google.com, pub-5523991894117674, DIRECT, f08c47fec0942fa0 حكم أمثال أقوال قصص: الارهاب ليس له دين oogle.com, pub-5523991894117674, DIRECT, f08c47fec0942fa0

المشاركات الشائعة

أرشيف المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 أبريل 2021

الارهاب ليس له دين

 Skip to main content

16/08/2018

مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان

أنطونيو غوتيريش

أتوجه بالشكر إلى مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية وإلى فاليري آموس، الرائدة في مجال العمل الإنساني والزميلة السابقة والصديقة العزيزة، على هذه البادرة التي أتاحت اجتماعنا هنا هذا المساء.

وأود أيضا أن أشكركم جميعا على حضوركم للحديث عن مسألة هي من أشد المسائل صعوبة وأكثرها طرحا للتحديات في عصرنا، ألا وهي مكافحة التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب، دون الإخلال بالتزامنا باحترام حقوق الإنسان.

واسمحوا لي أن أكون واضحا منذ الوهلة الأولى فأقول: لا شيء، وما من قضية أو تظلم، يبرر الإرهاب.

لا شيء يمكن أن يبرر على الإطلاق الاستهداف العشوائي للمدنيين، والدمار الذي يزهق الأرواح ويقضي على أسباب الرزق دون تمييز، وإشاعة الذعر بنية إثارة الرعب لا غير.

ولطالما كان الإرهاب، مع الأسف، واقعا يتخذ أشكالا مختلفة على مر العصور وفي شتى الأصقاع.

لكن الإرهاب المعاصر أضحى يوجه ضرباته على نطاق مختلف تماما، ويمتد أثره على نطاق جغرافي أوسع. وليس بوسع أي بلد أن يزعم امتلاك المناعة من الإرهاب.

فقد بات يهدد السلام والأمن والتنمية بشكل لم يسبق له مثيل.

ومع تصاعد حدة النزاعات وتزايدها على مدى العقد الماضي، زادت الاعتداءات الإرهابية حجما وانتشارا، بحيث دمرت مجتمعات وتسببت في زعزعة الاستقرار في مناطق بأسرها.

ففي العام الماضي، نفذ ما لا يقل عن ٠٠٠ ١١ اعتداء إرهابي في أكثر من ١٠٠ بلد، مما أدى إجمالا إلى مصرع أكثر من 000 25 شخص وإصابة 000 33 شخص.

ورغم أن الأضواء تسلط في الغالب على أعمال الإرهاب المرتكبة في الغرب، ينبغي ألا ننسى أبدا أن الغالبية العظمى من الاعتداءات الإرهابية تقع في البلدان النامية.

ففي عام ٢٠١٦، سجل ما يقرب من ثلاثة أرباع إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في خمسة دول فقط هي العراق وأفغانستان وسوريا ونيجيريا والصومال.

وتشير التقديرات إلى أن تأثير الإرهاب على الاقتصاد العالمي بلغ في عام 2015 ما قدره 90 بليون دولار من دولارات الولايات المتحدة، بل وقد تكون هذه التكلفة أعلى بكثير من ذلك. وفي عام ٢٠١٥، بلغت تكاليف الإرهاب مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في العراق وأفغانستان 17.3 في المائة و 16.8 في المائة على التوالي.

والإرهاب المعاصر ليس مختلفا عن سابقه من حيث نطاقه، وإنما أيضا من حيث طبيعته.

فقد بات أكثر تعقيدا، وأصبحت تتبع فيه أساليب عمل جديدة.

فكيف لا يثير الفزع في النفوس استخدام الشاحنات والسيارات لدهس حشود سلمية لتعمد التشويه والقتل؟ وقد نفذت مثل هذه الاعتداءات هنا في شوارع لندن، بل أيضا في القدس، وبرشلونة، وفي الآونة الأخيرة في نيويورك. وكيف لا يهتز كيان المرء لاستغلال فتاة لا يتجاوز عمرها 10 سنوات في تنفيذ هجوم انتحاري في مايدوغوري؟

إن الإرهاب فعلا عدوان على أمننا، وعلى إنسانيتنا ذاتها.

والواقع أن الشعور بالصدمة والرعب الذي يخلفه ارتكاب تلك الاعتداءات القاتلة يتضخم اليوم نتيجة لسيل الأنباء المتدفق على مدار الساعة، ومن جراء تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب التلاعب السياسي الخبيث.

وذلك ما يثير في النفوس شعورا عميقا بانعدام الأمن بين الأهالي يتحدى تماسك النسيج الاجتماعي.

وبصفتي الأمين العام لمنظمة أنشئت في سبيل ”أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار“، فإنني أدرك وأخشى متألما خطر الشقاق الذي ينطوي عليه الإرهاب العالمي.

السيدات والسادة،

نحن هنا في لندن، ولا نبعد إلا بمسافة قصيرة، في نفس هذا الشارع، عن المكتبة البريطانية التي تحتضن نسخا أصلية من الميثاق الأعظم.

ومنذ أكثر من ٨٠٠ عام، نص ذلك الميثاق على أنه لا ينبغي أن يسجن أحد دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. وأرسى هذا الحكم مبدأ سيادة القانون.

وليس من قبيل التجني الإشارة إلى أن ذلك الميثاق وضع أساس الحريات التي يستهدفها الإرهاب مباشرة باعتداءاته.

وحقوق الإنسان، في جوهرها، اعتراف حقيقي بإنسانيتنا المشتركة. فهي توحد الناس، بينما يزدهر الإرهاب بزرع بذور الشقاق.

وأجد نفسي هنا في لندن وكلي شعور بالتواضع أمام المسار الطويل الممتد عبر التاريخ الذي توج بالاعتراف بتطلعات الناس إلى العدالة والحرية وحقوق الإنسان.

تلك هي نفس التطلعات التي أدت بالكثير من الشباب، رجالا ونساء، إلى الكفاح في سبيل حقوق الإنسان والديمقراطية، إبان فترة حكم سالازار الديكتاتوري الذي عايشته في البرتغال.

ولي اليقين أنكم، معشر الشباب، قادرون على استلام المشعل من أجل تحقيق تلك التطلعات الدائمة.

ولقد جئت إلى لندن، حاملا كل ما راكمته من خبرة ومدركا لما للحظة من طالع ملح، لكي أبلغ رسالة هي كالتالي:

إن الإرهاب هو في جوهره إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها.

ولن تتكلل مكافحة الإرهاب أبدا بالنجاح بنهج نفس السبيل الذي يتوخى الإنكار والتدمير.

ويجب علينا مكافحة الإرهاب بلا هوادة لحماية حقوق الإنسان.

ونحن حينما نشمل حقوق الإنسان بالحماية، نعمل في نفس الوقت على التصدي للأسباب الجذرية للإرهاب.

ذلك أن حقوق الإنسان لها قدرة على تحقيق الوئام أكثر شدة من قدرة الإرهاب على إحداث الدمار.

السيدات والسادة،

أود هنا أن أؤكد من جديد نقطتين هامتين:

أولاهما، أنه لا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو عرق أو جنس.

أما ثانيتهما، فهي أنه ليس هناك من عذر يبرر الإرهاب. واسمحوا لي أن أشدد على ذلك مرة أخرى.

فالمادة ٥ من الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل تنص على كفالة ”ألا تكون الأفعال الإجرامية ... مبررة بأي حال من الأحوال لاعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عرقي أو إثني أو ديني أو أي طابع مماثل آخر“...

وخلافا لما تروج له الجماعات الإرهابية، ليست الأعمال الإرهابية أعمال قتل مشروعة، بل هي مجرد أعمال قتل وكفى، وتعتبر بهذه الصفة أعمالا إجرامية.

ولكن علينا أن نعترف بأن هناك فعلا ظروف تؤدي إلى الإرهاب والتطرف العنيف.

وإذا نحن أردنا سد الفجوة بين هذا التهديد العالمي ومواقفنا الجماعية إزاءه وتفادي آثاره، علينا أن نحيط إحاطة شاملة بأسبابها.

أولا، من الواضح أن الجماعات الإرهابية تستغل مناطق النزاع والمناطق غير الخاضعة لأية سلطة.

ومع أن الإرهاب كثيرا ما يبدأ في مناطق النزاع، فإنه يتجاوز حدودها بكثير ويقوم بتنظيم الهجمات والتحريض عليها وتغذية نزعة التطرف لدى السكان عبر الحدود والقارات.

ثانيا، يشكل انعدام التنمية والحوكمة الشاملة للجميع، بما في ذلك الفقر المدقع وعدم المساواة، فضلا عن الإقصاء والتمييز، دوافع أيضا للإرهاب والتطرف العنيف.

وتمثل أوجه عدم المساواة في الدخل اتجاها متناميا داخل البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو على السواء.

ولقد خلصت دراسة جديدة بشأن التهديد الذي يشكله التطرف العنيف في أفريقيا إلى أن الافتقار إلى التعليم والفقر من العوامل الكامنة وراء نزعة التطرف. ولكن النقطة الحاسمة النهائية في كثير من الأحيان تتمثل في العنف الذي تمارسه الدولة وإساءة استعمال السلطة.

لقد وقعت نسبة ٩٣ في المائة من جميع الهجمات الإرهابية بين عامي ١٩٨٩ و ٢٠١٤ في بلدان ذات مستويات مرتفعة من الوفيات خارج نطاق القضاء، والتعذيب، والسجن دون محاكمة.

ثالثا، لقد أصبحت شبكة الإنترنت رصيدا للجماعات الإرهابية لنشر الدعاية المتطرفة العنيفة، وتجنيد المعتنقين الجدد، وجمع الأموال.

وقد استخدمها للمرة الأولى في التسعينات دعاة تفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى جمهور أوسع بسهولة وبتكلفة أقل، وإتاحة منبر للعديد من أشكال العنصرية والمعاداة للسامية.

ويتسم تجنيد المتطرفين العنيفين عبر وسائط التواصل الاجتماعي في الوقت الراهن بأهمية أساسية في الحملات الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية.

السيدات والسادة،

على الرغم من أن دوافع تغذية نزعة التطرف المفضية إلى العنف تختلف من بلد إلى آخر، بل وحتى داخل البلدان، يزدهر الإرهاب أينما وجد الاستياء والإذلال والافتقار إلى التعليم.

إن الإرهاب يزدهر عندما لا يجد المحرومون أمامهم سوى اللامبالاة والعدمية. إنه متجذِّر تجذرا عميقا في الإحباط واليأس.

ولذلك، فإن حقوق الإنسان، كافة حقوق الإنسان، بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي بلا شك جزء من الحل في مكافحة الإرهاب.

السيدات والسادة،

إن التهديد الذي يشكله الإرهاب حقيقي وخطير، وسيبقى ماثلا للأسف في السنوات القادمة.

والدول الأعضاء تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية مواطنيها. وبوصفي رئيس وزراء سابق، إنني أعرف حق المعرفة هذه الأولوية لتعزيز السلامة والأمن.

لقد دحرت العملياتُ العسكرية في سوريا والعراق تنظيمَ الدولة الإسلامية خارج معاقله في الموصل والرقة.

ولكن الافتراض بأن العمليات العسكرية وحدها ستقضي على الإرهاب سيكون من قبيل الوعود الكاذبة.

فالتكنولوجيا ما زالت تتيح للجماعات الإرهابية الوصول إلى المحرومين في جميع أنحاء العالم والتأثير عليهم.

ولذلك، فإن وضع استراتيجية عالمية ذكية وشاملة لمكافحة الإرهاب تعالج الأسباب الجذرية للتطرف العنيف أمر حيوي للغاية.

وأود أن أقترح خمس أولويات رئيسية لمكافحة الإرهاب، وأن أشدد على الطريقة التي سيضمن بها احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون تحقيق منافع طويلة الأجل.

الأولوية الأولى، نحن بحاجة إلى تعاون دولي أقوى في مجال مكافحة الإرهاب.

لقد سمعت هذه الرسالة بشكل واضح تماما. وخلال الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة التي شاركت فيها للمرة الأولى في أيلول/سبتمبر، شدَّد ١٥٢ من القادة - أي ٨٠ في المائة من جميع أعضاء الأمم المتحدة - على ضرورة تكثيف تبادل المعلومات.

ففي عالم يتسم بالعولمة، قد تتحول إخفاقات دولة واحدة بسرعة إلى تهديد لجيرانها ولمناطق أخرى أبعد منها.

ولذلك، لا بد من أن تكون شعاراتنا هي الوحدة والتضامن والتعاون.

وهذا يعني وحدة الصف على مستوى الأمم المتحدة. ومن أولى الخطوات الإصلاحية التي قمت بها بوصفي الأمين العام إنشاء مكتب مكافحة الإرهاب لتنسيق أفرقة الأمم المتحدة ومكاتبها المختلفة العاملة في هذا المجال البالغ عددها ٣٨ فريقا ومكتبا. وأعتزم في هذا الصدد وضع اتفاق عالمي للتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب على نطاق منظومة الأمم المتحدة.

وهذا يعني وحدة الصف في المجتمع الدولي. فثمة حاجة ملحة لكي تتعاون الحكومات والوكالات الأمنية بمزيد من الفعالية في مكافحة الإرهاب.

فلا يوجد حتى الآن توافق في الآراء بشأن الاتفاقية الشاملة المتعلقة بالإرهاب الدولي.

ولكن هناك ١٩ اتفاقية دولية مختلفة والعديد من الصكوك الإقليمية في هذا الميدان التي تُيسِّر محاكمة الإرهابيين وتعزيز الحماية، والتعاون في مجالات رئيسية أخرى.

إنها المظهر الحقيقي لسيادة القانون الدولي.

والتوقيع عليها والتصديق عليها ليس كافيا. فعلى جميع الحكومات أن تتوخى الجدية بشأن تنفيذها.

كما أن قرارات مجلس الأمن كثيرا ما تكمِّل تلك الاتفاقيات.

لقد فرض مجلس الأمن عقوبات ضد الجماعات الإرهابية، ولكنه يؤدي أيضا دورا رياديا في سنِّ القواعد المشتركة المتعلقة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، واتخاذ التدابير المالية لمكافحة الجماعات الإرهابية، وفي الآونة الأخيرة التعاون القضائي الدولي.

ويظلُّ بناء القدرات والاستعانة بالخبرات المناسبة أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لجميع الدول الأعضاء من أجل تنفيذ تلك الأحكام.

ويتعين على الدول الأعضاء أيضا زيادة الجهود الدولية الرامية إلى التصدي لمصادر التمويل، بما في ذلك قمع تبييض الأموال والإتجار غير المشروع.

ولكن هذه الجهود المتعددة الأطراف لا تكفي لمكافحة التهديد الراهن.

فعلى أجهزة الأمن في الميدان أيضا أن تحسن أداءها في تبادل المعلومات، واتخاذ الإجراءات بناء عليها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: تنقسم أجهزة الشرطة في بعض البلدان إلى قوات محلية تتحدث فعليا بلغات مختلفة وتمتنع أحيانا عن تبادل المعلومات.

لقد حان الوقت لعهد جديد من تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون من أجل إنقاذ الأرواح.

وكمساهمة متواضعة في هذا الجهد، أعتزم في العام المقبل عقد أول مؤتمر قمة للأمم المتحدة من نوعه لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب سعيا لإقامة شراكات جديدة وبناء علاقات الثقة.

السيدات والسادة،

المسار الرئيسي الثاني لمكافحة الإرهاب بمزيد من الفعالية هو مواصلة التركيز على الوقاية.

أولا، إن منع نشوب النزاعات والتنمية المستدامة هو خط دفاعنا الأول ضد الإرهاب. وعندما توليتُ منصب الأمين العام، جعلت ذلك الأمر أولوية، ودعوت إلى إحداث طفرة في الدبلوماسية الوقائية.

ويقوم المجتمع الدولي بالفعل بمعالجة بعض دوافع التطرف العنيف. وتحدد استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب لعام ٢٠٠٦ أولويات استراتيجية وتوصيات شاملة. وتتمثل إحدى ركائزها الأربع في ضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون في سياق مكافحة الإرهاب.

وتشمل الوقاية الردع. فنحن نحتاج إلى تعاون قوي عبر الحدود من أجل كفالة أن يحاكَم بموجب القوانين الوطنية الإرهابيون المدربون تدريبا جيدا الذين يسافرون للمشاركة في النزاعات وارتكاب الفظائع في حال عودتهم.

غير أن الوقاية تعني أيضا التصدي للعوامل التي تدفع الشباب إلى التطرف وتجعل من الإرهاب خيارا مشؤوما بالنسبة لهم.

ثانيا، التنمية هي أفضل طريقة لمعالجة الفقر وعدم المساواة وانعدام الفرص والخدمات العامة التي تغذي اليأس.

والتنمية هدف هام في حد ذاته، وينبغي ألا يُنظر إليها أبدا على أنها وسيلة لتحقيق غاية.

ولكن، يمكن للتنمية المستدامة والشاملة أن تسهم بلا شك إسهاما حاسما في منع نشوب النزاعات والإرهاب.

وتساعد منظومة الأمم المتحدة الإنمائية الحكومات على معالجة بعض الأسباب الجذرية: الفقر، وعدم المساواة، والبطالة في صفوف الشباب، وانعدام الخدمات العامة، مثل الخدمات الصحية والتعليم.

وتقوم وكالات الأمم المتحدة في الوقت الحالي بدعم الحكومات الوطنية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠ - التي هي الخطة العالمية المشتركة لتحقيق السلام والازدهار والكرامة للجميع وبالتالي تشكل علاجا قويا لبعض أسباب الإرهاب.

ثالثا، يجب أن يكون الاستثمار في الشباب عنصرا رئيسيا في أي استراتيجية وقائية. فمعظم المجندين الجدد في التنظيمات الإرهابية تتراوح أعمارهم بين ١٧ و ٢٧ سنة.

ويمكن للجماعات المتطرفة أن تستغل مشاعر خيبة الأمل والاغتراب، وأن تمنح للشباب الساخطين، بمن فيهم النساء والفتيات، شعورا خاطئا بأن لحياتهم مغزى بانخراطهم في أعمالها.

وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو الافتقار إلى الفرص.

ولذلك يجب أن يكون توفير كل من الوظائف والتعليم والتدريب المهني للشباب أولوية مطلقة في خطط التنمية الوطنية وفي التعاون الإنمائي الدولي.

فالشباب مصدر قوة كبيرة للغاية بالنسبة لمجتمعاتنا. ويجب علينا أن نستثمر فيهم ونعمل على تمكينهم.

وليس من المستغرب أن المملكة الأردنية الهاشمية التي توجد تهديدات كثيرة جدا على حدودها مع سوريا والعراق ما فتئت تقود بحكمة الجهود المبذولة في الأمم المتحدة بشأن دور الشباب في مكافحة التطرف المصحوب بالعنف وتعزيز السلام. وأعرب عن امتناني أيضا للمملكة الأردنية الهاشمية على دورها القيادي وسخائها تجاه اللاجئين.

ونحن نقف مع جميع الشباب ضحايا الإرهاب، من فتيات تشيبوك في نيجيريا، إلى النساء والفتيات اليزيديات في العراق، وكذلك الفتيان الذين يُكرهون على ارتكاب أعمال فظيعة.

رابعا، تعني الوقاية أيضا كسب المعركة على شبكة الإنترنت.

فالإرهابيون يخسرون الأراضي في سوريا والعراق، ولكنهم يكتسبون أرضا افتراضية في الفضاء الإلكتروني. وسيتطلب هزمهم اتخاذ إجراءات عالمية منسقة وحازمة.

وأطلقت شركات فيسبوك ومايكروسوفت وتويتر ويوتيوب شراكة لمكافحة الإرهاب، ”منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب“، ترمي إلى وقف انتشار المحتوى المتطرف على شبكة الإنترنت. وتشكل هذه المبادرة بداية. وعلينا أن نحافظ على هذا الزخم.

وأرحب بأوجه التقدم في هذا المجال التي حققتها مؤخرا الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولن نكون أبدا قادرين على منع الإرهابيين من التواصل منعا كاملا. ولكن يجب علينا أن نجعل هذا التواصل صعبا بأقصى درجة ممكنة.

رقم ثلاثة، احترامُ حقوق الإنسان وسيادة القانون هو أسلم طريقة لمنع الحلقة المفرغة لعدم الاستقرار والاستياء.

إن الجماعات الإرهابية، بما فيها تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، تزدهر في مناطق النزاع - وخصوصا العراق وسوريا وليبيا. وتكون انتهاكات القانون الإنساني الدولي مرتبطة بالنزاع الطويل الأمد والتطرف.

ولذلك، أدعو أطراف النزاعات إلى أن تقوم، بإحساس عميق بالاستعجال، باحترام وضمان احترام القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في حالات النزاع المسلح.

فمن خلال القيام بجملة أمور منها اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، وإعطاء الفرصة الكاملة للحصول على المساعدة الإنسانية، وإدارة مراكز الاحتجاز على نحو يحترم مركز أسرى الحرب، وحظر التعذيب، نُظهر من نحن.

ولكن الأمر لا يتعلق فقط بقيمنا. بل يتعلق أيضا بالفعالية.

فقد تم تدوين تلك القواعد في القرن التاسع عشر للحيلولة دون معاناة ضحايا الحرب في النزاعات الحديثة.

وكان لهنري دونان دور بالغ الأهمية، غير أن محامين من الولايات المتحدة، مع مدونة ليبر في عام١٨٦٣، وروسيا، مع شرط مارتنز، والمملكة المتحدة وفرنسا والعديد من البلدان الأخرى أسهموا كلهم في ذلك.

فهذه القواعد تتجاوز بكثير تنظيم سلوك الحرب في ساحة المعركة.

وتكفل أن يكون السلام الدائم والمصالحة ممكنين في المستقبل.

وتهرع الدول، التي تواجه تهديدات ذات طبيعة غير مسبوقة، إلى تعزيز فعالية تشريعاتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

وزيادة اليقظة والمراقبة المحددة الهدف أمران بالغا الأهمية إذا أردنا تعطيل الشبكات الإرهابية، وتعقب أنشطتها، واستهدافها ماليا.

ولكن إذا لم يكن لسياسات مكافحة الإرهاب أساس متين فيما يتعلق بحقوق الإنسان، قد يكون استخدامها سيئا ومغالا فيه. ويمكن في الواقع أن تجعلنا أقل أمانا من خلال تقويض الحوكمة الرشيدة وسيادة القانون.

وكما قلت في السابق، الإرهاب هو في جوهره إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لها.

ولن تتكلل مكافحة الإرهاب أبدا بالنجاح بنهج نفس سبيل الإنكار والتدمير.

وهي تثير أسئلة صعبة جدا: كيف يمكن للحكومات أن تتخذ تدابير أمنية وقائية دون المساس بالإجراءات القانونية الواجبة والضمانات القانونية؟ وكيف يمكن تكييف النظم القضائية لجعلها أكثر استعدادا في مواجهة التهديدات الوشيكة؟ وما هي الضمانات القانونية التي ينبغي أن تنظم مراقبة الدولة؟ وكيف يمكننا ضمان المراقبة الفعالة للحدود مع القيام في الوقت نفسه باستعادة نظام قانون اللاجئين بأكمله؟

وأنا أعتقد اعتقادا راسخا بأن مبادئ القانون الجنائي الدولي توفر إطارا موحدا.

وقد وضع سيزاري بيكاريا، المفكر الإيطالي الكبير في عصر التنوير، أسس تلك المبادئ في عام ١٧٦٤: وهي أنه لا يمكن فرض عقوبة بدون قانون - والحق في افتراض البراءة حتى تثبت الإدانة حسب القانون - وأنه ينبغي أن تكون العقوبة متناسبة مع الجريمة المرتكبة.

وتعكس الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تلك المبادئ. وهي لا تزال على نفس القدر من الأهمية.

إلا أنه للأسف قد تُستخدَم سياسات مكافحة الإرهاب لقمع الاحتجاجات السلمية وحركات المعارضة المشروعة؛ ولإغلاق أبواب النقاش؛ ولاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان واحتجازهم؛ ولوصم الأقليات.

ولا تسهم تلك التدابير في تحقيق سلام دائم.

بل إنها قد تسهم في استدامة انعدام الاستقرار والشعور بالاستياء مما يتسبب في خلق الفوضى.

وأود أن أكرر أن المجتمعات التي تقوم على احترام حقوق الإنسان والتي تتيح فرصا اقتصادية للجميع تمثل أفضل بديل ملموس ومجد لاستراتيجيات التجنيد التي تتبعها الجماعات الإرهابية.

ورابعا، يجب علينا أن نكسب معركة الأفكار.

وينبغي ألاّ نتردد أبدا في فضح دناءة الإرهاب وأخطائه.

و ”من قلب الظلمات“، ينبغي أن نُقيم عصر تنوير جديد.

وعندما يصوّر الإرهابيون العنف على أنه أفضل وسيلة للتصدي لعدم المساواة أو لرفع المظالم، يجب أن تنأى إجابتنا عن العنف وأن تقوم على قرارات يشارك الجميع في صنعها.

وعندما يدّعي الإرهابيون أنهم يعاقبون أشخاصا يتهمونهم بالخيانة أو الاستغلال، لا بد لنا من التوجيه إلى نظم قضائية قوية وإلى المساءلة القانونية.

ويجب أن نتصدى لخطابات الكراهية من خلال الشمولية والتنوع وحماية الأقليات والفئات الضعيفة.

ونحن بحاجة إلى أن نستثمر في التماسك الاجتماعي، والتعليم، وفي إنشاء مجتمعات شاملة للجميع يُعتبَر التنوع فيها ثراءً وليس تهديدا، وحيث يشعر كل فرد بأن هويته تحظى بالاحترام وبأنه ينتمي انتماء تاما للمجتمع ككل.

ويجب على الزعماء السياسيين والدينيين وعلى زعماء الطوائف أن يتحملوا مسؤولياتهم في مجال النهوض بثقافة قوامها التسامح والاحترام المتبادل.

إن مكافحة التعصب والنظام الذكوري؛ والدفاع عن حرية الإعلام والحق في مخالفة الرأي؛ وتعزيز سيادة القانون؛ والمطالبة بالمساءلة والعدل - وهي مسائل يرفع رايتها ناشطون شجعان ومنظمات المجتمع المدني - هي التي تسمح لنا جميعا بالعيش في أمان أكبر.

ويمكن النجاح في استئصال نزعة التشدد. وينبغي أن يدرك الإرهابيون التائبون أن هذا التغيير ممكن. ويجب علينا أن نولي الاهتمام إلى كيفية تخليهم عن مثلهم العليا الزائفة.

ويوجد المعلمون والأكاديميون والمرشدون الاجتماعيون في خط المواجهة. وهم يوفرون الحماية لنا أيضا.

وأنا أقر بمساهمتهم وأشيد بها، وإني أحث أي فرد له نفوذ على تقديم الدعم لهم.

خامسا وأخيرا، يجب علينا أن نُسمِع أصوات ضحايا الإرهاب.

وقد وقع البعض من أفضل مرشدينا ضحايا لهجمات إرهابية أو نجوا منها، وقد دأب هؤلاء على الدعوة إلى المساءلة وإلى تحقيق نتائج - وليس إلا اتخاذ تدابير معممة أو فرض عقوبات جماعية.

وأود أن أشيد بالجماعات في مختلف أنحاء العالم التي تبرهن على قدرتها على الصمود في مواجهة الهجمات الإرهابية. وتتصدى هذه الجماعات لأشكال التطرف العنيف كل يوم في بيوتها ومدارسها وفي دور العبادة الخاصة بها.

وهنا في المملكة المتحدة، اتحدت مدينة مانشستر بأكملها في وقت سابق من هذا العام وكانت مثالا ملهما على التضامن والوحدة. وفي لندن، وصف عمدتكم، صادق خان، الإرهاب بأنه ”اعتداء على قيمنا المشتركة المتمثلة في التسامح والحرية والاحترام“.

ويجب علينا أن نقاوم القوالب النمطية والنظر إلى طوائف كبيرة على أنها كتلة متطابقة هائلة إذا أردنا إيجاد سبل فعالة للتصدي لهذا التهديد.

وتأتي تلك القوالب النمطية من العديد من المصادر، ومن بينها وسائط الإعلام. ونحن جميعا مسؤولون عن الاعتماد على وقائع في خطاباتنا وعلى تجنب القيام بأعمال يستفيد منها الإرهابيون بوصم بعض الفئات ووصفها بصفات مشينة.

وفي بعض البلدان، ترتكب جماعات اليمين المتطرف أغلبية المؤامرات والهجمات الإرهابية. ومع ذلك تركز وسائط الإعلام أكثر بكثير على الهجمات التي ينفذها مهاجرون أو أفراد أقليات عرقية ودينية.

وكثيرا ما يُستهدَف اللاجئون الهاربون من النزاعات. وإنه لتشويه مروّع لمحنة ضحايا الإرهاب أن تُوجَّه لهم تهم بارتكاب الجريمة التي فروا لتوهم منها.

ونحن لا نتحمل واجبنا عندما نرفض دعم جميع المتضررين من الإرهاب: أي المجتمعات المحلية والضحايا والناجين وأسرهم. وتذكرنا هذه المجموعات باستمرار بأنه دون إجراءات جنائية، ليس هناك إمكانية لإقامة العدل.

وعندما نحترم حقوق الإنسان الخاصة بالضحايا ونزودهم بما يلزمهم من الدعم والمعلومات، نخفف من الضرر الدائم الذي يلحقه الإرهابيون بالأفراد والجماعات والمجتمعات.

أيها الأصدقاء الأعزاء،

في وقت سابق من هذا العام، جلستُ في خيمة في كابل لأتحدّث مع بعض ضحايا الإرهاب. ولقد أجبر النساء والرجال الذين التقيت بهم على مغادرة ديارهم بسبب موجة من التفجيرات. لقد فقدوا كل شيء.

ولكنهم أكدوا لي رغبتهم في العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم، وإعادة أطفالهم إلى المدارس ما إن يستتب السلام والأمن.

إنهم لم يفقدوا ثقتهم في إنسانيتنا المشتركة.

لقد بقي الأمل عندهم حيا. ويجب علينا أن نفعل نفس الشيء.

فلا يمكننا لنا أن نسمح للإرهاب بتقويض المبادئ الأساسية المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة والدساتير الوطنية والقانون الدولي.

إن أسس نظامنا العالمي هي أكبر حماية لدينا ضد هذه الآفة.

ولا يمكننا أن نكسب هذه المعركة إلا باحترام كرامة الإنسان.

ولكن المبادئ وحدها لا تكفي.

ولهذا أوجّه دعوة إلى قادة العالم.

وأود أن أقول لهم أنه فضلا عن التدابير الأمنية، نحن بحاجة إلى التعليم والتماسك الاجتماعي.

تلك هي الطريقة التي تبعد الشباب عن الأوهام الزائفة البعيدة وتساعدهم على أن يصبحوا مواطنين مستنيرين وقادرين على التفكير بوضوح.

لدينا عمل يجب أن نقوم به، وأنا أحث الجميع على الانضمام إلينا. وشكرا لكم.

ليست هناك تعليقات: