الجار في الأمثال الشعبية

الأمثال الشعبية- بقلم: زينب مصطفى

عَلاقةُ الجوارِ مِنَ العَلاقاتِ ذاتِ الآثارِ العميقةِ في حياةِ الناسِ، وقدِ استقرَّ في الوجدانِ الشعبيِّ أهميةُ هذه العلاقةِ فعبَّرَ عنها في أمثالٍ خالدةٍ تعكِسُ القِيَمَ الإنسانيةَ التي تتضمَّنُها هذه العلاقةُ في أطوارِها وأحوالِها المختلفةِ.

عبَّرَ الناسُ عن حِرصِهِم وتقديرِهِم لعلاقةِ الجوارِ كنعمةٍ يَنبغي أنْ تُصانَ وتُراعَى فقالوا:

  • الجار قبل الدار.
  • قبل ما أقول أهلي يكون جيراني غاثوني.
  • إن كان جارك في خير، افرح له.
  • جارك القريب ولا أخوك البعيد.
  • ما يعرف أسرارك غير ربك وجارك.
  • الجار اللي (الذي) تصبحه وتماسيه.. كيف تعاديه؟
  • رغيف برغيف، ولا يبات جارك جعان.
  • إن عاتبت جارك ابقيه، وإن غسلت ثوبك انقيه. (والمعنَى هُنا أنَّكَ إذا عاتبتَ جارَكَ فكُنْ رَفيقًا بِهِ لِيَبْقَى الودُّ بينكُما، وليسَ كما تغسلُ ثَوْبَكَ فتُنَقّيه)

تَعْكِسُ هذه المجموعةُ مِنَ الأمثِلَةِ القِيَمَ الإنسانيةَ الثريةَ في عَلاقةِ الجوارِ، ومدَى القُرْبِ والحميميةِ فيها، حتى تكادُ تقترِبُ من قُدسيةِ صِلَةِ الرَّحِمِ. وكيفَ لا، وقد أَوْصَتِ الآياتُ القرآنيةُ بالجارِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ في الكتابِ الكريمِ. كما عَدَّدَتِ الأحاديثُ النبويةُ الشريفةُ الحقوقَ الكثيرةَ للجارِ على جارِهِ، مُسلمًا كانَ أو غَيْرَ مسلمٍ. فلا عَجَبَ أنْ يتشرَّبَ وجدانُ الناسِ هذه التعاليمَ النبيلةَ فتُثْمِرُ علاقاتٍ جميلةً، تكونُ بحقٍّ نعمةً غاليةً.

رَصَدَتِ الأمثالُ الشعبيةُ بعضَ الأسبابِ التي تُعَكِّرُ صَفْوَ هذه العَلاقةِ، تَحذيرًا مِنَ الإتيانِ بمِثلِها، وبيَّنتِ السلوكَ الواجبَ لتَجَنُّبِ أضرارِها.

تُعبِّرُ عن ذلك هذه الأمثالُ:

  • أنت جار، وإلا كَشّاف أسرار؟
  • جار السوء ما أرداه (أردأه) اللي معانا أكله، واللي عنده خبّاه.
  • حلِّته (إناءُ الطَّهْيِ) على ناره، وعينه على جاره.

عِندَما تُصابُ علاقةُ الجوارِ بهذه الأمراضِ أو أحَدِها، فيَتعكَّرُ صَفْوَ العلاقةِ بسببِ الحسدِ وانْتِهاكِ الخصوصيةِ، أوِ البُخْلِ والطَّمَعِ، عِنْدَئِذٍ يُرْشِدُ المثلُ الشعبيُّ لتَحْجيمِ عَلاقةِ الجوارِ كعِلاجٍ وقائيٍّ مِن أضرارِها، فيَقولُ المثلُ:

“صباح الخير يا جاري، أنت في دارك وأنا في داري”

غَيْرَ أنَّ العَلاقاتِ الإنسانيةَ، ومنها الجوار، يُصيبُها ما يُصيبُ الجَسَدَ مِنَ الأمراضِ، فتفقِدُ العلاقةُ معناها، ويَكونُ الاستمرارُ فيها ضَرْبًا مِنَ الإيذاءِ والألَمِ الواجِبِ تفاديهِ.

عَبَّرَتْ عن ذلك هذه الأمثالُ:

  • إن جار عليك جارك، حوِّل باب دارك.
  • جار السوء تجازيه (تشكوه) أو ترحل عنه وتخلّيه.

رصدتْ بعضُ الأمثالِ مَن عانَى مِن تجربةِ جوارٍ أليمةٍ، فدفعتْهُ لأن يقولَ:

  • جيرة الفيران، ولا هالجار (هذا الجار).
  • جارك لا تصاحبه ولا تقابحه (تذكرُهُ بقَبيحٍ). (أي اعْتَزِلْهُ في كُلِّ حالٍ).

المُتَأَمِّلُ لمجموعِ الأمثالِ المذكورةِ، يستَشِفُّ مِن ورائها حِرصًا ورغبةً في استبقاءِ علاقةِ الجوارِ نقيةً خاليةً مِنَ المُنَغِّصاتِ التي تَسْلُبُها ثمارَها الجميلةَ.

تَتشابَهُ الأمثالُ عنِ الجارِ في مُختلَفِ الثقافاتِ، كما يتشابهُ جَوْهَرُ الإنسانِ في كُلِّ مكانٍ، فتَقولُ الأمثالُ:

  • قبلَ أنْ تَبتاعَ الدارَ، اسألْ عنِ الجارِ. (ألماني)
  • مَن يُلقي الشَّوْكَ عِنْدَ جارِهِ، يَنْبُتُ في حديقتِهِ. (روسي)
  • أَحْبِبْ جارَكَ، ولكن لا تَهْدِمِ الجِدارَ الفاصِلَ بَيْنَكُما. (نرويجي)

    ولهذا المثلِ معنًى عميقٌ، إذْ يُؤَكِّدُ على المعاني الطيبةِ في علاقةِ الجوارِ، مع الاحتفاظِ بالخصوصيةِ، لأنَّ ذلكَ أدْعَى لتلافي المُنَغِّصاتِ.

يبدو الفارقُ كبيرًا بينَ الصورةِ المُثْلَى الوَضيئةِ للعَلاقةِ بينَ الجيرانِ والصورةِ الحديثةِ لها، فمع المُتغيِّراتِ المجتمعيةِ وسَطْوَةِ وَسائلِ التَّواصُلِ الافْتِراضيِّ عَبْرَ التقنياتِ الحديثةِ، تَتقلَّصُ كَثيرٌ مِنَ العَلاقاتِ الإنسانيةِ.. ومنها الجوارُ. وباتَ مِنَ المُتَصَوَّرِ أنْ يَتجاوَرَ الناسُ في مَبْنًى واحِدٍ ولا تَنشأُ بينهُم علاقةٌ مِن أيِّ نَوْعٍ. وكم يَفقِدونَ حينَها مشاعِرَ وَدودَةً، وعَوْنًا مُفيدًا؛ فكَثيرًا ما يَكونُ الجيرانُ أقربَ مِنَ الأهلِ والأرحامِ عِنْدَ تَباعُدِ الديارِ.

لعلَّ تَناوُلَنا اليَوْمَ للأمثالِ التي تُلْقي الضَّوْءَ على عَلاقةِ الجوارِ في أبْهَى معانيها، يَكونُ دَعْوَةً لِتَقْوِيَةِ وإثْراءِ هذه العَلاقةِ المهمَّةِ، لتَكونَ عَوْنًا على تَرابُطِ المجتمعاتِ وقُوَّتِها، وثراءً لإنسانيَّتِها.


اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.