درعا- الأمثال الشعبية في حوران جزء من تراثنا الثقافي الذي هو هويتنا وعنواننا والدال علينا بين شعوب العالم ولذلك تعتبر الأمثال جزءاً من شخصيتنا ودلالة واضحة على حياتنا وطريقة تفكيرنا.
المثل هو ظاهرة اجتماعية تستمد قيمتها الذاتية والموضوعية من سياق الحدث أو السلوك الاجتماعي ويقال إن الأمثال ظواهر اجتماعية موجودة في المجتمع وتسبق وجود الأفراد وتبقى بعد فنائهم تسري بين الناس وتكون بمثابة قانون غير مكتوب لهم.
ويقول الباحث تيسير الفقيه إن مصدر المثل الشعبي الطبقة الفقيرة والمتوسطة لأن الفرد يعزز الجملة المثلية البدائية في سياق الحدث الاجتماعي المحدد في فترة زمنية محددة وفي بيئة اجتماعية ومكانية معينة، لافتاً إلى أن شكل المثل يتعرض لتغيرات وتطورات فتصبح كلماته أكثر سلاسة وتناغماً ليدخل بعدها مرحلة الشيوع والانتشار والرواية والمشافهة والأحاديث العامة والخاصة ويتحول من نطاق الفردية إلى نطاق الاستخدام الجماعي ليصبح منظومة الموروثات الثقافية للمجتمع.
ويضيف أن المثل الشعبي ينتقل بشكل شفهي من جيل إلى جيل ويحرص البعض على حفظه والاستشهاد به ليحل محل الدستور أو القانون الذي ينظم السلوك ويحكم العلاقات أوالخلافات بين الأفراد، مشيراً إلى أن المثل ينتشر بشكل كبير في القرى والبوادي أكثر من المدن بسبب شكله التعبيري من جهة وصياغته العامية من جهة ثانية ما يشكل ما نسميه الحكم الجاهز الذي يقال في مكانه فعندما يذكر المثل يكون جواباً قاطعاً ودليلاً موثقاً وحجةً واقعيةً في يد المتحدث.
وقد تطرق المثل الشعبي الحوراني إلى كل مناحي الحياة بأدق تفاصيلها، حيث قيل لكل مقام مقال ويقول العرب المثل في الكلام كالملح في الطعام.
ويشير الفقيه أن المثل الحوراني يتميز بقصره واقتضابه المجالس مدارس، لافتاً إلى أن الأمثال تطرقت إلى بعض الأكلات الحورانية “المجدرة مسامير الركب”.
وتكثر في الأمثال الشعبية الحورانية العبارات المأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية مثل “صفي النية ونام بالبرية” و”اعقلها وتوكل” و”ابن يومين ما يعيش ثلاث”.
ويحث المثل الحوراني على مكارم الأخلاق والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد وعلى حسن التعامل مع الجار “النبي وصى بسابع جار” و”الجار قبل الدار”، كما نهى عن العصبية والخلق السيئ وسوء التصرف بالصيد “بالميه العكره”.
ويضيف أن المثل الحوراني يشجع على الزواج لكون العمل الزراعي يحتاج إلى أيد عاملة “جوز الولد بيجيه ولد”، “بارك الله في البيت يلي يطلع منه بيت”، “كل شي بدو عقل إلا العرس بدو جنان”، وحث المثل على التحلي بالصبر والتمهل في اتخاذ القرار “من صبر ظفر” و”القناعة كنز لا يفنى”.
ولفت الفقيه إلى أن المثل الحوراني شجع على الرجولة والشهامة والإباء وعزة النفس “أكل الرجال على قد أفعالها”، لافتاً إلى أن المثل الشعبي دعا إلى المطالبة بالحق وعدم السكوت عنه “ما يضيع حق وراه مطالب” و”الله ما سمع من ساكت”، ونهى عن الحرام وحث على فعل الخير والنية الحسنة “مال الحرام بوخذ مال الحلال معه” و”ابن الحرام ما خلى لابن الحلال مطرح”.
ويضاف أن المثل الحوراني نهى عن إقامة العلاقات الاجتماعية على أساس مادي صرف كالزواج والصداقة “يا ماخذ القرد على مالو بروح المال وبيظل القرد على حاله” و”المال يلي بتجيبو الريح بتوخذه الزوابع”، منوهاً إلى أن المثل حث على التواصل بين الأقارب “الظفر ما يطلع من اللحم” و”ما بغطي على العين غير جفونها” و”أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”، ونهى عن الطمع “الطمع ضر ما نفع”.
كما يدعو المثل الحوراني إلى القوة لأن الحوراني قوي البنية والشكيمة وتجتمع فيه صفات سكان الجبال وسكان السهول والبادية “الشجاعة صبر ساعة”، وحث المثل على ضرورة الحزم في الأمور واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب “دق الحديد وهو حامي” و”كل شي بوقته حلو”.
ولأن الحوراني عزيز النفس يكره الضيم والذل ولا يستسلم، فقد دعا المثل الشعبي الحوراني إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على الكرامة “هين فلوسك ولا تهين نفوسك”، وبين الفقيه أن المثل الشعبي الحوراني يدعو إلى ضرورة الحذر في التعامل مع الأشرار “اذا ما كنت ذيب بتوكلك الذياب”، وحث على الإيمان بالقضاء والقدر “المكتوب ما منه مهروب” و”المكتوب على الجبين بدها تشوفه العين” و”كل تأخيرة فيها خيرة” و”شو ينفع الحاسد مع الرازق”.
ويضيف أن لأهالي حوران تسمياتهم المناخية الخاصة، فهم يقسمون فصل الشتاء إلى 40 يوماً وتسمى المربعانية الصبيب بالمربعانية والفعل لشباط ثم خمسين يوما وتسمى الخماسينية وهناك سعد ذابح وسعد بلع وسعد السعود ثم سعد الخبايبا وسقوط الجمرات، لافتاً إلى أن لأهالي حوران أيضاً تسمياتهم بالنسبة للرياح والأمطار، فالرياح التي تهب من الجنوب الشرقي نهاية فصل الربيع تسمى السفحة لأنها تؤذي المحاصيل وخاصة القمح، أما الرياح التي تهب من الشرق نهاية فصل الخريف فتسمى الشراقي، بينما الندى الذي يتشكل في نهاية الربيع يسمى الصبيب والصقيع القادم في فصل الشتاء يسمى الحورة أو القحيط.
كما تعكس الأمثال الشعبية الحورانية العلاقة بين الإنسان والأرض “كانون فحل الشتاء مثل غيمة شباط آذار الهدار أبو الزلازل والأمطار فيه سبع ثلجات كبار بنيسان لاطلع الدحنون وهو نبات “خبي بذارك يا مجنون”، “بأيار اسحب منجلك وغار”، “بحزيران خبي رزقك بالتبان”، “بتموز بتنشف المي بالكوز”، “آب اللهاب أيلول ذيلو مبلول”، “بين تشرين وتشرين صيف ثاني”.
وبالتالي فإن موضوع التراث شغل العالم أجمع سنوات طويلة واهتمت به الأمم المتحدة وخاصة منظمة اليونسكو وكل الدول ذات التراث العريق للمحافظة على هويتها أمام امتداد العولمة، وكانت سورية من أوائل الدول التي استجابت لنداء المنظمة حيث وقعت الاتفاقية لتصبح بذلك معتمدة رسمياً من قبل سورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق