يقول المثل الشعبي: «الجنازة حارة والميت كلب»، والمعنى أن الذى مات لا يستحق هذه الجنازة.. ولكن هناك موروثا شعبيا آخر يقول: «لما مات كلب سيادة القاضي، سارت البلد فى جنازته، ولما مات القاضى لم يمشِ أحد فى جنازته».. والمعنى أنه من أجل صاحب الكلب كانت الجنازة طويلة دامعة.
وحدث فى التاريخ أن أقيمت جنازات للكلاب، ولنفس السبب، أى لأهمية صاحب الكل.. وكثيرا ما أوصى أناس بثرواتهم لكلابهم.. إما لأنهم بلا ورثة وإما لأن لهم ورثة لا يستحقون هذه الأموال.
وقد حدث مرة واحدة فى التاريخ كما يقول الكاتب الراحل أنيس منصور أن امتدت جنازة مسافة طويلة، والناس فى غاية الحزن والأسى، ومعظمهم كان يبكي، لا بسبب الذى مات ولكن مجاملة للشاعر الرومانى الكبير فرجيل. فقد كانت الجنازة لذبابة، والذبابة كانت حبه الوحيد، وحشرته المفضلة، ويقال إنه تعهدها بالعناية والرعاية حتى كبرت وتدللت.
وماتت، أو هو قتلها، لا نعرف. وأقام لها ضريحا فخما وسط حديقة وعيون مائية وورود وزهور.. أما الحزن فواضح جدا على الشاعر الذى نظم فى الذبابة أبياتا من الشعر. وتلقى العزاء من الشعراء أبياتا وأغنيات.. وكلها تتحدث عن مآثر هذه الذبابة، التى يكفيها شرفا أن أحبها وجمع الناس حولها ووراءها الشاعر العظيم فرجيل. ومن بين الناس وزراء وأعضاء مجلس الشيوخ وحكام الولايات وشعراء ومطربون.
أما سبب هذه الجنازة فلا يخطر على البال، ففى ذلك الوقت كانت الحكومة تصادر أملاك الشعب من أجل المجهود الحربي. وبسرعة اخترع فرجيل حكاية موت الذبابة ومقبرتها لأن القانون يقول: تصادر الدولة أية أملاك بشرط ألا يكون طيها مقابر. ولم ينص القانون على إن كان المتوفى إنسانا أو حيوانا أو حشرة!
وكانت الجنازة الحارة والميت: ذبابة!
ونأتى إلى قصة كلب الثورة اليونانية، وفى حالتنا تلك، فقد كانت الجنازة حارة والميت كلبا فعلا، ولكن هذه المرة يستحق الحزن والوداع الحار، حيث اجتاحت موجة من الحزن شبكة الإنترنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعى فى أكتوبر ٢٠١٤، بعدما توفى الكلب «لوكانيكوس»، والذى ذاعت سيرته بعدما شارك منذ عام ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٢، فى التظاهرات والاحتجاجات التى اندلعت باليونان، ضد سياسات صندوق النقد الدولى والتى كانت تعنى تطبيق سياسات التقشف اقتصاديا، حتى أطلق عليه عدة ألقاب منها «الكلب الثوري»، «الأسطورة»، «كلب الانتفاضة».
اختارته مجلة «تايم»، ضمن لائحة شخصيات عام ٢٠١١
ومن «الكلب الثورى» إلى «الكلب الوفى»، حيث تم العثور فى فبراير من العام الماضى على كلب ميت بجوار قبر صاحبه بعد حراسته ١٢ عامًا، وذكرت تقارير صحفية من دولة «فنزويلا» أن الكلب (كابتن) ظل يحرس قبر صاحبه لما يزيد على عقد كامل فى مدينة فيلا كارلوس باز، حتى نفق.
وقد عثر على (كابتن) وهو كلب حراسة ألمانى يبلغ عمره ١٦ عاما ميتا أمام قبر صاحبه بعدما عانى فترة من تردى أوضاعه الصحية.
وقد أصر الكلب المخلص على الرحيل من منزل ميجيل جوزمان بعد موته فى مارس عام ٢٠٠٦ حتى ظنت عائلة جوزمان أن كلبهم نفق أو هرب ليجدوه بعدها على قيد الحياة لكنه يعيش بجانب قبر صاحبه.
ومن الثورة والوفاء إلى كوكب اليابان حيث كانت الجنازة حارة وكان الميت «كلبا آليا» حيث قررت شركة «سوني» للإلكترونيات، أن تكرم ١١٤ كلبًا من «كلابها الآلية» من نوع «إيبو» التالفة، وذلك بعد مرور ٢٠ عامًا على تصنيعها.
وفى جو يسوده الحزن ويخيم عليه الطقوس الشعائرية التى تستخدم فى تشييع جثامين الموتى، أقامت الشركة اليابانية «جنازة مهيبة» للروبوتات التى لم تعد قابلة للإصلاح فى معبد «كوفوكوجي» قرب العاصمة طوكيو، حيث وقف «الكاهن» وفى إحدى يداه «مبخرة» يصلى ويتلو التراتيل من أجل راحة أرواحهم «الإلكترونية» التى كانت سببًا فى رسم البسمة على وجوه الآلاف من المسنين والأسر فى اليابان فى أوقات لم يكن للبشر نفع مثلما كانت تفعل هي، وفقا لما ذكرته صحيفة «japantimes» اليابانية.
ووفقا للصحيفة اليابانية، علقت «سوني»، «ورقة» فى رقبة كل كلب، مكتوبا عليها بياناته الشخصية، من أين أتى؟ ومن عائلته؟، التى وضعت فى مأزق بعدما توقفت الشركة عن إصلاح تلك الروبوتات عام ٢٠١٤، لنقص قطع غياره الأصلية.
الكلب الراحل «إيبو» جرى الإعلان عنه لأول مرة عام ١٩٩٨، ثم طرح للبيع فى ١٩٩٩ ليحقق أرقامًا كبيرًا رغم ارتفاع ثمنه فى ذلك الوقت، حيث نفدت ٣ آلاف نسخة منه فى ٢٠ دقيقة، بسعر ٢٥٠ ألف ين يابانى أى ألفا دولار أمريكى للكلب الواحد، وتمكنت «سوني» من بيع قرابة ١٥٠ ألف كلب تقريبا قبل أن تتوقف عن إنتاجه عام ٢٠٠٦ بسبب قطع غياره باهظة الثمن.
ويتميز «إيبو» بأنه يستطيع أن يقوم بالكثير من الأعمال المضحكة وقادر أيضًا على تغيير مشاعره والتعبير عنها، كما يستطيع أن ينقل الكلام بالنص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق