بقلم : د. جمال شهاب المحسن*
– خلال عملي البحثي وجدتُ أن المثل الفرنسي
Qui cherche trouve
(مَن يفتّش يجد)
بأنه يتماهى مع هذا المثل في أدبنا الشعبي ( اللي بفتّش بيلاقي) …
وانطلاقاً من ذلك فأيُّ بحثٍ يبدأ بالتفتيش والتقميش للمعلومات ومن مصادر ومراجع متعددة … وهذا عملٌ متعبٌ للأكاديمي الجدّي .
– الدنيا حَكّ جْحاش/ لشيخ الأدب الشعبي سلام الراسي
سنة 1941، اجتازت القوّات الإنكليزيّة حدود لبنان من فلسطين واجتاحت بعض المناطق الجنوبيّة، وجعلت قرية إبل السقي مركزًا لقيادتها.
وطلب القائد الإنكليزيّ أن يجتمع بوجهاء القرية، فلبّوا طلبه. قال القائد ما معناه إنّ الإنكليز خاضوا الحرب حبًّا بالسلام، وعلى الشعوب المحبّة للسلام أن تتعاون مع الإنكليز لما فيه خير الجميع.
فتنطّح أحد وجهاء القرية وقال: «كلامك عالراس والعين، يا حضرة القائد، نحنا مستعدّين نتعاون معكم ما زال في منفعه متبادله، والمثل بيقول: الدنيا حكّ جحاش، حِكّلّي وبحكّلَّك!»
فاستهجن الحاضرون، ولم يتورّع بعضهم عن الضحك. وكنت أتولَّى الترجمة، فشعرت بحرج شديد، خشية أن يثير ضحكهم مزاج القائد الغريب، واستدركت وقلت إنّنا قرويّون وقد اكتسبنا من عشرة الحيوانات بعض الحِكَم وبنينا عليها بعض الأمثال. فالحمار، مثلًا يستطيع أن يحكّ جميع أَعضاء جسمه، ما عدا ظهره. لذلك كلّما التقى حماران عاريان تولى الواحد منهما، بحكم غريزته حكّ ظهر الآخر بأسنانه. لذلك نقول في معرض كلامنا عن تبادل المنفعة: «الدنيا حَك جحاش، حِكّلّي وبحكّلَّك».
فانشرح خاطر القائد الإنكليزيّ وقال: «هذا كلام جميل جدًّا، وأجمل ما فيه أنّنا، في بلادنا نستعمل هذا المثل، فنقول: “حِك لي ظهري، وأنا أحكّ لك ظهرك”، إلّا أنّنا لا نعرف أساس هذا المثل».
وأردف القائد قائلًا: سأكتب الآن، في يوميّاتي، أنّ على الإنكليز أن يبحثوا في لبنان عن بعض جذور حضارتهم المنسيّة.
فقلت في نفسي: لا حول ولا قوّة… كانت تنقصنا هذه المصيبة في هذه البلاد، وهي أن نتعرّض في وقت قريب لغزوة استعماريّة للتنقيب عن حسابات منسيّة في دفاتر أجدادنا القرويّة.
هذه القصّة وقعت منذ زمن بعيد. لم يكن أدب العامّة يومئذٍ من اهتماماتي. وعندما بدأت أبحث بعدئذٍ عن جذور حضارتنا الشعبيّة، فطنت إلى جواب القائد الإنكليزيّ، وقلت لا بدّ أن تكون هنالك مأثورات وحِكَم وأمثال مشتركة بين بعض شعوب الأرض، ولا سيّما حيث تفاعلت حضارات الشعوب بعضها مع البعض الآخر.
(من كتاب حكي قرايا و حكي سرايا)
السابق بوست
القادم بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق