قيم التخلف: امثال تشجّع على السرقة
علي حسين عبيد
قد تقترب السرقة من الحالات المرضية المستعصية، لأنها تعكس مخاطرَ نفسية ومادية، تسبب تراجعا ملحوظا في القيم الاجتماعية، وتؤثر سلبا على التماسك المجتمعي، فضلا عن الإساءة لشخصية الفرد نفسه، وتعرضها للنبذ وعدم القبول والرفض، الامر الذي يؤدي بالانسان الى العزل وفقدان الثقة، وهذه خسارة للفرد والمجتمع معا، خاصة أن انتشار السرقة سوف يؤدي الى تدهور العلاقات الاجتماعية، ونشر أجواء عدم الثقة بين الجميع، وهذا يقود بدوره الى صنع وتعميق مشكلات اجتماعية خطيرة.
وما يزيد الطين بلّة، توارث وتداول الامثلة الشعبية التي تشجع على السرقة!، وهو أمر يدل على أن المجتمع نفسه، وموروثه الثقافي الشعبي، يتورط في دعم هذه الظاهرة الاجتماعية الاخلاقية الخطيرة، فالمثل الشعبي الذي يقول بصراحة صارخة ومن دون تردد أو لبس: (مال عمك ما يهمك)، هذا دليل قاطع على الترويج للسرقة من دون وجود أية نسبة حتى لو كانت ضئيلة من الرفض او التردد، بمعنى أن المجتمع نفسه يسوّغ التجاوز على اموال الطرف الآخر، الذي قد ينتمي للمال العام (الحكومي)، وهو مال وثروات الشعب، أو ربما يعود لشركة او مصنع او شخص ما من الاثرياء، ويبرر هذا المثل الشعبي سرقة اموال الغير لاسيما من الأقارب.
ومن الامثلة الشعبية التي تدل على انتشار السرقة، المثل المتداول على نحو شبه دائم بين الناس، والذي يقول: (حاميها حراميها)، وهذا المثل يؤكد أن الشخص الذي تأتمنه على أموالك هو الذي يقوم بفعل السرقة، وهذا المثل يُقال دائما بحق بعض المسؤولين والموظفين الذين يتطاولون على المال العام بدلا من حمايته، فهناك من المسؤولين من يدّعي حرصه على حقوق الشعب، وحمايته لثرواته وامواله، لكنه في الوقت نفسه يقوم بعمليات سرقة منظمة ومحترفة لهذه الثروات، لذلك يطلق الشعب على مثل هؤلاء هذا المثل، لأنه يتحول من حارس للمال العام الى سارق لثروة الشعب!.
على مستوى العلاقة بين الزوج وزوجته، هناك ظاهرة اجتماعية سادت في فترة ما، كانت فيها النساء يشجعن الازواج على السرقة، بطريقة التوريط، لذلك شاع المثل الشعبي الذي يقول: (الما يحوف مو رجال)، ومعنى مفردة (يحوف) بمعنى (يسرق)، فمن لا يسرق الاخرين وفق هذا المثل الشعبي، لا يمتلك سمات الرجولة!!، وهكذا نلاحظ خطورة مضمون هذا المثل، الذي يشكل استفزازا خطيرا للرجال، وقد كانت السرقة في مرحلة معينة، معيارا للشجاعة!، وهكذا نلاحظ أن هناك بعض الامثال تسعى لتدمير القيم الاصيلة، لكي تزرع بدلا منها قيما مزيفة مثل هذه القيمة التي تربط شجاعة الرجل بالتجاوز على اموال وممتلكات الاخرين.
ومن الامثال التي تقع ضمن هذا الباب، وتحاول ان ترصد طبيعة العلاقة بين اللصوص، هذا المثل الشعبي الذي يقول: (حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب)، في تعبير واضح عن معرفة اللصوص لبعضهم، حتى لو اختلفت اساليب عملهم وطبيعة مسروقاتهم، وايضا يدل هذا المثل على أن هنالك علاقات وثيقه وتبادل للخبرات بين السرّاق، وهذا يؤكد ايضا أن الذاكرة الشعبية تحاول ان ترصد مختلف الظواهر، ولكن لابد من ملاحظة المخاطر التي تعكسها بعض الامثال الشعبية على واقع الحال، بمعنى لابد أن تكون هناك محاولات جادة لمعالجة ما ينعكس عن هذه الامثال الشعبية، حتى لو سلّمنا بأن (الامثال تُضرب ولا تُقاس).
ومن الامثلة الشعبية السيئة في هذا المضمار، المثل الشعبي الذي لا ينصح بمنع السرقة او عدم اقترافها، بل يشجع عليها، كما يقول هذا المثل: (اذا بگت بوگ بعير)، بمعنى اذا قررت أن تسرق فلا تكتفي بالسرقة القليلة!!، وهو مضمون يشجع على السرقة ويدعو لكي تكون اكبر كما ونوعا، بدلا من رفضها ونبذها، لذلك نحن لا نحتاج الى هذه الامثال، بل نحتاج الى تلك التي تساعدنا على تثبيت وترسيخ منظومة من القيم الاخلاقية والاجتماعية التي تساعدنا على النجاح في بناء المجتمع المرموق المتحضّر.