مجلة شهرية - العدد (524) | مايو 2020 م- رمضان 1441 هـ
الليمون والبرتقال في الأدب الشعبيلعبت الحمضيات دوراً بارزاً في إثراء الآداب والفنون والثقافة الشعبية في مصر والعالم العربي مما ذاع صيته وصار من العلامات البارزة والفارقة في بعض الأناشيد والأغاني القومية والعاطفية والاستعراضية. البرتقال والليمون في ألعاب وأغاني الأطفال الشعبية منذ قديم الأزل ساهمت ألعاب الأطفال وأغانيهم الشعبية في احتفالات عيد الفطر المبارك، حيث يخرج الأطفال قبل العيد بيومين أو ليلة العيد (الوقفة) وينشدون أناشيد جماعية تعبيرا عن فرحتهم باستقبال العيد فيقولون معاً بلهجة جماعية: يا برتقــال أصفر وجديد ... بكره الوقفة وبعده العيد يا برتقال أصفر وصِغَيَّرْ ... بكره الوقفة وبعده نِغَيَّرْ ويقصدون بـ (نغير) أي تبديل ثيابهم القديمة بثياب العيد الجديدة إعلاناً عن ابتهاجهم وفرحتهم بقدوم العيد . لعبة دوخيني يا لامونة ومن بين ألعاب الأطفال الشعبية الشهيرة أيضاً لعبة (دوخيني يا لامونة) وهي لعبة فردية أو جماعية حيث يدور كل طفل حول نفسه- أي حول محوره -ويغمض عينيه ويظل يدور ويلف بسرعة وهو ينشد:( دوخيني يا لامونة.. يالامونة دوخيني)، ويكرر هذه المقطوعة عدة مرات ويرددها بسرعة تتناسب مع سرعة دورانه وعادة ما يدخل في سباق مع زملائه.. في أكثرهم سرعة أو إطالة لفترة الدوران دون أن يشعر بالدوار ويقع على الأرض أو يخرج من اللعبة، والطفل الذي يبقى أخيراً دون أن يقع على الأرض أو يقع آخرهم هو الفائز. وهي من الألعاب الشعبية التي تكسب الطفل مهارات رياضية فيما يتعلق بحفظ التوازن والقدرة على الاستمرار، وإكسابه الشجاعة وروح التحدي والروح الرياضية عند تقبل الهزيمة. ومن ذيوع هذه اللعبة وانتشارها واعتبارها تيمة شعبية صارت تتواتر بين العامة ويتناقلونها للتدليل المختصر في الحديث عن التعب والشقاء في بلوغ هدف ما أو تحقيق مطلب فيقول كناية عن هذا التعب الذي حدث له من قبل الآخرين (ظلوا يلعبون بي الكرة ويشوطونني لبعضهم البعض ودوخيني يا لامونة) فإذا ذكر هذا المقطع فهم السامع مدى العناء الذي يحكي عنه. توظيف التيمة الشعبية لليمون في الأفلام الاستعراضية كما استخدمت التيمة الشعبية لليمون في بعض الاستعراضات في الأفلام الروائية المصرية كما في فيلم (صغيرة على الحب) وقامت ببطولته سعاد حسني مع رشدي أباظة، حيث استلهمت اللعبة الشعبية (دوخيني يا لامونة) رمزيا للدلالة على التعب والكد لكسب الخبرة الحياتية وتم توظيفها في استعراض خيالي بين الساحر والفتاة المراهقة عديمة الخبرة ليعلمها الحكمة وبعد النظر، والاستفادة من ممارسة تجارب الحياة واستقاء الخبرة ممن سبقونا. الليمون في الأغنية المصرية كما صاحبت الأناشيد العائلات في نزهاتهم وقد وظف الليمون في النشيد الغنائي، حيث صور الطبيعة الخلابة ومزج الحسي بالخيالي في قصيدة مصرية عامية شهيرة تقول: (يا ما زقزق القمري على شجر الليمون) والقمري : هو عصفور كناري جميل الصوت حلو المنظر رشيق ويشتهر بسكناه في شجر الليمون ويزقزق عليها ويصدح مغردا في الطبيعة، وحيث تجتمع عناصر سحر الطبيعة مابين خضرة شجر الليمون واصفرار الثمار وزقزقة القمري بصوته الجميل العذب ومن المؤكد أن هناك شمساً دافئة ساطعة وطقساً ربيعياً كي تشجع القمري على مغادرة عشه خارجاً للطبيعة ليسكن شجر الليمون ويغني ويزقزق متمماً للطبيعة اكتمال سحرها، وقطعا هناك جدول أو نهر وسماء صافية زرقاء، هكذا تكتمل عناصر لوحة طبيعية ساحرة فتانة ألهمت الشاعر قصيدته فأبدعها ربما تحت شجر الليمون، لتردد الناس معه: (ياما زقزق القمري على شجر الليمون). وأنشد المطرب فريد الأطرش مستخدماً الليمونة لتشبيهها بزوجته أوحبيبته أو رفيقة طفولته فقال: (يا لامونة يا حياتي... يا رفيقة ذكرياتي) وأنشد أيضاً: ( باكتب ع المفارق ... الله يعين اللي مفارق ) (باكتب على ورق الليمون... صعب البعد... ما بيهون). وغنى محرم فؤاد من أشهر أغانيه (كدنا العوازل): (كدنا العوازل يا لامونة ... وجرحنا اللي جرحونا ) (كدنا العوازل يا حبايبي ... والليلة بردت ناره قلبي) وفيها توظيف لليمونة باعتبارها تيمة شعبية استخدمت للمفارقة بين «الليمونة الثمرة» و«لامونا» الفعل نفسه (لام– يلوم– لوماً، أي عاتب، عتاباً). كما كتبت أغنية (شجر الليمون) الشهرة للفنان النوبي محمد منير فقد كانت هذه الأغنية علامة فارقة في تاريخه الفني وأول أسباب شهرته ويقول فيها: (بيني وبينك أيـام وبتعـدي ... بيني وبينك أحزان وتنقضي) (شجر الليمون دبلان على أرضه .. شجر الليمون دبلان على أرضه). تعتبر أغنية شجر الليمون من أوائل الأغنيات التي قدمها محمد منير بصوته الدافئ الحنون المتميز وتتميز بالحزن الطاغي والشجن الآسر إذ يصور أحزانه تترافق مع ذبول أوراق أشجار الليمون وكأن شجرة الليمون تحزن لحزن الشاعر، وهي من مفردات الطبيعة الجميلة التي تميز رائحة الربيع عند شم أزهارها أثناء التفتح والإثمار، ومن المعروف أن هذه الأزهار يفوح عطرها في البساتين لما تتميز به من رائحة عطرية جميلة منعشة فواحة مما يصبغ الجو والهواء كله بصبغة خاصة يُطْلقُ عليها (عبق الربيع) وهو دالة حالة على تفتح الزهور وحبور الطيور ونشاط الكائنات فهو موسم التزاوج بين النباتات والحيوانات عموما وهو موسم النشاط والحركة والإقبال على الحياة مما يساهم في سعادة وحبور الإنسان وإضفاء السعادة والبهجة على حياته، لذا عندما يغني محمد منير بصوت حزين (شجر الليمون دبلان على أرضه) فهذا الذبول يعني قمة الحزن والأسى الذي أدى إلى تحول دالة الفرح إلى دالة الحزن وهو تحول كامل من النقيض إلى النقيض. البرتقال في الأغنية المصرية من الأغنيات المصرية القديمة جداً أغنية (ياللي زرعتوا البرتقال) وتغني فيه المطربة: ( إحنا زرعنا .. وإحنا سقينا ... وآدي احنا بعد التعب جنينا دا من إيدينا ...فُــل علينا ... يا محــلا لونه بين الجــناين يا محلا شـــكله والغـصــن مايل ... يــارب كتر الـبرتقـال) الليمون في الموال الشعبي المصري من المعروف أن الموال فن شعبي أصيل يبث القيم والحكمة والموعظة من خلال معانيه وكلماته، وفي أحد المواويل الأكثر شهرة للمؤدي الشعبي الشهير شفيق جلال يفتتح مواله بحروف منها حرف اللام فيقول: (لام ... لامونة )... ويشير بأصابع يده تعبيرا عن الليمونة بصغر حجمها واستدارتها... ثم يستخدم أسلوب المفارقة في تكوين الموال فيقول: (لام ... لامونة .. (لامونا العوازل لامونا ...واحنا لم لومنا) (وقلنا لا نلومكم ولا تلومنا) نلحظ هنا المفارقة بين كلمتي «لامونة» الثمرة الحمضية، و«لامونا» الفعل من الفعل لام .. يلوم.. لوماً.. بمعنى يعاتب وهي تكسب الموال إثراء لغوياً من جراء هذه المفارقة. وفي أغنية أيضاً مستلهمة من التراث الشعبي تغني الفنانة شادية مع مجموعة الكورال المرددة خلفها وسط أشجار الليمون المثمرة وأثناء قطف الثمار: ( آه يا لاموني يا لاموني يا لاموني ... آه يـا لاموني في هواك ظلموني) ويتكرر هذا المقطع طوال النشيد، وقد تم تمثيله أيضا في أحد الأفلام المصرية في حديقة بها أشجار الليمون المثمرة. الليمون في الأمثال الشعبية والكنايات ولم تخلُ الأمثال الشعبية من استخدام مفردات الموالح، فقد استخدمت الليمونة كثمرة حمضية في الكنايات والأمثال الشعبية، التي تقرر وتدعو إلى تقبل الآخر مهما كان مختلفاً معك في الأسلوب والمنهج حتى ولو كان الإنسان رافضاً للآخر أو متقززاً منه فبعض الظروف تدعو للتعامل معه فيقال له في المثل الشعبي: (اقعد معاه وتعالى على نفسك.. واعصر على نفسك ليمونة وخلاص) وهي تعني أن الليمون لما يتميز به من طعم لاذع يفيد في تقبل بعض الأطعمة الفجة أو التي تميع النفس وتجعل الإنسان يميل للقيء والغثيان . لذا يتخذون من الوصفة الغذائية المفيدة علاجياً وصفة إنسانية للتواصل مع الآخرين وهي تنطوي على المرونة والقدرة الاجتماعية في التعامل تحت كل الظروف الصعبة. وفي الكنايات الشعبية المصرية: يشبهون الإنسان الشاحب اللون أو المريض بأنه (لونه مخطوف وأصفر مثل الليمون). وفي الأدب الشعبي الأردني يقول المثل الشعبي: (بدك سيارة ليمون تغسل زناختك) كناية عن عدم رغبة الجماعة في وجود ثقيل الظل أو المتطفل المرفوض من الجماعة. وفي أغاني الأعراس الشعبية الأردنية ينشدون: (ع اللمونة اللمونة ياهنيالك يامحمد أخدت البنت المزيونة). وفي أغاني الأعراس الشعبية المصرية تدور إحدى الأغنيات حول ثمرة «الرمان» فتقول المنشدة وتردد المرددات بعدها (يارمان ): (ادحرج واجري .... يا رُمان ... وتعالى على حجري يارُمان... دا أنا حجري حنين ... يا رُمان ... ياخدك ويميل .. يا رُمان...) وتستكمل على هذا النحو حتى نهايتها. هناك في الكنايات الشعبية ما يعبر عن الأنثى الجميلة وفق مواصفات متفق عليها مستخدمين الفواكه فيقولون: ( شفايفها مثل الكرز أو الفراولة.. وخدودها مثل التفاح.. وصدرها مثل الرمان ) الجمع بين اليوسفي والبرتقال في الأدب الشعبي الغنائي هذا وفي بعض القصائد الشعبية العامية المصرية غنت المجموعة: (يا حلاوتك يا سفندي .. يا ابن عم البرتقال) البرتقال في القصيدة الشعبية: من القصائد الشعبية الغنائية الشهيرة التي غناها محمد رشدي: ( تحت الشجر يا وهيبة ..يا ما كَلْنا برتقان) (كحلة عينيك يا وهيبة .... جارحة قلوب الجدعان ..) (الليل بينعس ع البيوت وع الغيطان ...) (والبدر يغمز للسنابل والعيدان ....) (لعيونك النايمين ومش ساءلين ) (عيون ولاد كل البلاد صاحيين ..) (تحت الشجر ...) (واقفة بتتعاجبي ببرتقانة ...) (قلبي طرح ..جواه فرح ...) (تحت الشجر ..ياوهيبة ) ويظل يتكرر المقطع طوال الأغنية : ( تحت الشجر يا وهيبة ..يا ما كَلْنا برتقان..) (كحلة عينيك يا وهيبة جارحه قلوب الجدعان ) ( تحت الشجر يا وهيبة ..يا ما كَلْنا برتقان..) نلاحظ أن مقطوعة (تحت الشجر) ينشدها كورال الرجال وترد عليهم مجموعة أخرى من كورال النساء مرددين (ياوهيبة) ومن ثم ترد المجموعة الأولى ياما كلنا برتقان.. وهكذا يظل يتردد المقطع الذي يتضمن فاكهة البرتقال -وهو من الموالح الحمضية– طوال الأغنية. وقد اشتهرت وانتشرت وذاع صيتها وأخذت هذه الأغنية وهذا المقطع تحديدا من الصيت والشهرة ما جعله مقطوعة شهيرة شعبيا بحيث يمكن أن يرددها العامة في أي وقت عند تداعيات الموقف وإذا ذكرت (وهيبة) فإن الآخر الموجود يكمل مباشرة (ياما كَلْنا برتقان ) ونفس الموقف يحدث إذا ذكر اسم وهيبة في معرض أي حديث عادي فإن الآخر يكمل على التو(تحت الشجر يا وهيبة يا ما كَلْنا برتقان). ولعل ذلك يعود للمتفق عليه في الذات الجمعية للشعب حيث ثراء الخيال الشعبي إذ تكمن في الذاكرة والمخيلة الشعبية شكل حدائق البرتقال ومنظر ثمار البرتقال البرتقالية الزاهية المتدلية بين أوراق الشجر الأخضر،وحيث يجلس تحتها الأصدقاء والعائلة والأحبة ليقطفوا هذه الثمار ويأكلوها بينما ينشدون في ذات الوقت وأثناء تناول البرتقال: (تحت الشجر يا وهيبة.. يا ما كَلْنا برتقان..)، وقد يستبدل اسم آخر بدلاً من اسم وهيبة بحسب أسماء الموجودات ومعطيات الواقع، وغالباً مايكون الموقف مرحاً مصحوباً بالفرح والابتسامات والضحك والتعليقات الفكاهية الدالة على خفة دم المصري وطيب سريرته ونقائه . في الاستعراضات الشعبية عندما قامت الثورة المصرية المباركة عام 1952م وتكونت الفرق الشعبية الاستعراضية نلحظ كيف أسهمت بدور كبير في إحياء وتأسيس المشروع القومي الناصري كبداية لتأسيس المشروع العربي الأكبر حيث أسهمت كل أجهزة الدولة في ترسيخ أفكار ومبادئ الثورة الاشتراكية والترويج لها ودعمها عبر الآداب والفنون الغنائية والاستعراضية الشعبية لما تلقاه من إقبال جماهيري شديد. ومن المعروف أن من مبادئ الثورة تحقيق العدالة الاجتماعية عبر المساواة بين فئات الشعب المختلفة، قولاً وفعلاً وقد تحقق ذلك عبر قانون الإصلاح الزراعي الذي أمم ثروات كبار الملاك (الإقطاع) وتوزيع الأراضي على الفلاحين المستأجرين بدلاً من السخرة بدون أجر، وقد أسهمت فرقة رضا الشعبية الاستعراضية في دعم الثورة ومبادئها ومن أشهر ما قدمته استعراض (فدادين خمسة.. خمس فدادين) وهو تمجيد وإشادة بقانون الإصلاح الزراعي، وفي هذا الاستعراض تقوم الفنانات المؤديات الشعبيات بذكر مقطع يتحدث عن نباتات وفواكه وخضراوات تزرع وفق آليات جديدة لتدخل ميدان الجودة والتصدير بدلاً من الاستيراد وإضافة للقطن (المحصول الرئيس)، وقد اهتمت الثورة بتنويع الثروة الزراعية بعد توزيعها لذا جاء استعراض فدادين خمسة لفرقة رضا انعكاسا واضحا مقصودا لتوجهات الثورة المباركة، وفيه تنشد الفرقة الشعبية : فدادين خمسة.. خمس فدادين... وتستحضر بعض أنواع الخضروات والفاكهة مثل الكرنب والليمون وغيرها. يهمنا في بحثنا الحالي ماهو بصدد الحمضيات والموالح وفي الاستعراض الشعبي إشارة إلى الليمون حيث تغني الفرقة معاً ويصاحبها أداء وتمثيل مع الإيقاع لإحدى فتيات الفرقة بشكل استعراضي فكاهي إلى حد كبير تنشد: (يا با يابا ع اللمونة ....... يا با يابا ع اللمونة) (وآدي مشية المجنونة ....... يا با يابا ع اللمونة) (وآدي وقفة المجنونة ....... يا با يابا ع اللمونة) (وآدي قعدة المجنونة ....... يا با يابا ع اللمونة) (وآدي نومة المجنونة ....... يا با يابا ع اللمونة) (وآدي رقصة المجنونة ....... يا با يابا ع اللمونة) ولعل ترافق الليمون عادة مع الجنون في الموروث الشعبي ونداءات الباعة يرجع لجنون أسعار الليمون، ففارق السعر كبير جداً بين الانخفاض في مواسمه، والارتفاع في غير مواسمه، مما جعل الشعب يحكم عليه بالجنون، يقصدون جنون الأسعار بين الارتفاع الشديد، والهبوط المفاجئ، كما هو الفرق شاسع بين سلوك العاقل وسلوك المجنون الذي لا يدري بسلوكه. وقد نجح هذا الاستعراض الشهير لفرقة رضا الشعبية على المستوى السياسي والفني مما دعم نجاحها، وتواصلها بعد ذلك، ومما ساهم في تأصيل التراث الشعبي المصري مما كتب لها نجاحات متوالية ومستمرة لا سيما بعد هذا الاستعراض ذي الطابع القومي الفكاهي الهادف. كما تواكبت مع نجاحات (فرقة رضا الشعبية) نجاحات أخرى لمؤديات وفنانات شعبيات اشتهرن بأداء وغناء الفن الشعبي الخالص واستلهمن معاني القصائد والأغنيات والمواويل من التراث الشعبي، فاشتهرت ليلى نظمي، وعايدة الشاعر وفاطمة عيد وأماني جادو وغيرهن . ومن الأغنيات الشعبية المشهورة جدا التي قدمتها ليلى نظمي إبان الثورة، تدعيما لمبادئها،وتواكبا مع توجهاتها القومية الاشتراكية أغنية (يا حضرة العمدة ) وتقول فيها بأسلوب الشكوى والعتاب: (يا حضرة العُمدَة.... ابنك حِميدة حدفني بالسفندية) ويصاحب الغناء تمثيل أحد الأفندية -يدل عليه ملابسه، القميص والبنطلون والجاكت- وهو يقذف باليوسفي على الفتاة باعتباره يغازلها أو يعاكسها ولا يراعي حرمتها لأنها من الفلاحات البسيطات، يدل على ذلك لهجتها الفلاحة التي تغني بها ممعنة في إتقانها لتصوير إهانتها من أصحاب الأرض والنفوذ والسلطة وهو ابن العمدة الموالي للإقطاع المتسيد للفلاحين المستأجرين. وتستكمل: (وقعت على صدري .. ضحكوا عليه زملاتُه لافندية) (يرضيك ياعمدة ؟؟ !!). يرد العمدة بصوت أجش فكاهي من أسفل شاربه الكث وهزات رأسه التي تعبر عن الرفض :(لا ..لا...لا... لآلآلآ) وتعاود السؤال الغنائي بدلال شديد مصحوب بعتاب رقيق: (عشان ابن عمدة!). ومن ثم يرد العمدة بنفس الأسلوب وهو يحرك جسمه كله بحركات الرفض الفكاهي المتفق عليه من قبل الجماعة الشعبية والمفهوم لكل العامة : ( لا..لا...لا...لا...لآلآلآ ). وهكذا تستمر الفنانة تردد هذا الكوبليه الأساسي من الأغنية بعد كل مقطع أو (كوبليه) متغير في الأغنية، مما ساهم في ذيوعها وشهرتها بين العامة والخاصة على السواء. ومن الملاحظ في هذه الأغنية الشعبية الاستعراضية أنها تنطوي -رغم فكاهتها وطرافتها- على مضامين تدعم التوجهات الاشتراكية للثورة ودعم مبادئها التي قامت من أجلها لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الطبقات الشعبية وإذابة الفوارق، وترسيخ قيم تنموية جديدة تستهدف القضاء على الفساد والمحسوبيات وتستهدف الإصلاح الشامل وحرية وكرامة المواطن. وحيث لا سيد ولا مسود، وكرامة الفتاة من كرامة الشعب وكرامة الفلاحة مثل كرامة ابن العمدة وأصحاب الأرض، وحيث لا يجوز لأحد أن يسخر من أحد لأنه أقل منه شأناً، أو أملاكاً...أو ... إلخ. هكذا انتشرت وراجت أغنية (ياحضرة العمدة ابنك حميدة حدفني بالسفندية .. وقعت على صدري ... ضحكوا عليه زملاته لافندية). وهكذا نلحظ كيف أسهمت الفواكه الحمضية في إثراء الأغاني الشعبية وكيف وظفت في الأمثال والمواويل، ولعل الدراسة بحاجة إلى إضافات تشير لفواكه أخرى وإلى آداب أخرى. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق