل بلا إمرأة، كسلحفاة دون قوقعة"، أو "من تعرض إلى عضة ثعبان، يخشى حتى من اليرقة".ويقول البروفيسور:" رغم الحداثة ،فإن إندثار الأمثال لن يكون أمده قريباً، لأن الأمثال تعيش بالمشافهة، والكلمة هي التي تصنع المثل الإفريقي."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق