"إلّي وجهها يفجعها رزق بوها ينفعها"، و"كيد الرجال كيدين وكيد النساء 16" ، و"الطفلة لا ترد الوراث ولا تشد المحراث" ( يعني لا تدفع البلاء ولا تجلب الرزق)، و"بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف" ( يعني لا تعلمها ولا تسكنها في بيوت وغرف فاخرة)، هي بعض من الأمثلة التونسية التي نسمعها دائمًا على لسان الرجال وحتى النساء.
فهل تساءلت لما تنتشر تلك الأمثلة بيننا؟ هل لإيقاع التعابير التي تكون غالبًا وكأنّها أبيات من الشعر أم لرنة الألفاظ وإيجاز الكلمات؟ وهل تساءلت عن تلك الأفكار التي ترسّخت في أذهان أجيال بعد أجيال حتى أصبحت وكأنّها من المسلمات والحقائق البديهية؟
shareتنتشر في مجتمعنا الأمثال الموروثة التي تعطى صورة نمطية سلبية عن المرأة، وهي تعكس ثقافة اجتماعية تعلي من قيمة الرجل على حساب المرأة
اقرأ/ي أيضًا: "تشليط"، كي وممارسات أخرى.. رعب أطفال تونس
يزخر الوطن العربي بعدّة أمثلة شعبية هي ثمرة تجربة الأجداد والأولين، وقد تتشابه العديد من هذه الأمثلة بين البلدان في الألفاظ والمعاني، وفي النظرة التي تستنبطها خاصة تجاه المرأة. وتقدم العديد من الأمثلة الشعبية التونسية الموروثة في مجتمعنا صورة نمطية سلبية عن شخصية المرأة، وتعكس ثقافة اجتماعية تعلي من قيمة الرجل على حساب المرأة.
والأمثال الشعبية بصفة عامة هي كل قول مأثور عن الأجداد قيل في مناسبة معينة أو موقف معيّن، أو مجرد ملاحظة تجريبية أو حتى موقف ساخر من فعل ما قامت به المرأة في موقف ما، حتى بات وكأن الأمر ينطبق على جميع النساء. وإذا عرف عن الأولين الفصاحة والبلاغة في الكلام، فإن تلك الفصاحة لم تغب عند صوغ المثل الشعبي ليكون على درجة عالية من الحكمة، وقدر كبير من البلاغة خاصة عند استخدام اللهجة الشعبية مع جودة اختيار ألفاظها.
ولا غرو أنه عند استماعك لعديد الأمثال الشعبية تلاحظ جمالاً أدبيًا لا يقل بحال من الأحوال عن جمال الشعر والأدب، ومن ذلك "عقربتين في الحيط ولا بنتين في البيت"، أو "كب الطنجرة على فمها تطلع الطفلة لأمها"، وغيرها من الأمثلة التي يرددها الناس برنّة وتفنّن في الإلقاء، حتى أصبحت وكأنّها حكمة مسلمة. ولا تعتبر تلك الأمثلة إلا جزءًا بسيطًا من بعض التعابير التي بقيت راسخة في أذهان العديد يكررونها في مجالسهم وكأنّها حكم قطعي حول المرأة.
وإن كُرّمت المرأة التونسية بترسانة من القوانين والتشريعات التي حفظت مكانتها في المجتمع وميزتها عن باقي نساء البلدان العربية الأخرى، إلا أنّ تلك القوانين لم تجتث بعضًا من المواريث الثقافية التي تكرس نظرة دونية تجاه المرأة، مقابل الإعلاء من شأن الرجل على حساب المرأة.
shareرغم القوانين والتشريعات التي تحفظ مكانة المرأة في تونس، لا تزال المواريث الثقافية التي تكرس نظرة دونية تجاه المرأة
وربّما، من باب المفارقة، أن عديد النساء يتداولن تلك الأمثلة، و"تعتبرن تلك الأمثلة مجرد كلام وعبارات نمزح بها، أو نرددها في حالات غضب عادية"، كما تقول لنا عائشة بن خلفية وهي امرأة تبلغ 41 عامًا. وتضيف لـ"الترا تونس" أن "الأمثال المتوارثة عن الأجداد نرددها دون أن نفكر فيما تكرسه من نظرة دونية عن المرأة، نحن نرددها فقط من قبيل المزح أو التندر من فعل ما أو في حال غضب من شخص ما".
اقرأ/ي أيضًا: إلغاء المهر، حرية اختيار اللقب والمساواة في الميراث في تونس.. جدل يتصاعد
كما تشير فاطمة ابنة الـ24 ربيعًا، في ذات السياق، إلى "العشرات من الأمثلة التي نرددها في حياتنا اليومية، وخلال تعرضنا لمواقف معينة، سواء تلك الموجهة للمرأة أو غيرها بصفة عامة"، متحدثة عن استعمال النساء كذلك لهذه الأمثلة رغم أنها موجهة للمرأة بطريقة دونية. إذ تقول إنها ترى عديد النساء يرددن مثل "كيد الرجال كيدين وكيد النساء 16" والذي يعبر عن مكر النساء، وفق تعبيرها، ولكن تقول محدثّنا " تردد المرأة هذا المثل دون وعي منها أن تناقله سيكرر ويواصل حلقة النظرة الدونية تجاه المرأة، ولكن رغم ذلك تردده"، تتحدث فاطمة إلينا وهي تضحك "إنها مجرد مزحة فقط لا ضرر فيها" كما تقول.
في الأثناء، لا يستطيع أحد منّا أن يعزل أي ظاهرة فكرية عن الظواهر الأخرى في المجتمع ولا عزل تلك التفاصيل الصغيرة عن المجتمع ككل، وذلك حتى يمكن فهم عقلية المجتمع الذكوري والنظرة الدونية تجاه المرأة. إذ أنّ هذه العقلية مترجمة في خطاب متوراث منذ عصور يتحدّث عن المرأة أو بلسانها، ويرسم صورًا عن المرأة التي تبقى دون مستوى الرجل، ويقدم أمثلة ارتبطت أساسًا بالعفة أو الرزق أو العمل أو أمور أخرى. وتقدّم أغلب الأمثال الشعبية المرأة لا في صورة العاجزة معنويّا فقط، وإنما كذلك في صورة العاجزة ماديًا بل وحتى ذهنيًا على غرار مثل "مهبولة وزغرطوا في وذنها".
shareيكشف البحث في الذهنية الجماعية عبر الأمثال الشعبية عن صورة سلبية تجاه المرأة وذلك عدا الأمثال المتعلقة بالأم
وقد دفع توارث تلك الأمثلة التي تصور بالأساس عقلية المجتمع الذكوري بعض الكتاب إلى البحث في موضوع الأمثلة الشعبية عبر النبش في الذهنية الجماعية وموقفها من المرأة عبر التاريخ، وما قد تقدّمه الأمثلة من صور تختزنها الذاكرة التي تكشف في أغلبها عن صورة سلبية تجاه المرأة، وذلك عدا الأمثال المتعلّقة بالأم والإعلاء من شأنها، وذلك ما يشير إليه الباحث محمد المي في كتابه "صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية".
اقرأ/ي أيضًا:
"سكّرتك بالشروليّة على كل بنية".. وللفتيان نصيب من التصفيح في تونس
بيض وسمك وضرب.. أغرب عادات الزواج في تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق