أمثال شعبية مغربية في شؤون الحياة الاقتصادية
دعوة الحق110 العدد
ان الأمثال والحكم الشعبية تكون، في غالب الأحيان، مسبوكة في عبارات وجيزة ومسجوعة؛ وكثيرا ما تكون متداولة في الأوساط الوديعة لأنها وليدة الحياة اليومية والخبرات الذاتية. فهي تنبع وتنشأ في الأسواق والحانات والفنادق والحمامات والمقاهي الخ. ولا يهتم بها الكتاب والأدباء إلا لجمعها ولتبويبها أو لدراسة ما تشتمل عليه من ألفاظ عامية، وفصيحة وغريبة في آن واحد.
فإننا لا نسمع اليوم الأمثال إلا في«الحلقات السوقية» أو «المسرحيات العامية» وأكثرها عرف منذ أحقاب، لان زمان«السرعة»و«الطبعة» لا يساعد على انبثاقها ورسوخها في الأذهان،ورغم أقدميتها، فإنها تعبر عن حقائق ما زلنا نعتبرها واقعية بالنسبة لبيئتنا الإجتماعية، وذلك لأنها تعبر عن عواطف وعادات جماعية متأصلة الجذور متمكنة من النفوس، ولا تتغير بسرعة شان الأفكار والآراء.
واني أسوق هنا أمثالا شعبية ذات صلة وثيقة بطرق الكسب والحياة المعاشية؛ فإنها بمثابة حكم ووصايا قد تبدو ساذجة وبسيطة إلا أنها ما زالت توحي بالتيقظ والحذر في مواقف شتى من مواقفنا الحياتية، وهي، على كل حال، تصور جوانب كثيرة من الحياة الاقتصادية التي عرفها المغرب قبل عهد التصنيع، وتشخص عادات وتقاليد وأحكام قد يكون بعضها تغير مع تغير النظم والأوضاع، إلا أن أكثرها لم نزده الأيام إلا قيمة واعتبارا.
1)«اللي ما عنده فلوس كلامه مسوس»
الشعب يعرف قيمة«الدراهم»ويعرف انها اللسان لمن أراد فصاحة، والسلاح لمن أراد قتالا وإنها هي التي تجعل الحياة طيبة،إذ
2)«الفقر مشين القعدة ومقبط الرعده»
يجعل الحياة«مسوسة»لا يستساغ طعمها. ومن المعلوم أن هذا «حكم من يعتبر المال وسيلة الحياة لا الحياة وسيلة للمال». وقد أورد ابن خلدون ما يؤيد «ثقل وزن الغنى» وما يلاقيه المثري من تقدير وتبجيل، حينما ذكر في مقدمته نموذجا مما كان يسمى«بالاعاريض المزدوجة» وهي الموشحات المنظومة باللغة الحضرية وتسمى كذلك «عروض البلد»، والنموذج المذكور منسوب لابن شجاع التازي، وهو:
المال زينة الدنيا وعز النفوس يبهى وجوها ليس باهيا
فها كل من هو كثير الفلوس ولوه الكلام والرتبة العاليا
سمعنا العامة تقول:
3)« الأقرع بفلوسه جيب ذاك الراس نبوسه»
لان الثراء يضفي على صاحبه رداء التقدير والإكبار، فترى الناس ينظرون إليه بعين الرضى متغاضين عما يكون به من عيوب ونقائص، يستمعون، لأقواله، ويؤمنون لدعواته، ويحضرون حفلاته- وإن كان هو نفسه لا يدعو إلا الأثرياء أمثاله- ويعودونه إذا مرض ويقفون بجانبه في المحاكم، ويزوجونه إذا رغب في الزواج ومتغافلين، في بعض الأحيان عن كبر سنة، وارتخاء عضلاته، وارتعاش مفاصله.
والغني إذا توقف على قسط من المال يجد بسهولة من يقرضه.
4)«اللي عنده القمح يتسلف الدقيق»
والغني إذا مات تشيع جنازته أفواج من ذوي الجلاليب والسلاهم، وطوائف من الفقراء وحفظة القرءان، ويترحم عليه الأقارب لاسيما إذا كانوا ممن يستفيدون مما يخلفه من مال أو عقار أو عروض.
5) «الله يرحم من مات، وخلى الميدة( المائدة) عامرة بالفتات»
ولكن لا ننسى أن الشعب يميز بين الأغنياء ذوي النعمة الحديثة، والأغنياء الذين«ولدوا في الخير والخمير» وورثوا المال خلفا عن سلف ولم يذوقوا مرارة الجوع، ولم يسبق لهم أن أهينوا أو احتقروا. والحديث النعمة، مثل أولئك الذين« دعوا بأغنياء الحرب» أو «المارشي نوار» ( السوق السوداء)، يكون عادة جامد الكف، مغلول اليد، وكثيرا ما يتعالى عن الفقراء وخصوصا عن أولئك الذين يكونون قد عرفوه أيام البؤس والشقاء، لأنه يعرف قيمة«الفلس»وقد يكون سبق له أن وقف بين يدي أثرياء ذوي نفوس قذرة ونوايا فاسدة أو أغراض خبيثة.
6)«تأكلها من يد الشبعان إذا جاع، وما تأكلهاشي من يد الجيعان إذا شبع»
والشعب إذا كان يقدر المال ويعتبره أقوى مذلل للمصاعب، وأنجع وسيلة لتحقيق الرغائب واكبر مشجع على خير الدنيا والآخرة،وإذا كان يفرط أحيانا في تبجيل الأثرياء، حتى ذوي الصناديق الثقيلة والقلوب القاسية، فهو لا يرى من الحكمة في شيء أن يعيش الإنسان فوق مستواه.
7)«على قدر فراشك، مد رجلك»
ولا يحبذ الإسراف والتبذير أو على الأقل التسارع الى اقتناء الكماليات سيما بالنسبة لمن لا تسع إمكانياتهم حتى الضروريات.
8)«الشيء من الشيء نزاهة، والشيء من قلة الشيء سفاهة»
السفيه هو الذي لا يحسن التصرف، ولا يوثق بمشروعيه معاملته إذ السفاهة من موجبات«الحجر» والمنع من«النزاهة» لأن «النزاهة» تليق يمن يعرف أين يضع رجله ويحسن اختبار ما يدخل عليه السرور، ويستطيع على كل حال، أن يؤدي ما تستوجبه
«نزاهاته» من مصروفات، حتى إذا انحرف عن الذوق السليم ومال عن«العرف» المقبول.
9)«اللي عنده سميده، كل يوم عيده»
10)«اللي كثر زعفرانه، يعمله في أغلال»
«أغلال» يكفيه الصعتر«والكمون» و« قشور الليمون» لتطيب رائحته، و«يطيب» مرقه، ولا يتوقف على الزعفران وهو«مادة» غالية الثمن تستورد من الخارج، وتستعمل بمقدار، وفي ألوان خاصة من «الطواجين» فاستعمال الزعفران في «أغلال» إذن أمر نادر، ولا يقدم عليه إلا من لا يهمه ان يراعي ما ألفه الناس،«للناس فيما يعشقون مذاهب» ومن المعلوم ان الحاجيات تتفتق بازدياد الدخل.
11)«منين تشبع الكرش، تقول للرأس غني»
11) «أش خصك العريان: الخاتم أمولاي!»
إذا امتلأ بطن الإنسان وبطون من يعولهم فانه يسوغ له أن يفرج عن نفسه بالغناء، وقد يسرت ذلك الإذاعات. ولكن كيف يسمح للعريان بشراء الخاتم؟! والمألوف أن،
13)«اللي كثروا فلوسه، يحج، وإلا يتزوج وإلا يهدم داره ويعاود يبنيها»
حقيقة فان المغاربة الأثرياء يرون في هذه «المنافذ» الثلاثة استجابة لواجبات دينية ويرون فيها كذلك تنشيطا لحركات اقتصادية.
فالحج يغدي العواطف الدينية وييسر زيارة البقاع المقدسة، والاتصال بمؤمنين يأتون من أقطار مختلفة إلا أنه قد يفهم من«الحج» إقامة «المواسم» وزيارة «الأولياء» وما يترتب على ذلك من تنظيم الحفلات والرقصات «الفلكلورية».
والزواج يضمن استمرار النسل ويوثق أواصر المصاهرة، إلا أنه يفتح باب الإسراف، وكثيرا ما يؤدي الى التنافس في الولائم والتفاخر في الملابس والتباهي في محتويات«الشوار».
وأما البناء فانه يوسع ميدان الشغل ويشجع المحترفين والفنانين من «زلايجية» و«جباسة» و«نقاشة» و«رقائقية» الخ.
فالمغاربة، ولا سيما أهل المدن منهم، مولعون بالتعمير، ويقيمون البنايات، إما للترفيه، وإما للكسب،وإما في سبيل البر والإحسان، ويعتنون عادة عناية كبرى بتزيين الأبواب، وتزليج أفنية الدور ونقش الابهاء والحنايا الخ.
وأما الموسرون منهم وذوو البيوتات والمناصب العالية فإنهم يتبارون في تشييد «القصور» و«المنتزهات» ولا يتأخرون عن استخدام أمهر الصناع، وأغلى المواد واقتناء أنفس الاواني وأحمل الزرابي الخ.
14)«الشنعة، خيرمن الشبعة»
نعم، فان الرغبة في«الشنعة» أي «السمعة» هي التي تدفع بالإنسان ،في غالب الأحيان، الى تشييد الدور الفخمة، واقتناء الملابس الأنيقة، وارتياد المصايف المشهورة، وركوب السيارات ذات الألوان الزاهية، وتنظيم الحفلات والسهرات، والاستقبالات الخ.
كل ذلك طيب ما دانت تلك«الرفاهيات» في نطاق الإمكانيات، ولكن إذا كان الوصول الى هذه «الشنعة»، لا يتم إلا بقبيح الصنعة أو بالتقتير في«الضروريات» المعاشية أو بالاقتراض من عمر أو زيد، فان الحكمة الشعبية لاتقرر ذلك.
15)«المزوق من برا، أش حالك من داخل»
بل تسفه من يعتمد على«الدين» ليظهر في مظهر«زين» فمن الأمثال المغربية في هذا الموضوع:
16) «الدين، مسود الخدين»
17)«المكسي بديال الناس، عريان»
18)«ما يغلبك غير اللي يقول لك: اخرج من داري، وإلا أعطيني ديالي»
19)«حبة قرض، نخلي أرض»
نعم كل منا يعرف ما ينتج عن «القرض» من تقييد للحرية وتضييق لمجال التصرف، فالدائن غالبا ما يكون من المرابين الذين شغفهم حب المال وخلت قلوبهم من الرحمة والإحسان، يطففون في الكيل والميزان، ويبيعون الدونى من البضائع بأفحش الأثمان، وقد يفرضون على صاحب الأرض لونا من ألوان الفلاحة، وطريقة من طرائق الاستثمار، وعلى التاجر أسلوبا من أساليب المعاملات حتى يضطر المدين الى فك رقبته بوسيلة من الوسائل ولو كان ذلك ببيع أرضه أو بإخلاء داره أو مغادرة وطنه.
ولا يخفى على ذوي الاطلاع أن«القرض» كثيرا ما أفضى بأمم ذات ماض مجيد بالوقوع في أيدي الاستعمار الخانقة، وأنها لم تفلت منها إلا بالرجوع الى حسن استغلال ما لديها من خيرات مادية وطاقات بشرية.
هذا وإذا كان«الدين» وخيم العواقب فان الاقتصاد( التوفير) يعتبر لدى الشعب من الصفات المحمودة.
20)«الاقتصاد في المعيشة، نصف العيشة»
21)«الاقتصاد في الكشينة،( المطبخ) يبني مدينة»
وهناك أمثال شعبية تحث على التقتير بل تدعو الى الصبر على الجوع إذا كان ذلك يفيد الاعتزاز بالنفس وادخار ما قد يساعد على تحسين الحالة وتوفر الكرامة.
22)«بات بلا لحم، تصبح بلا دين»
23)« اللي خلى غداته لعشاته، ما تشفوا فيه أعداته »
24)«عمر كرشك بالتبن، وادهن شواربك بالسمن، ودز على عدوك مصبن»
ولكن إذا كانت الأمثال تحض على الاقتصاد وحسن التصرف فان الشعب لا يرى خيرا ولا نفعا، في اكتناز الأموال في الصناديق، والامتناع عن ترويجها واستثمارها في ما يحل ويطيب من طرق الاستثمار.
يقول العوام:
25)«اصرف ما في الجيب، ورب يجيب، مافي الغيب»
إلا أن من الناس من يذكرون هذا المثل للصد عن الشح وللحث على استخدام الأموال طلبا للربح وتنمية رؤوس الأموال، وعلى المغاربة في الأخذ والعطاء، ومنهم من يسوقونه حضا على التبذير والإسراف ،بل على«الاتكال»و«التوكل» الذي لا يسانده عمل ولا سعي كان من شأن السماء «أن تمطر الذهب والفضة» فان هذا الصنف من الناس يرون انه من العبث أن يضع لموارده ومصاريفه«ميزانية».
26)«ما كيحسب غير المزلوط»
«المزلوط»هو الذي يعيش في الفقر والعسر وهو قلما يطبق قول القائل:
27)«اللي جابوا النهار، يديه الليل»
بل كثيرا ما يضرب الأخماس في الأسداس عسى أن يحظى بما قد يلقى على أيامه القاتمة بصيصا من النور وذلك لكي:
28) « نجمع قريش على قريش، حتى يعمل كديس»
ومهما يكن من أمر فان المغاربة، بصفة عامة لا يضعون لإنفاقاتهم المنزلية «ميزانية» فالعامل مثلا أو الموظف يعرف ما يقبض، ولكنه لايستطيع أن يتوقع بكيفية دقيقة ما قد يفتح أمامه من أبواب الإنفاقات الاستثنائية، فالضيوف كثيرا ما « يفاجئون» في أيام قد يكون فيها رب البيت في حيرة من أمره بسبب «هزال كيسه» والأقارب و«المعاريف» كثيرا ما«ينزلون»«بدجاجة» ولا يرحلون إلا بعد أن يأكلوا «أخرافا» و«ديوكا» وأحيانا إلا بعد أن تجدد لهم الملابس وتقدم لهم أجرة السفر.
فالمغربي وبالخصوص الفلاح أو التاجر الموسر كان، الى عهد قريب، لا يشتري ما قد يتوقف عليه من مواد غذائية أساسية بالتقسيط وبالكيلو«والرطل» بل كثيرا كان يشتري، في الابان المناسب، ما يكفيه لسنته، من قمح وشعير، وزيت وسمن و«خليع» الخ ويدخر في«خزين المنزل» يدفع «مفاتحه» لزوجته أو لامه أو لحاضنته «دادة» أي لامرأة رصينة تحسن التصرف، وتضع الأشياء في مواضعها، والمغربي الذي تكون هذه حالته، يعيش عادة في دار كثيرة المرافق ولا يتضيق من «الضيوف» سيما إذا كانوا من أقاربه أو من الذين بينه وبينهم معاملات تجارية أو فلاحية تعود عليه وعليهم بالنفع والفائدة.
أما في أيامنا هذه فان المغربي وبالخصوص الذي بالمدن، موظفا كان أو عاملا أو تاجرا فانه قلما يفكر في «العولة السنوية» لان «قضاءه الحيوي» من حيث المنزل، ومن حيث الأثاث ومن حيث الاواني، ومن حيث«العملة» لا يسمح له بذلك:
29)«بنات اليوم، بنات الرطل والنص رطل، من القفيفة للصحيفة»
فلننظر الآن ما هي طرق الاكتساب والارتزاق التي عرف المغاربة فضائلها وتواصوا بإتباعها.
ان الطبقات الشعبية من أهل المدن لا تستنكف من الاحتراف ولا ترى غضاضة في الأعمال اليدوية.
30)«الحر حر، والصنعة ما انضر»
والمغاربة، بصفة عامة، يقبلون على الصنائع ويرون فيها مكتسبا حلالا يضمن لهم العفاف والكفاف والغنى عن الناس، الأحياء منهم والأموات:
31)«يمشي مال الجدين، وتبقى صنعة اليدين»
وكثيرا ما نرى أفراد أسر معينة يتوارثون ألونا من الحرف و«الصناعات التقليدية» ويعلمها كبيرهم لصغيرهم حتى نرى أسماء بعض الحرف تصير أعلاما لبعض الأسر«الصباغ» و«النجار» و«عواد» و«الخياط» و«الكباص»و«الحرار». وما ذلك إلا لان أفراد تلك الأسر تسابقوا الى تعلمها حتى عرفوا بها أو عرفت بهم.
23)«صنعة بوك،لا يغلبوك»
ولكن كثيرا ما ترى أيضا أصحاب الصنائع التقليدية المشهورة يأنفون من تعليمها لمن ليس من أقاربهم.
33)«صاحب صنعتك عدوك، وأخا يكون بوك»
إذ كثيرا ما تؤدى المشاركة في الحرف الى التحاسد العقيم بدل ان يؤدي الى التنافس المثمر الراجع الى ما ترتكز عليه السمعة الطيبة من إتقان في العمل وتحسين طرق انجازه، وهذا ما يحمل جهة أخرى العملة الذين لم يحرصوا آباؤهم على تعليمهم صنعة معينة، ان يقبلوا تارة على هذه الصنعة وطورا على تلك، فلا يستطيعوا الوصول الى المهارة التي تضمن لهم الدخل المنظم:
34)«سبع صنايع،والرزق ضايع»
لقد قيلت عدة أمثال في الحرف، وأصحاب الحرف وفي معاملاتهم، خصوصا فيما يجب مراعاته؛ فإنه من الآزم أن تحدد للصانع شروط العمل من حيث الكم والكيف، ومدة الإنجاز والثمن، وطريقة الأداء الخ!.
35)«الشرط سيد الأحكام»
36)«اللي أوله شرط، آخره سلامة»
وإذا كانت المماطلة في تأدية أجرة العمل تعد من أكبر العيوب فإن تسبيق الأجرة كثيرا ما يفضي إلى النزاع، إذ يقولون:
37)«تسبيق الأجرة، من تبطيل العمل»
لأن العامل الذي يتوصل بالأجرة قبل أن ينجز العمل المطلوب منه يميل عادة إلى التهاون، موهما أنه لا يقصد إلا الخير ومتعللا بالأنثال التالية:
38)«لا زربة على صلاح»
39)«ازرب تتعطل»
فإذا كان القرويون يهجرون إلى المدن للبحث عن العمل، ويتحملون أنواع المشاق للحصول على القوت والمأوى فإنهم يقدرون ما للاستقرار من فوائد «اللي تبت نبت»ولا يغادرون البادية إلا عندما لا يبقى لهم بها عمل مجد أو عندما ينزل بهم فيها ظلم أو حيف، حينئذ يخضعون لما قد تفرضه عليهم الظروف القاسية:
40)«الخدمة مع النصارى ولا لجلاس خسارة»
41)«اللي ترهنه بيعه، واللي تخدمه بيعه»
وأما إذا كان لهم أراض أو كان من المتيسر عليهم أن يكروا فدادين يحرثونها أو أن يعملوا كخماسة فإنهم يقبلون على الفلاحة لما قد تدره الأرض من خيرات، ولأنهم يرون أن الإقتصاد بني على الفلاحة –اذ لم يعرف المغاربة التصنيع الحقيقي إلا في العشر سنوات الأخيرة- بل يرون أن الخير كل الخير فيما تجود به عليهم الأرض واما المكاسب الأخرى فما هي، في نظرهم إلا روافد.
42)«حرثة ولا ورثة ولا سر حتى»
43)«احرث وطول المرجع، فلوس التاجر لك ترجع»
وهناك أمثال تبين فوائد «إراحة الأراضي بتركها بورا وفوائد التوسيع بين الأشجار:
44)«بور أرضك يكبر حضك»
45)«الشجرة تقول لأختها بعدي ظلك على ظلي نجيب حملك وحملي»
فلننتقل الآن إلى التجارة، إن لفظة «تاجر»كثيرا ما يكون لها في العامية معنى «الغنى» «الموسر» وغالبا ما يطلق في المدن الكبيرة مثل فاس ومراكش والدار البيضاء على «اليهودي التاجر» وفي البداية على «المعمر الاوربي» صاحب «الفرمات» (الضيعات) .
وجولة قصيرة في الأحياء التجارية، وفي الأسواق الأسبوعية، ومراكز الجماعات القروية وفي المعارض الوطنية والدولية، كافية لإبداء ما للمغاربة من نشاط مثمر في الميدان التجاري.
ففي «القيساريات» و «الفنادق» والأزقة المخصصة لأنواع المبيعات نرى الأكوام من البضائع المستوردة من الخارج أو المعدة للتصدير، ونرى الدكاكين المثقلة رفوفها بالأثواب والملابس، والأحدية والأواني، ونرى كذلك أكياسا وصناديق وسلاسلا من «القطنيات» والخضر، والفواكه، الخ...
وفي الأسواق القروية نرى نماذج عديدة من البضائع والسلع وقطعانا من الغنم والبقر، والحمير والبغال.
واذا أنت دخلت، في أيام معينة من الأسبوع أو في أوقات محددة من كل يوم، بعض الأسواق أو الرحاب المعدة للبيع والشراء فإنك تشاهد طوائف من الباعة القارين أو المتنقلين، وأفواجا من الرائحين والغادين لقضاء لقضاء مآرب، وتسمع أصوات الحمالين، والسقائين والدلالين.
وعلى ذكر الدلالين نسوق هذا للمثل:
46) «اللي صدق دلاله لا ربح ولا رأس ماله»
وهذا المثل قد يصدق على «السماسرة» لأنهم يعملون تحت ستلر السر والكتمان عندما يتوسطون في بيع دار ودكان أو ضيعة، فأنهم في غالب الأحيان يزينون المكان في نظر الشاري ليدفعالثمن المطلوب و«يظهرون» للبائع العيوب لكي يتنازل عن القدر من الثمن. هذا وقد يقع اتفاق بين السمسار والشاري لغبن البائع بوسيلة من الوسائل.
إن كثيرا من الأمثال المتعلقة بالتجارة أي بالبيع والشراء تشير إلى أن المشترين، وخصوصا الذين يؤدون ثمن مشترياتهم نقدا، قلما يتقنون بضاعة من غير أن يتحققوا من سلامتها وصلاحيتها، ومن أن يطيلوا المساومة، لأنهم مقتنعون بأن التجارة لا يستنكفون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق