لا جديد يقال عن الأمثال المصريّة، فأشهر شيء عن مصر أمثالها، والحقيقة أنها لم تترك بابًا في الحياة إلا وطرقته، ولم تفوّت مدخلًا إلا ودخلت منه. لكن في الحقيقة هناك سؤال جديد، وهو من أين جاء المصريون بأمثالهم؟ هل اخترعوها من بنات أفكارهم تمامًا أم نقلوها من حضارات وثقافات أخرى بألفاظ ومفردات مختلفة؟ والإجابة حاضرة في عدّة كتب سجَّلت أسرار وخبايا الأمثال الشعبية المصرية.
shareتؤكد عديد الكتب المختصة أن الأمثال الشعبية المصرية المعاصرة لها أصل فرعوني
كثير من الأمثال المعاصرة نطق بها حكماء مصر القديمة (الفراعنة)، فرغم تعاقب الزمن وتغيّر الحكام، ظلَّت مصر تعاني نفس المشكلات، والأزمات، إلى الحد الذي جعل المصريين في مظاهرات الخامس والعشرين من يناير يصفون مبارك بالفرعون، ويشبّهون رموز حكمه بالفراعنه، وكتَّابه بالكهنة.. ولا تزال تلك الأوصاف تنطبق (وتقال) على من جاؤوا بعده على كراسي الحكم.
اقرأ/ي أيضًا: آخر أيام مسرا .. تعرّف على التقويم المصري القبطي
1. في مصر القديمة، حذَّر الحكيم بتاح حتبمن البخل، داعيًا للاستمتاع بمباهج الحياة بقوله "اقض اليوم في سعادة. إن أحدًا لم يأخذ متاعه معه في رحلة الغرب"، والمقصود برحلة الغرب "الموت"، وهو المعنى الذي صاغه المصري بعد آلاف السنين في المثل الشائع "الكفن مالوش جيوب"، و"ساعة الحظ ما تتعوَّضش (لا تعوَّض)".
2. المثل المصري "ما ينفع الإنسان إلَّا عمله"، أيضًا، منقول من حكمة فرعونية جرت على لسان الملك خيتي لابنه: "لا تجعل عقيدتك في طول الحياة الدنيا، ولا تغتر بها، فإن وقت الحياة الدنيا قصير، ولا يبقى للإنسان في آخرته إلا عمله، فهو كنز ثمين".
3. ذكرت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فيكتابها "شخصية مصر" قول أحد الحكماء الفراعنة "لا تقولنّ لا أحمل خطيئة، فليس بين يدي الإله إنسان كامل"، وهو نفس المعنى الذي صاغه المصري الحديث في المثلين الشائعين "الحلو مايكملش"، و"الكمال لله وحده".
4. من أقوال قدماء المصريين "لا تجعل لنفسك صورتين" للتحريض على الاستقامة وعدم النفاق أو التملق، الذي يقابله في العصر الحديث تحذير "متبقاش بوشّين". و"الوش" في العاميّة المصرية هو الوجه.
5. أخذ المصريون المثل الفرعوني الذي يقول "افعل الخير وارمه وسط البحر" مع تحريف بسيط، فهم يقولونه "اعمل الخير وارميه للبحر"، ومن الأمثلة القريبة، معنى ونصًا، "اللي يشيل قربه مخرومة تنزّ (تخرّ) على دماغه"، التي تقال على لسان الفراعنة: "من هزّ حجرًا وقع على رجله".
6. في كتاب الدكتورة عزة عزت "الشخصية المصرية في الأمثال الشعبية"، الصادر عن دار الهلال عام 1997، أن هناك حوالي 250 مثلًا يرددها المصريون بنفس المفردات عن أصل فرعوني مثل "إن حبتك حيّة (أنثى الثعبان) اتطوّق بها"، و"أحبك يا غويشتي لكن مش أكثر من دراعي"، و"الحلوة حلوة ولو صحيت من النوم.. والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم".
shareرغم تعاقب الزمن وتغير الحكام، ظلت مصر تعاني نفس المشكلات من عهد الفراعنة لليوم فكانت أمثالها معبرة عن حالها على مر العصور
7. تنعكس الحضارة الفرعونية على المصريين دون أن ينتبهوا في إطلاقهم صفة "الطاهرة" على السيدة زينب، التي تحمل إحدى مناطق القاهرة اسمها، كما أسموا الحسين "سيد الشهداء"، التي أطلقها الفراعنة على أوزوريس، الذي قتله أخوه الشرير ست، ولذلك وصف هيرودوت، صاحب أهم موسوعة عن مصر الفرعونية، أوزوريس بـ"إمام الشهداء".
8. ذكر كتاب "آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية" مفارقة عجيبة عن مولد سيدي أبو الحجاج في الأقصر، فضريحه داخل مسجد أقيم على جزء من معبد آمون، إله الشمس والريح والخصوبة عند المصريين القدماء، وكما كان الإله يخرج في احتفال مهيب من معبده مرة كل عام في سفينته المقدسة ليطوف مدينته، يطوف أهالي الأقصر بسيدي أبو الحجاج، الوليّ الصالح، مرة كل عام أيضًا فيما يسمّى بـ"دورة سيدي أبو الحجاج"، ولا يستبعد أن يكون أبو الحجاج هو نفسه آمون، وأهالي الأقصر يحتفلون به حتى الآن بشكل جديد يناسب إيمانهم بالإسلام.
9. أطلق المصريون مثلًا شعبيًا عن كل شهر من الأشهر الفرعونية، يتوافق مع طبيعته. قال عن كياك "صباحك مساك.. حضَّر غداك مع عشاك" نظرًا لبداية قصر النهار وطول الليل، و"طوبة تخلّي الصبية كركوبة" بسبب موسم البرد، و"في برمهات روح الغيط وهات" بسبب كثرة المحاصيل في هذا الشهر، الذي يوافق مارس في التقويم الميلادي.
10. لم يكتفِ المصري بإبداع أمثال شعبية نقلًا عن ثقافة القدماء، إنما أبدعوا توافقًا بين الأشهر الفرعونية والمأكولات.. فقالوا: رطب توت، ورمان بابة، وموز هاتور، وسمك كياك، وسمن طوبة، وخروف أمشير، ولبن برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤونه، وعسل أبيب، وعنب مسرا.
مراجع
- أدولف إيرمان، ديانة مصر القديمة، ترجمة د. عبد المنعم أبو بكر، د. محمد أنور شكري - مكتبة الأسرة المصرية - عام 1997 ص 484.
- محرم كمال، آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية - سلسلة الألف كتاب الأولى عام 1956 - دار الهلال - عدد 38 (ص 73)
- سيد عويس، الازدواجية في التراث الديني المصري (ص 17)
- عزة عزت، الشخصية المصرية في الأمثال الشعبية، دار الهلال، سبتمبر 1997
اقرأ/ي أيضًا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق