قيمة " العمل " فى المثل الشعبى المصرى بقلم:د.أميمة منير جادو
تاريخ النشر : 2010-10-28
قيمة " العمل " فى المثل الشعبى المصرى
بقلم
د/ أميمة منير جادو (*)
يعتبر " المثل الشعبى " حكمة الشعوب المتوارثة عبر الأجيال ، فهو خلاصة تجاربهم التى صاغوها وتوارثوها ووجدوا فيها ما يشبع ضآلتهم المنشودة من قيم تؤدى دورها التربوى والأخلاقى فهو فلسفة عامة الشعب، ويستشهد به الخاصة من المثقفين أحياناً لحل نزاع جدلى تشعبت فيه الآراء فيُلقى حينذاك بالمثل وكأنه يوحد بينهم أو ( ثمة اتفاق ) صار بينهم 000
وقيمة " العمل " من أهم القيم التربوية والبيئية معاً حيث يدور العمل فى بيئة خاصة به، وحيث تتنوع الأعمال وتتنوع البيئات 0
وقيمة " العمل " من القيم التى حثت عليها الأديان بلا استثناء ، والفلسفات الوضعية واحتلت مكانة عُلا فى الحضارات وبين عالم الحشرات الراقية ( كالنحل ) فلولا عمل " النحل " ما كان الشهد وغنى عن البيان فضله كما أورده القرآن فى التداوى 0
وقيمة " العمل " اتخذها بعض القادة شعاراً لهم حتى صاروا قدوة يضرب بهم المثل ويقتدى بهم شعوبهم مثل المهاتما غاندى الذى كان يغزل ثوبه بنفسه 0
وليس أفضل من رسول الله (ص) الذى كان يحتطب ويحيك ثوبه ويساعد أصدقائه فى طهو الطعام كما أثر عنه ( ص ) فى أحاديثه الشريفة وحثه على العمل بدلاً من التسول 00 الخ تلك المواقف الشهيرة والتى تزخر بها المكتبة الإسلامية 0
ولما كان المثل الشعبى يشتق بعض جوانب فلسفته من الأديان فإنه قد جاء – فى أغلبه – متسقا مع القيم التربوية التى تدعو لها الأديان 0
وعند المقارنة بينهما لا نجد إلا اختلافات طفيفة ربما تتعلق باللهجة أو البيئة ولا تتجاوز ذلك إلى المضمون وحظيت الأمثال الشعبية المصرية بل والعربية والعالمية بوفرة مضمونها التربوى الذى ينطوى على قيم مثل قيمة ( العمل ) موضوع مقالنا حتى تكاد تتشابه فيما بينها، وسنضرب بعض الأمثال باختصار لأن الموضوع أكبر من أن تتسع له هذه السطور القليلة 0
وبداية لقد تعلمنا ونحن صغار أنه من " جد وجد ومن زرع حصد " وهى حكمة عربية صارت تضرب مضرب الأمثال على لسان العامة . ولأن الشعب المصرى شعب زراعى منذ القدم فقد تواكبت أمثال العمل مع البيئة الزراعية ولكنها تجاوزت فى مضمونها الخاص بـ ( الزراعى ) إلى العام ( العمل ) ككل .
فيقال : " من زرع حصد " ، " ومن رش دش " ، " وكل ليل وله آخر " 0
وأيضا " ازرع كل يوم تأكل كل يوم " وهذا يفيد استمرارية العمل وعدم التوقف فكل زرعة تأتى بحصادها وكل عمل يؤتى ثماره 0 وقيل " ومن يزرع الشيء يضمه " وهو بمعنى يحصده ، وهو مثل يبدو فيه استلهام القـرآن " فمن يعمل منكم مثقال ذرة من خير يره، ومن يعمل منكم مثقال ذرة من شر يره " ويقال : " ازرع المعروف تحصد الشكر " ، " اتعب ترتاح " ، " وآخر التعب راحة " و " من تعب ارتاح " " وازرع تنبت " 0
ولايكتفى المثل بالإشارة لقيمة " العمل " مستقلة بل تجاوزها لما يتصل بالعمل نفسه من عــلاقات أو متغيرات 00
فتحدث المثل الشعبى عن قيمة " التعاون فى العمل " وضرورته فجاء المثل " إيد لوحدها ما تسقفش " وأيضا : " القفه اللى لها ودنين يشيلوها اثنين " وأيضا : " الناس بالناس، والكل على الله " أو " الناس لبعضها " ، وتؤكد الأمثال الشعبية على حالة " الجودة فى العمل أو " اتقانه " وليس مجرد تأديته فهى تحث على التعب فيه والجد وبذل الجهد والاجتهاد والصبر 000 الخ 0
فيقول المثل تأكيداً لذلك : " اللى ما يروح الكوم ويتعفر ، لما يروح الجلسة يتحسر " ، وعن السهر فى العمل ومتابعته أو حراسته يقال " واللى يحرس مقامّه ياكُل خيار " أو " الأرض موش شهاوى دى ضرب ع الكلاوى " وهو يفيد منتهى الجد والجلد وتحمل الألم فى سبيل العمل وليس تأدية غرض بسرعة كما تفيد كلمة ( شهاوى ) عند العامة ، أو بساطة الأمور والتدليل والتمييع فى مواقف العمل 0
وأيضا عن " استمرار بذل الجهد فى العمل يقال" : " والزبدة ما تطلعشى ‘لا بالخضَّ " و " اللى ما يقعد فى الكوم ويتعفر يجى فى الجرن ويتحسر" ، " وأسعى يا عبد وأنا أسعى معاك ، وإن نمت يا عبد مين ينفعك " .
وفى المثل الأخير تتضامن مع قيمة العمل قيمة المبادرة إليه والتوكل على الله ، كما تتواكب مع العمل قيمــة ( نبذ البطالة ) فيقال المثل : " الإيد البطالة نجسه " ويقال : " أعمل بخمسة وحاسب البطال " والثانى يؤكد ضمنيا على وجود القدوة فى العمل لكى يستطيع هذا ( القدوة ) محاسبة البطَّال ، لأنه لو كان مثله ( بطَّال ) فإنه لا يقوى على محاسبته بل ليس من حقه محاسبته عملاً بالمثل الآخر الذى يضرب فى هذا المجال : " وما فيش حد أحسن من حد "
وعن قيمة (عدم رفض العمل) وعدم التمرد عليه طمعاً فى عمل أكبريُدر ربحاً أكثر ر4يقال :
" والزرع إن ما غنى ستر " وأيضا : " إداين وازرع ولا تداين وتبلع " ويقصد أن الاستدانة مرفوضة لمجرد الاستدانة لأن " السلف تلف والرد خسارة " ولكن الاستدانة المشروعة إنما هى للحصول على عمل أو توفير أسبابه المادية التى تأتى بحصادها فيما بعد 0
وعن حث الإنسان على إنجاز أعماله بنفسه وعدم انتظاره للغير لينجزونها له فيقال : " أعمل حاجتى بإيدى ، ولا أقول للكلب يا سيدى " ، " واتعب جسمك ولا تتعب قلبك " والمقصود بتعب القلب فى المثل هــــو كثرة ( المناهدة ) مع الآخرين تُوجع القلب من ( كثُر الكلام ) عندما يطلب انسان من آخر أن ينوب عنه فى عمل ما، فيتكاسل الآخر ويتهاون ولا يتحمس له ويظل طالب العمل أو الخدمة يلح عليه فى إنجازها مما ( يتعب قلبه ) فيقول : " كنت عملتها وارتحت ولا تعب القلب " أو "ما حك جلدك مثل إظفرك " 0
وحول مضمون الأمان فى العمل يقول المثل : " صنعة فى اليد أمان من الفقر " ، و " صاحب صنعة خير من صاحب قلعة " ولعل هذا ما يذكرنا بالمثل الصينى الشائع " لا تعطنى سمكة ولكن سنارة – أو يقال – علمنى كيف اصطادها " وحول " استكمال العمل حتى نهايته ، وعدم التوقف فى وسط الطريق نتيجة لأى ضغوط أو إحباطات " يقول المثل : " واللى ابتدا عمل يكمله " أو " اللى بدا المشوار يكمله " أو " ما تجيش فى وسط الطريق وتقول : آى " أو تقال أحيانا " : " وتقعد " ولأن النتيجة تأتى عادة على قدر العمل فى المفهوم الحقيقى للقيمة وفى الظروف الطبيعية قبل أن تختل موازين القيم كما حدث فى العصر الحديث فقد عبر المثل عن ذلك بقوله : " الأجر على قدر المشقة " أو " الأجر على آد العمل " والجزاء من جنس العمل فى الموروث الشعبى فيقول المثل : " المال الحرام يآخد الحلال ويروح " ، " واللى يعفر تعافير تيجى على دماغة " أو " يا فاحت فى البير ومغطيه ، لابد من وقوعك فيه " وأيضا : " النار ما تحرقشى إلا كابشها ( ماسكها " ، " طباخ السم بيدوقه " ، " واللى يفتش وراء الناس تفتش الناس وراه " ، " من دق الباب سمع الجواب " ، " واللى ما يفتح زمبيله ما حد يعبى له " ، و " حط إشى تلقى إيشى " ، " واللى يمسك القطة تخربشه " ، و " اللى يلاعب الثعبان لابد من قرصة " ، و " من غربل الناس نخلوه " 000الخ 0
ان مجموعة الأمثال السابقة إنما تؤكد على أن الجزاء من جنس العمل ولا يتوقع الإنسان أبداً ان الله غافل عما يعمل حتى لو كان فى الخفاء ، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ومن لا يراقب الله يراقبه الناس 0
وتختص مجموعة الأمثال السابقة بالأعمال التى تحض على الشر ( فالخير بالخير ) ، ( والشر بالشر ) وأن ردود فعل الآخرين عادة هى رد فعل لأفعالنا بداية ولذلك فإن الأمثال تنزع إلى مراقبة الإنسان لسلوكه ولعمله أولاً قبل أن يلقى اللوم على الناس ، وعليه أن يسأل نفسه دائماً : ماذا فعلت أنا بداية ؟ حتى يكون رد فعل الناس تجاهى ( كذا ) و (كذا ) 00
" فمن يشكر الله يشكر الناس " وهو مستلهم من حديث الرسول ( ص ) ومن يلوم الناس أيضا ويقدم لهم إساءة أو يستفز بأفعاله كوامن شرورهم فلابد أنه سيلقى رد فعلهم تجاهه بقدر فعله معهم ، كما رأينا فى ( اللى يمسك القطة 000 ، واللى يلاعب الثعبان 00 ) وفى المثل الأخير : " من غربل الناس نخلوه " إنما هو فى غاية الدقة فى التعبير عن مضمون ثقافة العنف والعنف المضاد ، فالمعروف أن ( الغربال ) فى الثقافة الشعبية المادية هو ما يلقى فيه بالحبوب مثل الذرة والقمح والشعير لتتم غربلتها أى فرز الحبوب الكبيرة لأعلى ويتساقط الغبار والهشاشات والكسر أسفل الغربال 0 والمعنى الضمنى – ( كما تقتضى طبيعة المنهجية العلمية فى تفسير الأمثال الشعبية وقراءة ما بين سطور النص اللا معلن وهو ما يعرف بالمنهج الخفى للقراءة أو المنهج التأويلى للرموز والتيمات المتفق عليها شعبياً كالنكات والإيحاءات والإيماءات 000 الخ ) – المعنى الضمنى يشير إلى أن من يحاول أن يفرز أعمال الناس ( على مستوى الفرز فى الغربال ) والغربال ( عيونه واسعة ) فإن الناس فى رد فعلها تجاهه لــن ( تغربل له ) وإنما سيكون رد الفعل هنا أعنف فإنهم ( ينخلوه ) 0
ولتفسير الكلمة لمن لا يقف على بعض رموز الثقافة الشعبية ، فسوف أقدم محاولة متواضعة للتفسير ( لغير المتخصصين ) 0
فكلمة ( ينخلوه ) من ( نَخَلَ ) والاسم منها لغةً هو " المنخل " وهو ما ينخل به الدقيق المطحون الناعم عـــن ( الردَّ ة ) وتسمى هذه العملية ( بالنخل ) وما يتبقى فى المنخل هو ( النخالة ) والثقوب هنا ضيقة للغاية ومن المناخل ما يعرف بالمنخل ( السلك ) وثقوبه اكثر اتساعاً ، والمنخل ( الحرير ) وثقوبه تكاد لا تبين بالعين المجردة فهو من قماش الحرير المتين المشدود حول الإطار الخشبى 0 وفى الحالتين سواء المنخل ( الحرير أو السلك ) فالثقوب أضيق بكثير من الغربال بحيث لا مقارنة ، وكما ذكرنا الغربال لفصل الحبوب الكبيرة والمنخل لفصل الجزئيات الصغيرة المتناهية فى دقتها ، وبالتالى جاء المثل معبراً تماما "ومن يغربل للناس ينخلوه " أى يأتوا على دقائقه المشينة " فالعين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم " 0
بقلم
د/ أميمة منير جادو (*)
يعتبر " المثل الشعبى " حكمة الشعوب المتوارثة عبر الأجيال ، فهو خلاصة تجاربهم التى صاغوها وتوارثوها ووجدوا فيها ما يشبع ضآلتهم المنشودة من قيم تؤدى دورها التربوى والأخلاقى فهو فلسفة عامة الشعب، ويستشهد به الخاصة من المثقفين أحياناً لحل نزاع جدلى تشعبت فيه الآراء فيُلقى حينذاك بالمثل وكأنه يوحد بينهم أو ( ثمة اتفاق ) صار بينهم 000
وقيمة " العمل " من أهم القيم التربوية والبيئية معاً حيث يدور العمل فى بيئة خاصة به، وحيث تتنوع الأعمال وتتنوع البيئات 0
وقيمة " العمل " من القيم التى حثت عليها الأديان بلا استثناء ، والفلسفات الوضعية واحتلت مكانة عُلا فى الحضارات وبين عالم الحشرات الراقية ( كالنحل ) فلولا عمل " النحل " ما كان الشهد وغنى عن البيان فضله كما أورده القرآن فى التداوى 0
وقيمة " العمل " اتخذها بعض القادة شعاراً لهم حتى صاروا قدوة يضرب بهم المثل ويقتدى بهم شعوبهم مثل المهاتما غاندى الذى كان يغزل ثوبه بنفسه 0
وليس أفضل من رسول الله (ص) الذى كان يحتطب ويحيك ثوبه ويساعد أصدقائه فى طهو الطعام كما أثر عنه ( ص ) فى أحاديثه الشريفة وحثه على العمل بدلاً من التسول 00 الخ تلك المواقف الشهيرة والتى تزخر بها المكتبة الإسلامية 0
ولما كان المثل الشعبى يشتق بعض جوانب فلسفته من الأديان فإنه قد جاء – فى أغلبه – متسقا مع القيم التربوية التى تدعو لها الأديان 0
وعند المقارنة بينهما لا نجد إلا اختلافات طفيفة ربما تتعلق باللهجة أو البيئة ولا تتجاوز ذلك إلى المضمون وحظيت الأمثال الشعبية المصرية بل والعربية والعالمية بوفرة مضمونها التربوى الذى ينطوى على قيم مثل قيمة ( العمل ) موضوع مقالنا حتى تكاد تتشابه فيما بينها، وسنضرب بعض الأمثال باختصار لأن الموضوع أكبر من أن تتسع له هذه السطور القليلة 0
وبداية لقد تعلمنا ونحن صغار أنه من " جد وجد ومن زرع حصد " وهى حكمة عربية صارت تضرب مضرب الأمثال على لسان العامة . ولأن الشعب المصرى شعب زراعى منذ القدم فقد تواكبت أمثال العمل مع البيئة الزراعية ولكنها تجاوزت فى مضمونها الخاص بـ ( الزراعى ) إلى العام ( العمل ) ككل .
فيقال : " من زرع حصد " ، " ومن رش دش " ، " وكل ليل وله آخر " 0
وأيضا " ازرع كل يوم تأكل كل يوم " وهذا يفيد استمرارية العمل وعدم التوقف فكل زرعة تأتى بحصادها وكل عمل يؤتى ثماره 0 وقيل " ومن يزرع الشيء يضمه " وهو بمعنى يحصده ، وهو مثل يبدو فيه استلهام القـرآن " فمن يعمل منكم مثقال ذرة من خير يره، ومن يعمل منكم مثقال ذرة من شر يره " ويقال : " ازرع المعروف تحصد الشكر " ، " اتعب ترتاح " ، " وآخر التعب راحة " و " من تعب ارتاح " " وازرع تنبت " 0
ولايكتفى المثل بالإشارة لقيمة " العمل " مستقلة بل تجاوزها لما يتصل بالعمل نفسه من عــلاقات أو متغيرات 00
فتحدث المثل الشعبى عن قيمة " التعاون فى العمل " وضرورته فجاء المثل " إيد لوحدها ما تسقفش " وأيضا : " القفه اللى لها ودنين يشيلوها اثنين " وأيضا : " الناس بالناس، والكل على الله " أو " الناس لبعضها " ، وتؤكد الأمثال الشعبية على حالة " الجودة فى العمل أو " اتقانه " وليس مجرد تأديته فهى تحث على التعب فيه والجد وبذل الجهد والاجتهاد والصبر 000 الخ 0
فيقول المثل تأكيداً لذلك : " اللى ما يروح الكوم ويتعفر ، لما يروح الجلسة يتحسر " ، وعن السهر فى العمل ومتابعته أو حراسته يقال " واللى يحرس مقامّه ياكُل خيار " أو " الأرض موش شهاوى دى ضرب ع الكلاوى " وهو يفيد منتهى الجد والجلد وتحمل الألم فى سبيل العمل وليس تأدية غرض بسرعة كما تفيد كلمة ( شهاوى ) عند العامة ، أو بساطة الأمور والتدليل والتمييع فى مواقف العمل 0
وأيضا عن " استمرار بذل الجهد فى العمل يقال" : " والزبدة ما تطلعشى ‘لا بالخضَّ " و " اللى ما يقعد فى الكوم ويتعفر يجى فى الجرن ويتحسر" ، " وأسعى يا عبد وأنا أسعى معاك ، وإن نمت يا عبد مين ينفعك " .
وفى المثل الأخير تتضامن مع قيمة العمل قيمة المبادرة إليه والتوكل على الله ، كما تتواكب مع العمل قيمــة ( نبذ البطالة ) فيقال المثل : " الإيد البطالة نجسه " ويقال : " أعمل بخمسة وحاسب البطال " والثانى يؤكد ضمنيا على وجود القدوة فى العمل لكى يستطيع هذا ( القدوة ) محاسبة البطَّال ، لأنه لو كان مثله ( بطَّال ) فإنه لا يقوى على محاسبته بل ليس من حقه محاسبته عملاً بالمثل الآخر الذى يضرب فى هذا المجال : " وما فيش حد أحسن من حد "
وعن قيمة (عدم رفض العمل) وعدم التمرد عليه طمعاً فى عمل أكبريُدر ربحاً أكثر ر4يقال :
" والزرع إن ما غنى ستر " وأيضا : " إداين وازرع ولا تداين وتبلع " ويقصد أن الاستدانة مرفوضة لمجرد الاستدانة لأن " السلف تلف والرد خسارة " ولكن الاستدانة المشروعة إنما هى للحصول على عمل أو توفير أسبابه المادية التى تأتى بحصادها فيما بعد 0
وعن حث الإنسان على إنجاز أعماله بنفسه وعدم انتظاره للغير لينجزونها له فيقال : " أعمل حاجتى بإيدى ، ولا أقول للكلب يا سيدى " ، " واتعب جسمك ولا تتعب قلبك " والمقصود بتعب القلب فى المثل هــــو كثرة ( المناهدة ) مع الآخرين تُوجع القلب من ( كثُر الكلام ) عندما يطلب انسان من آخر أن ينوب عنه فى عمل ما، فيتكاسل الآخر ويتهاون ولا يتحمس له ويظل طالب العمل أو الخدمة يلح عليه فى إنجازها مما ( يتعب قلبه ) فيقول : " كنت عملتها وارتحت ولا تعب القلب " أو "ما حك جلدك مثل إظفرك " 0
وحول مضمون الأمان فى العمل يقول المثل : " صنعة فى اليد أمان من الفقر " ، و " صاحب صنعة خير من صاحب قلعة " ولعل هذا ما يذكرنا بالمثل الصينى الشائع " لا تعطنى سمكة ولكن سنارة – أو يقال – علمنى كيف اصطادها " وحول " استكمال العمل حتى نهايته ، وعدم التوقف فى وسط الطريق نتيجة لأى ضغوط أو إحباطات " يقول المثل : " واللى ابتدا عمل يكمله " أو " اللى بدا المشوار يكمله " أو " ما تجيش فى وسط الطريق وتقول : آى " أو تقال أحيانا " : " وتقعد " ولأن النتيجة تأتى عادة على قدر العمل فى المفهوم الحقيقى للقيمة وفى الظروف الطبيعية قبل أن تختل موازين القيم كما حدث فى العصر الحديث فقد عبر المثل عن ذلك بقوله : " الأجر على قدر المشقة " أو " الأجر على آد العمل " والجزاء من جنس العمل فى الموروث الشعبى فيقول المثل : " المال الحرام يآخد الحلال ويروح " ، " واللى يعفر تعافير تيجى على دماغة " أو " يا فاحت فى البير ومغطيه ، لابد من وقوعك فيه " وأيضا : " النار ما تحرقشى إلا كابشها ( ماسكها " ، " طباخ السم بيدوقه " ، " واللى يفتش وراء الناس تفتش الناس وراه " ، " من دق الباب سمع الجواب " ، " واللى ما يفتح زمبيله ما حد يعبى له " ، و " حط إشى تلقى إيشى " ، " واللى يمسك القطة تخربشه " ، و " اللى يلاعب الثعبان لابد من قرصة " ، و " من غربل الناس نخلوه " 000الخ 0
ان مجموعة الأمثال السابقة إنما تؤكد على أن الجزاء من جنس العمل ولا يتوقع الإنسان أبداً ان الله غافل عما يعمل حتى لو كان فى الخفاء ، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ومن لا يراقب الله يراقبه الناس 0
وتختص مجموعة الأمثال السابقة بالأعمال التى تحض على الشر ( فالخير بالخير ) ، ( والشر بالشر ) وأن ردود فعل الآخرين عادة هى رد فعل لأفعالنا بداية ولذلك فإن الأمثال تنزع إلى مراقبة الإنسان لسلوكه ولعمله أولاً قبل أن يلقى اللوم على الناس ، وعليه أن يسأل نفسه دائماً : ماذا فعلت أنا بداية ؟ حتى يكون رد فعل الناس تجاهى ( كذا ) و (كذا ) 00
" فمن يشكر الله يشكر الناس " وهو مستلهم من حديث الرسول ( ص ) ومن يلوم الناس أيضا ويقدم لهم إساءة أو يستفز بأفعاله كوامن شرورهم فلابد أنه سيلقى رد فعلهم تجاهه بقدر فعله معهم ، كما رأينا فى ( اللى يمسك القطة 000 ، واللى يلاعب الثعبان 00 ) وفى المثل الأخير : " من غربل الناس نخلوه " إنما هو فى غاية الدقة فى التعبير عن مضمون ثقافة العنف والعنف المضاد ، فالمعروف أن ( الغربال ) فى الثقافة الشعبية المادية هو ما يلقى فيه بالحبوب مثل الذرة والقمح والشعير لتتم غربلتها أى فرز الحبوب الكبيرة لأعلى ويتساقط الغبار والهشاشات والكسر أسفل الغربال 0 والمعنى الضمنى – ( كما تقتضى طبيعة المنهجية العلمية فى تفسير الأمثال الشعبية وقراءة ما بين سطور النص اللا معلن وهو ما يعرف بالمنهج الخفى للقراءة أو المنهج التأويلى للرموز والتيمات المتفق عليها شعبياً كالنكات والإيحاءات والإيماءات 000 الخ ) – المعنى الضمنى يشير إلى أن من يحاول أن يفرز أعمال الناس ( على مستوى الفرز فى الغربال ) والغربال ( عيونه واسعة ) فإن الناس فى رد فعلها تجاهه لــن ( تغربل له ) وإنما سيكون رد الفعل هنا أعنف فإنهم ( ينخلوه ) 0
ولتفسير الكلمة لمن لا يقف على بعض رموز الثقافة الشعبية ، فسوف أقدم محاولة متواضعة للتفسير ( لغير المتخصصين ) 0
فكلمة ( ينخلوه ) من ( نَخَلَ ) والاسم منها لغةً هو " المنخل " وهو ما ينخل به الدقيق المطحون الناعم عـــن ( الردَّ ة ) وتسمى هذه العملية ( بالنخل ) وما يتبقى فى المنخل هو ( النخالة ) والثقوب هنا ضيقة للغاية ومن المناخل ما يعرف بالمنخل ( السلك ) وثقوبه اكثر اتساعاً ، والمنخل ( الحرير ) وثقوبه تكاد لا تبين بالعين المجردة فهو من قماش الحرير المتين المشدود حول الإطار الخشبى 0 وفى الحالتين سواء المنخل ( الحرير أو السلك ) فالثقوب أضيق بكثير من الغربال بحيث لا مقارنة ، وكما ذكرنا الغربال لفصل الحبوب الكبيرة والمنخل لفصل الجزئيات الصغيرة المتناهية فى دقتها ، وبالتالى جاء المثل معبراً تماما "ومن يغربل للناس ينخلوه " أى يأتوا على دقائقه المشينة " فالعين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم " 0
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © 2003 - 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق