قصة مثل شعبي: “إجا يكحّلها عماها
غيدا فوّاز
كاتبة مساهمة
تعتبر الأمثال الشعبية من تراث بلادنا وعاداتها القديمة. والجدير بالذكر أن معظم هذه الأمثال لم تأتِ من العدم، بل على العكس، هي قصص ملموسة منبثقة من واقع الحياة أدت إلى نشأة تلك الأقاويل بحيث أصبحت في متناول الجميع وعلى كل لسان أياً كانت فئته العمرية أو مكانته الاجتماعية.
“اجا يكحلها عماها” مثلٌ من أكثر الأمثال انتشاراً. يحكى في هذا المثل عددٌ من القصص التي بالرغم من اختلافها تتشابه بمعناها. إحدى هذه القصص تتمحور حول أميرٍ وجارته.
في قصرٍ قديم، نشأ ولدٌ على تربية صالحة حيث أنه كان صريحاً، لطيفاً وودوداً، واعتاد أن يتجول في أحياء قصره ويتقرّب من الناس. في حين كانت امرأة ربيعية العمر تسكن بجواره. تلك المرأة كانت حسناء ذات طول معتدل ووجه متناسق وكانت دائمة الاهتمام بمظهرها. كان الأمير دائم التردد إليها حتى أصبحا على العهد أصدقاء تجمع فيما بينهما مودة واحترام. ذات يوم، ذهب الأمير كعادته لزيارة جارته، وإذ به يلاحظ اختلافاً واضحاً في وجهها، وكأن نوراً يشعّ بهاءً من عينيها ويزيد حسنها حسناً. فاعتراه الفضول لمعرفة سر هذا الجمال.
فاقترب منها وقال: بك شيء مختلف…
أجابته قائلة: كل ما في الأمر أنّي كحّلتُ عينيّ!
استغرب الفتى وراح يحدث نفسه: “كم أتمنى لو يراني الناس بالصورة ذاتها التي رأيت فيها جارتي اليوم… عليّ أن أجرب هذا الكحل، لعلني أظهر بهيّاً جميلاً.. أميرٌ يتغنى به الشعراء وتكتب في جماله الأشعار.. يقف الناس مندهشين بجاذبيتي.. نعم، أصبحُ حديث هذه القرية.. بل أصبحُ أجمل من في القرية…”
أمضى طريق العودة وأفكاره الطامحة تتخبط في عقله والابتسامة لا تفارق ثغره، حتى كاد الناس ينعتونه بالجنون لعدم رده على تحيتهم. وصل الولد إلى القصر، توجه إلى غرفة والدته باحثاً عن الكحل. حاول الأمير وضع الكحل في عينيه مرار، إلّا أن أظافره كانت تمنعه. وبعد محاولات متعددة فاشلة، انتابه غضب شديد، ففقأ عينه اليمنى بظفره. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد الأمير قادراً على الرؤية بها.
انتشر الخبر في القصر وأنحائه، وكان كل من يسأل عن سبب إصابة عين الأمير، يُرد عليه: “اجا يكحلها عماها”. هكذا انتشر هذا المثل.
مضمون هذا القول ينطبق على عدد من المواقف التي نصادفها يومياً. فدلالته التضمينية تشير إلى جعل أمر ما يزداد سوءاً: بمعنى آخر إلحاق الأذى بالشيء بدلاً من إصلاحه. عادةً ما تستخدم هذه العبارة في المواقف الساخرة أو في تلك التي توصف ب”المضحك المبكي.”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق