"سوق النساء سوق مطيار يا داخله رد بالك، يوريو لك من الربح قنطار ويخسروك في راسمالك"، إنه واحد من الأمثال الشعبية التي تروج لمنتوج ثقافي يكرس صورة نمطية عن المرأة "المخادعة" و"الماكرة"، إذ يشير إليها باعتبارها "أصلا لكل لشرور" كما في المثل القائل "يتحزمـوا باللفاع، ويتخللوا بالعقارب".
الأمثال الشعبية في المغرب هي خطاب متوارث منذ عصور موجه من الرجل إلى نظيره، سواء كان يتحدث عن المرأة أو بلسانها، ويرسم له عبارات ترغبه في المرأة أو تحذره منها، ويستمر هذا الخطاب عبر الأجيال عن طريق فعل التنشئة الاجتماعية.
فهل مازالت الأمثال الشعبية تؤثر في عقلية الجيل الجديد؟ وكيف يروج هذا التراث الشفهي لـ"دونية المرأة"؟
المرأة في التراث الشفهي
تشبيه المرأة بالحيوانات في صفاتها السلبية يحضر بقوة في التراث الشعبي الشفهي، فهي تلك المرأة القادرة على تحمل الضرب وأعمال السخرة "مولاة الدار عمارة ولو كانت حمارة"، هي أيضا تلك المرأة التي يجب ربطها حتى لا تخرج عن السيطرة "المرا كتربط من لسانها، والبهيمة تُربط من لجامها".
وقد تتحول الأنثى إلى بطة إن اقتضت الحاجة، إذ تشبه المرأة القصيرة بالبطة إذا زاد وزنها وبالقطة إذا نقص "البنت القصيرة إذا سمانت بطة وإلا ضعافت قطة"، وقد تتحول إلى قرد أيضا عندما يتم الحديث عن حظها الذي يغير حياتها من مرتبة إلى مرتبة أخرى، "سعد البلدة كيرد العروسة قردة، والعكوزة جلدة".
تقارن المرأة كذلك بالديك "أصبح الديك على الفريك، وصبحت العمشا على الكحل" وتشبه بأنثى الديك أيضا "الدجاجة مربوطة وفلالسها كيدورو".
وقد يتجاوز الأمر الحيوانات إلى الحشرات "اللوسة سوسة وَخا تكُون فحال الخنفوسة".
أكثر من ذلك شبهت المرأة في الأمثال الشعبية المغربية بإبليس "المرا لفعة ومتحزمة بابليس".
تكريس للعقلية ذكورية
حسب الباحث في علم الاجتماع، جمال الديباني، فإن إظهار المرأة بهذه الصورة في الثراث الشفهي المغربي يرجع إلى طبيعة المجتمع المغربي "الأبوي الذكوري".
وأضاف الديباني "هذه العقلية تعمل جاهدة على الدفاع عن مصالحها، وتنهج عدة استراتيجيات، ومن بينها الأمثال الشعبية التي نسجت منذ زمن بعيد ولا تزال مستمرة إلى اليوم، وتشتغل بشكل جيد في الذاكرة الجماعية للمجتمع".
ويوضح الباحث في علم الاجتماع، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الأمثال الشعبية المغربية تناولت المرأة كموضوع دسم "للسيطرة عليها وإخضاعها أكثر".
وعن مدى تأثير هذه الأمثال على الأجيال الصاعدة يشرح الديباني "التحديث الذي يعرفه المجتمع المغربي وإن بوثيرة بطيئة، وخروج المرأة للمجال العام واحتكاكها بالرجل في المدرسة والعمل والشارع يعمل على تغيير هذه النظرة المجحفة في حق المرأة، بالرغم من البروز الفجائي لهكذا أمثال بين الفينة والأخرى في لحظات التوتر والانفعال".
التبجيل والفتنة
من جانبها، توضح الباحثة في تاريخ النساء، لطيفة بوحسيني، بأنه حينما تحضر المرأة كأم في مثل شعبي، يكون المضمون إيجابيا، "يبجل المرأة الأم ويحترمها ويقدرها"، أما حينما يتعلق الأمر بالمرأة كزوجة أو كمشروع زوجة أو كمطلقة... "في هذه الحالة تصبح النساء مصدر الفتنة التي تولدها الرغبة والشهوة الجنسية. تصبح مصدر الشر، بل كل الشرور".
وتشير بوحسيني، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى المثل الشعبي القائل "الخير امرأة والشر امرأة"، والذي يُظهر، حسبها، إلى أي حد تناط بالنساء كل المسؤوليات وكأن الرجال "ألعوبة في أيديهن يفعلن بهم ما يشأن...إنه مثل شعبي، يبين بالأساس فكرة الكيد التي تستعملها النساء في علاقاتهن بالرجال ،وفي إطار الصراع على السلطة".
وعن مدى انتشار هذه الأمثال الشعبية بين الأجيال الجديد تقول بوحسيني إنها "لم تعد متداولة على نطاق واسع، خصوصا عند النخب التي تعيش في الوسط الحضري"، وتستطرد "الجدير بالملاحظة أن النساء المنتميات إلى الأسر الشعبية التقليدية هن من يعتمدنها ويروجن لها ويحرصن على تداولها والاحتفاظ بها كآلية من آليات التنشئة الاجتماعية".
المصدر: أصوات مغاربية
يمكن أن يعجبك أيضا
XS
رأيك