الأمثال الشعبية.. حكايات ماض وحاضر
تعد الاستعانة بالامثال الشعبية حالة تشمل دول العالم، على اختلاف أنواعها، وبغض النظر عن انتماءاتها الدينية وهوياتها العرقية، البعض يرجح ان المثل الشعبي يأتي عبر مواقف إنسانية يمر بها الانسان او المجتمع، وهذا ما يجعل بعض الامثال متداولة بين كل شعوب العالم كل بلغته.
يقول الباحث الاجتماعي والأستاذ الجامعي حسن الجبوري: عادة ما يكون المثل اقرب الى حكمة مختصرة، تشرح من خلال كلمات معدودات، حالة معينة، وتصفها وصفا دقيقا وبمفردات بسيطة، وعادة ما يستنجد الناس بالأمثال، لإثبات حالة تشابه بين حالتين، فعندما نقول (التلدغه الحية يخاف من الحبل)، فهذا يعني اننا نبرر لاحد ما قلقه او خوفه من المجازفة بأمر معين، او المثل القائل “كلمن يحود النار لكرصته” الذي يصف حالة الانانية لدى البعض، وقد يكون هذا من اكثر الامثال المتداولة حاليا، بعد ان لمس الكثير منا، صفة “الأنا” بحيث ان هناك من يستخف حتى بأذية الآخر، طالما ان الفائدة ستصب بمصلحته، فعندما اذكر هذا المثل وهو من اربع كلمات، فانا قد وصفت حالة اجتماعية، واستنكرتها، من دون اللجوء الى حديث طويل ومتشعب.
مها العبودي مرشدة تربوية تقول: الامثال الشعبية هي تراث الشعوب، فمن خلال بعض الامثال تعرفين كيف كانت هي حياة الأجداد، ومدى التشابه بين الماضي والحاضر في العديد من زوايا الحياة، سألت جدتي يوما عن الامثال، وهل كانت شاهدة على ولادة احدها، فاخبرتني بـ(لا)، وبانها كبرت على تلك الامثال التي كانت ترددها والدتها، وقبلها جدتها، أي ان بعض المواقف حدثت منذ قرون عدة، وما زالت، بالرغم من ان بعضها يدل على حالة معينة، يجب ان تنتهي، او يقضى عليها بمرور الزمن، فمثلا عندما اذكر المثل القائل “الشين التعرفه احسن من الزين الما تعرفه” اجد ان هناك فكرة متخلفة وجبانة أيضا، كان علينا التخلص منها منذ زمن طويل، لكننا مصرين على الايمان به، وتنفيذ فكرته، وهذا تستطيعين التأكد منه من خلال الانتخابات المقبلة والماضية، حيث ظل الناخبون يكررون الأسماء نفسها والأحزاب نفسها، بحجة ان “هذا الشين عرفناه” هذا المثل يحمل ويؤكد على الخوف من التغيير والتجديد، وتلك كارثة يجب ان نتخلص منها قريبا.
بخشان عبد علي مدرسة متقاعدة من أهالي السليمانية، تحدثت الينا عن بعض الامثال الكردية: هناك العديد من الامثال المتشابهة فيما بيننا، فهناك مثل كردي يقول “ليخه رو وه رد لي خه رو جه نگ كيگ”، ويعني ان “الأمعاء تتشابك فيما بينها”، أي “مصارين البطن تتعارك”
الامثال المتشابهة موجودة في كل دول العالم في الصين، واليابان، والدول الاوروبية، وهي خير دليل على ان تواريخ الشعوب تتكرر، وان حاضرها يستلهم من ماضيها، فحتى على مستوى الامثال الفصيحة ثمة تشابه بين أمثال عربية وانكليزية وعلى شبيل المثال حين يقول العربي الصديق عند الضيق، نجد الإنكليزي يقول: (a friend in need is a friend indeed ) ..اي الصديق في الحاجة هو الصديق الحقيقي ، واذا قال العربي أيضا زاد الطين بلة نجد المثل الإنكليزي يقول add insult to injury أي أضاف أذى الى الجرح او الإصابة.
واذن الامثال ليست مجرد كلمات نتداولها وانما تراث نختزنه من ماض تستدعيه ذاكراتنا كلما دعى الموقف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق